في كل مرة تُذكر فيها عبوات الموت الناسفة، أصبح الأمر لصيقًا بذكر ضحاياه من الأطفال. وتقع المسؤولية الجسيمة على الأطراف المتقاتلة، في كونها بثّت أجسام الموت هذه في كلِّ مكان؛ على قارعات الطرق، في المزارع، وفي ممشى البهائم، ثم تقع في أيدي الأطفال، بسببٍ من جاذبية أشكالها.
رمّاح، طفلٌ في الربيع الثاني من عمره، عندما فقدَ حياته وهو يلعب داخل منزله في منطقة الركب بمديرية الجراحي، محافظة الحُديدة.
وفي التفاصيل، عثر بلال (15 سنة)، وهو عمُّ الطفل رمّاح، على عبوة مموّهة تشبه علبة العصائر، أثناء رعيه للأغنام في القرية، فحملها معه وعاد بها إلى المنزل. كان يعتقد أنّها لعبة وليست أداة قتل.
وفي يوم الخميس، الخامس من مايو 2022، وعند الساعة السابعة صباحًا، خرج بلال إلى حوش المنزل وبيده العبوة. كانت الأرض مبتلّة من المطر الذي هطل في الليلة السابقة.
وقف بلال بجانب سرير والده (60 سنة)، وكان بجانبهما الطفل رماح يلعب ويلهو. رمى بلال بما في يده على طين الأرض، فانفجرت مختلطة بالطمي ودماء وأشلاء الطفل رماح.
في منطقة أخرى بمحافظة الحُديدة، كان هناك ضحايا للأجسام المتفجرة الحاملة للموت. ثلاثة أطفال أشقاء قتلى، وثلاثة جرحى ووالدتهم. أسرة واحدة في لحظة، فقدت ثلاثة منها، فالفضول الدافع لطفل، لاستكشاف الأشياء، باء بكارثة، فلا مجال لهم للشغف وعيش الطفولة في أرضهم، التي صارت موبوءة بالألغام وبقايا الأسلحة.
بلال أصيب أيضًا بشظايا في ساقيه وعضوه الذكري، وطالت الشظايا والد رمّاح المستلقي فوق سريره، إذ أُصيب في يده اليسرى ووجهه. لم يصمد رمّاح إلّا ثوانيَ قليلة، فارقَ بعدها الحياة، بينما تم نقل بلال إلى مشفى لإجراء إسعافات أولية له، وبعد ذلك تم نقله إلى مستشفى الثورة بمدينة الحُديدة.
كانت لعبة أخرى من ألعاب الحرب، غيّرت مصير أسرة إلى الأبد، وتركتها تقاسي الأمَرَّين. يتّهم الأهالي جماعةَ أنصارالله (الحوثيين) بوضع هذه العبوة، إذ إنّها إلى جانب كونها تحمل النمط الذي استخدموه في تفخيخ الأماكن، تقع أيضًا في المناطق التي يسيطرون عليها.
أطفال المراوعة الثلاثة
في منطقة بمحافظة الحُديدة، كان هناك ضحايا للأجسام المتفجرة الحاملة للموت. ثلاثة أطفال أشقاء قتلى وثلاثة جرحى ووالدتهم. أسرة واحدة في لحظة فقدت ثلاثة منها، فالفضول الدافع لطفل، لاستكشاف الأشياء، باء بكارثة، فلا مجال لهم للشغف وعيش الطفولة في أرضهم التي صارت موبوءة بالألغام وبقايا الأسلحة.
في اللحظة التي رمقت فيها عينا الطفل وائل (12 سنة)، بقايا ذخيرة مضادّ طيران ملقى على قارعة الطريق، كان بمعية والده حين دفعه فضوله وشغف الطفولة لاستكشاف هذا الشيء إلى حمله معه دون أن يعلم أنّ حياته وحياة اثنين من أشقائه ستنتهي بهذا الجسم الحَديديّ الغريب.
وفي يوم الأحد 25 أبريل/ نيسان 2021، وعند الساعة الـ10:30 صباحًا، كان قد قرّر اللعب بهذا الجسم الفاتك بالأرواح، حيث كان قد جمع إخوته وجلسوا بجانب بعضهم لمعاينة هذا الجسم الحَديدي.
بدأ الطفل وائل بطرقه بمطرقة، في فناء منزلهم في قرية الخليفة بمديرية المراوعة، محافظة الحُديدة، وبدأ خيال الأطفال الذين معه يسرح بأنّهم وجدوا لعبة ممتعة قد تصدر صوتًا لطيفًا أو قد يتحوّل لشكل ظريف يمكن اللعب به.
فالطفل يعايش مع أسرته وضعًا سيِّئًا، ولم يسبق له أن أمسك دمية بلاستيكية أو آلة موسيقية تصدر أصواتًا مرحة، فجذبه هذا الجسم الحَديدي الغريب الشكل لديه، باغيًا منه قضاء لحظة مسلّية مع إخوته.
بدأ في محاولة استكشاف اللعبة الخطرة التي وجدها على قارعة طريق دون أن يتكلّف والداه دفع قيمتها، فآل لدفعِهِ حياتَه وأشقاءه ثمنًا لِلَحظات لهوٍ مجانية.
قُتل وائل، وشقيقيه إبراهيم (6 سنوات)، ونور الدين (7 سنوات)، وجُرحت ثلاثٌ من شقيقاته الأطفال ووالدتهم.
كان يومًا عصيبًا على والدهم الذي لم يكن متواجدًا في المنزل في ذلك الوقت، "كأنه تم قطعي من المنتصف؛ أنا متعب نفسيًّا" هذا ما عبّر به والد الضحايا بعد الحادثة.
لكن ليست هذه المرة الأولى التي أثارت فيها الأجسام الحَديديّة الحاملة للموت لهب فضولهم، ولكنهم كانوا إضافة مأساوية لقتلى أطفال كان يؤمّل لهم حياة أفضل برفقة أسرهم.
