تتوالى حوادث الاختناق بعوادم المولدات داخل الآبار السطحية في محافظة الضالع، فتتضاعف أعداد الضحايا في صورة تضع المراقب على حقيقة تعدد أسباب الموت في بلاد لم تُبقِ الحرب لساكنيها من خيار للاستقرار.
لا تكاد تمر حادثة اختناق ثم وفاة في الآبار السطحية، حتى يُسمع بالأخرى، وبحسب شهود عيان من قرى مختلفة في الضالع، تحدثوا إلى "خيوط"، فإنّ المُزارع ينزل إلى عمق البئر السطحية لغرض تشغيل أو إطفاء المولدات فيستنشق العوادم ثم يختنق ويفقد حياته.
جرت العادة أنّ الشخص العالق أو المطالِب للمساعدة إثر تعرضه لمشكلة، ينجو غالبًا، أو على الأقل يفقد حياته دون أن يصاب من يحاول مساعدته، لكن القصة تختلف في حوادث الآبار، ووفقًا لـعبدالملك المريسي- أحد شهود العيان على حدوث قصة مأساوية في منطقة "مريس" بالضالع، فقد اختنق شخص داخل البئر ومات، ثم لحقه ثلاثة قضوا وهم يحاولون إنقاذه، فيما نجا آخرون.
يتعرض المزارع اليمني للعديد من المخاطر والموت اختناقًا داخل الآبار السطحية، لا تعد هذه المشكلة الوحيدة، لكنها الأخطر، حيث تنعدم وسائل الأمان والتوعية، ويغيب دور المعنيين تمامًا، في تقديم الإرشاد بخطورة النزول إلى عمق الآبار السطحية في ظلّ وجود عوادم المولدات القاتلة وضعف تواجد الأوكسجين.
يصف حمزة منيف، أحد المزارعين في قرية (رمه) الواقعة بمديرية قعطبة في محافظة الضالع، حادثة اختناق شقيقه، بـ"المأساوية"، إذ تتذكر -حد قوله- أسرته الحادث فتشعر بالخوف. يقول منيف لـ"خيوط": "نجا شقيقي من موت محقق، واستطعنا أن ننقذه في لحظات حرجة". ويتابع: "حصلت قصة قبل حادثة شقيقي بذات المنطقة، وراح ضحيتها شخص بنفس الظروف".
لا تقتصر مشكلات المزارع اليمني على صعوبة تصدير منتجه وعدم وجود حافظات مركزية تضمن بقاء المنتج لفترة أطول دون تلفه، بل يعاني من عراقيل متعدّدة، وقد يدفع حياته ثمنًا لذلك في مراحل إنضاج الثمر والمحاصيل والعناية بها، في ظلّ غياب تام لأيّ تمثيل من قبل وزارة الزراعة، على الأقل فيما يتعلق بالجوانب الإرشادية وتفادي الأخطار والأضرار الناجمة عن طرق الري البدائية.
يلاحق شبح الاختناق بعوادم المولدات، المُزارِع في الضالع داخل الآبار السطحية، حيث يُودي بحياة العشرات من الفلاحين، ولا يقتصر الأمر على المحافظة وحدها، بل هناك قصص مماثلة في معظم محافظات الجمهورية، ورغم اتساع دائرة الخطر لا يتغير شيءٌ من واقع الحال.
مؤخرًا، شهدت مدينة دمت الواقعة شمال محافظة الضالع، وعلى ضفاف وادي بنا، قصة أحزنت الجميع وأثارت ضجة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ تُوفِّي ثلاثة أشخاص داخل بئر سطحية إثر الاختناق، ونجا شخصان. وبحسب شهادات أهل القرى، فإنّ قصص الموت على هذه الطريقة تتكرر؛ الأمر الذي يجعلهم يتساءلون: "إلى متى يستمر هذا الحال؟!"، إذ لا حلول أو بدائل تنقذ المزارع من "غول" الاختناق بينما يكافح لري مزارعه.
بدورها تواصلت "خيوط" مع الطبيب عبداللطيف مسعد، المختص في أمراض الجهاز التنفسي لمعرفة تفاصيل حادثة وأسباب الاختناق والموت داخل الآبار السطحية، وأفاد قائلًا: "بمجرد استنشاق أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق المواد العضوية للمولدات، والذي يمر من الرئتين إلى مجرى الدم، فإنه يرتبط بجزيئات الهيموجلوبين التي تحمل عادة الأكسجين؛ وبالتالي لا يمكن للأكسجين الانتقال على جزيء الهيموجلوبين الذي يحتوي على أول أكسيد الكربون".
ويضيف: "يختطف أول أكسيد الكربون السام جزيئات الهيموجلوبين أكثر فأكثر، ويفقد الدم تدريجيًّا قدرته على حمل كمية كافية من الأكسجين لتلبية احتياجات الجسم".
ويستكمل الطبيب: "ومع عدم وجود الكمية الكافية من الأكسجين داخل البئر السطحية إثر احتراق المواد العضوية للمولدات، تختنق الخلايا الفردية وتموت، خاصة في الأعضاء الحيوية، مثل المخ والقلب، وهو ما يعني الموت".
ومع تزايد أعداد الضحايا في الآبار السطحية، يرى المهندس الزراعي طه الزقري، أنه لا يمكن إلقاء اللوم على الجهات المعنية فحسب، بل يتحمل المجتمع بعض هذه التبعات لمعرفته بخطورة استنشاق عوادم المولدات داخل الآبار، ومع هذا فإنه مستمر -حدّ قوله- في "اللامبالاة".