تشهد مدينة عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، تذبذبًا كبيرًا في سعر صرف العملة الوطنية. فبعد أن ارتفعت قيمة الدولار إلى ما يقارب 900 ريال يمني، ونزوله بشكل مفاجئ إلى حوالي الـ760 ريالًا، عند إعلان تشكيل الحكومة الجديدة التي تمخضت عن اتفاق الرياض، عاد سعر الصرف للتذبذب مجدداً.
في الوقت ذاته، لا يزال سوق الصرف يشهد مدًّا وجزرًا بسعر صرف العملة، الأمر الذي شكل عائقًا حقيقيًّا وصعوبات عدة في القطاع التجاري واستيراد السلع والمواد الغذائية وبين الصرافين والعملاء، في نفس اللحظة التي يغيب فيها دور البنك المركزي عن المشهد.
علي المرواني، وهو مالك إحدى البقالات التجارية العاملة في بيع المواد الغذائية بالتجزئة، يقول لـ"خيوط"، إنه أحجم وكثيرين غيره عن شراء البضائع أملًا في انخفاض أسعارها؛ لأنه من غير المعقول -على حد قوله- أن نشتري بسعر صرف الأمس ونبيع بسعر صرف اليوم. الأمر الذي يُعدّ عبئًا كبيرًا على أصحاب المحلات التجارية، وهو الشراء والبيع دون الحصول على أي شكل من أشكال الربح.
فيما يوضح علي السفياني، وهو أحد العاملين في محل صرافة، أن سعر الصرف يصعد وينخفض بالساعة الواحدة، دون أي إجراء لازم من قبل البنك المركزي في عدن يهدف إلى استقرار العملة، وبسبب هذا الصعود والهبوط، يحجم أغلب الصرافين عن صرف العملات الصعبة؛ الأمر الذي يجعل السوق غير مستقرٍ إجمالاً.
أسباب الاضطراب
يرجع خبراء أسباب انهيار العملة والتذبذب الحاصل في سعر الصرف في عدن- العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا والمحافظات الواقعة في نطاقها الجغرافي، إلى عدم القبول بالعملة من الطبعة الجديدة، في صنعاء ومناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، وهو ما كان له انعكاسات سلبية في تدهور العملة وعدم القدرة على إيقاف هذا التدهور حتى الآن.
يشكو الكثير من المواطنين في عدن، من الارتفاع الهائل في أسعار السلع والمواد الغذائية؛ الأمر الذي أثقل كاهل المواطن البسيط، الذي يعتمد اعتمادًا كليًّا على راتبه الذي لا يتجاوز -مقارنة بسعر صرف العملة الحالي- نحو 50 دولارًا شهريًّا
وبينما يستغرب المواطن أحمد المحوري، من تفاوت صرف العملة بين المناطق اليمنية، وأن يكون سعر صرف الريال في صنعاء حوالي 598 ريالًا مقابل الدولار، في اللحظة التي تنهار فيها العملة بشكل متواصل في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، كان هناك رأي مختلف للباحث عمر زياد، الذي يؤكد أن العامل الاقتصادي على مستوى العالم هو العامل شبه الوحيد الذي يؤثر على سعر صرف العملة. أما على الصعيد المحلي فهناك عاملان رئيسيان -وفق حديثه لـ"خيوط"- يتمثل الأول بالعامل السياسي، بالإضافة إلى عامل من سمّاهم تجار الحروب.
يوضح زياد أنه في اللحظة التي وصلت فيها الحكومة الجديدة إلى عدن، نزل سعر صرف الريال السعودي من 240 إلى 160 ريال يمني، وقبل أن يُعرف إذا ما كانت الحكومة تضررت بفعل الصواريخ التي تعرض لها مطار عدن لها أثناء وصول تشكيلة الحكومة الجديدة، ارتفع سعر صرف العملة في وقت قياسي من 160 إلى 190 أمام الريال السعودي، الأمر الذي أخاف قطاعات تجارية واقتصادية واسعة في البلاد.
ويؤكد أن الفساد المالي الحاصل، بمثابة سلسلة متواصلة، يدخل فيها عمل بعض الصرافين، الذين يهرّبون الأموال غير المشروعة لبعض النافذين، دون إخطار البنك المركزي؛ الأمر الذي يعود أيضًا بالضرر الكبير على العملة المحلية.
المعالجة الشاملة للاقتصاد
يشكو الكثير من المواطنين في عدن من الارتفاع الهائل في أسعار السلع والمواد الغذائية، الأمر الذي أثقل كاهل المواطن البسيط، الذي يعتمد اعتمادًا كليًّا على راتبه الذي لا يتجاوز -مقارنة بسعر صرف العملة الحالي- نحو 50 دولارًا شهريًّا. فقد أشار الحاج إبراهيم صابر في حديثه لـ"خيوط"، إلى صعوبة الاستمرار في الحياة الطبيعية في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار على حد قوله، فالجوع -والحديث لهذا المواطن- هو أكثر الأعداء فتكًا؛ والوبال الاقتصادي يدخل في جميع مفاصل الحياة، من أكل وشرب ولبس وسكن وتعليم وصحة، إذ يقول الحاج إبراهيم: "لا نملك في هذه الحياة غير الأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية".
الخبير الاقتصادي عاطف مهدي يشدد في حديثه لـ"خيوط"، على أن العامل الاقتصادي مرتبط ارتباطًا شاملًا بالعامل السياسي، داعيًا الحكومة الجديدة للعمل على تخفيف المعاناة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بشكل عام، وليس فقط في عدن.
تتمثل عملية تخفيف المعاناة الاقتصادية والاجتماعية من خلال الاستقرار السياسي للارتباط بينهما في عملية تأثير كل عامل على العامل الآخر؛ بمعنى أن استقرار الوضع السياسي يؤدي إلى استقرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتحسين مختلف جوانب الأوضاع المعيشية للمواطنين، ويسهم في تفعيل مؤسسات الدولة الإنتاجية والإيرادية ورفد الخزينة العامة.
في هذا الجانب يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، الدكتور أمين علي حسن، في حديثه لـ"خيوط"، أهمية المعالجة الشاملة للفشل الاقتصادي، بدءًا بإتاحة الخدمات الملحة التي يحتاجها المواطن، ومن ثم التسويات في الرواتب وهيكل الأجور، إلى جانب إعداد الموازنة العامة والتركيز على الصادرات، سيما أن صادرات النفط بإمكانها توفير العملة الصعبة، والمساهمة بما يقارب 85% من إيرادات الدولة.
وفي موضوع انهيار العملة يؤكد الدكتور أمين، أن على السلطات المسؤولة القيام بالإجراءات المطلوبة لوقف هذا الانهيار المتواصل، عن طريق ضبط السوق المصرفية وإغلاق محلات الصرافة التي تعمل دون تراخيص، وإيقاف المضاربة الحاصلة بالعملة وتقنين الاستيراد.