باعتباره جزءًا من محور يقدم نفسه على أنه معادٍ لقيم "الرأسمالية" الغربية، تقدم لنا جماعة "أنصارالله" (الحوثيين) نسخة غاية في الرداءة والبؤس في ممارسات سيطرة الخاصة على الثروة والسلطة. إذ يمكن القول إن الجماعة اقتبست من "الرأسمالية" أسوأ ما فيها، من خصخصة القطاع العام، واحتكار موارده بالكامل، مقابل صفر كبير وبجح نراه شاهرًا سيفه في وجوه الجميع.
بالأمس، حوّلت حكومة أنصار الله (الحوثيين) قاعة "بيت الثقافة" لمعرض ملابس خيري، وبعقلية المسيطر، الذي يفعل أي شيء، دون إدراك للعواقب، لأن الدولة التي صار يمتلكها، لم تعد تمثل غير مصالحه. دون حتى قليل من التفكير، في كون هذا الفعل مخالفًا للَّوائح والقوانين والوظيفة التي وجد القطاع العام لأجلها، ثم "إن البلد في حالة حرب"؛ الشماعة التي يعلق عليها السلوك التخريبي خطاياه، معتقدًا أنه بمثل هكذا عبارة، يستطيع أن يخرس الجميع.
ما يجعل "ظاهرة بيت الثقافة"، سلوكًا ممنهجًا، ليس حسن نية "الخيرين في الجماعة"، وجهلهم بالوظيفة العامة، بقدر ما تبدو هذه الممارسة شائعة، حين النظر إلى ما قدّمته جماعة "أنصارالله" ومسؤوليها للعامة منذ سيطرتهم على السلطة في خريف العام 2014. أن تثير في خطابك التعبوي أنك ضد "الرأسمالية" و"قيم الغرب"، ثم تذهب لخصخصة التعليم والصحة، وتأجير القطاع العام لأصحاب المصالح الخاصة، ذلك ما نقصده. أن تجبر الموظفين الحكوميين على العمل بنصف راتب كل ستة أشهر، وتفرض عليهم "دورات ثقافية" طائفية، وأن يُؤجّر قطاع الكهرباء للشركات، وأن تجني ملايين -إن لم يكن مليارات الريالات- من الضرائب والجمارك، ثم لا نرى أي إقرار للشعب، إلى جيوب من تذهب هذه الأموال وكيف تنفق.
"الحرب"؛ الدجاجة التي تبيض ذهبًا، وعلى ما فيها من ادعاءات نبيلة، إلا أن خلاصة هذا الفعل يشي بالنية الحقيقية للمتحاربين، لكننا -نحن الشعب- هل يجب أن نكون مخدوعين إلى الأبد، ونحن نرى الغالبية يتضورون جوعًا، بينما الأبراج وناطحات السحاب تسابق خيباتنا في احتلال الشوارع والأزقة.
أكثر من سبع سنوات والقنوات الرقابية في البلد معطلة بذريعة أن البلد في حالة حرب، وهناك الطرفان؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، يبدوان كما لو أنهما على طرفي نقيض، غير أنهما متطابقان بشكل سيامي إزاء مصالح الشعب الذي يتقاسمان تجويعه وقتله. فالحوثيون، دأبوا على استخدام الهيكل الجاهز للدولة، للجباية المكثفة المحضة، دون أن يفكروا حتى بادعاءات سيطرتهم على السلطة الموثقة بالصوت والصورة، فيما الحكومة المعترف بها دوليًّا، سلمت مواطنيها لجماعات مسلحة، ثم اغتربت لتقسم مواطنيها إلى فئتين: تحت سيطرة الحوثيين، وبالتالي خونة لا يستحقون العيش، وآخرون في مناطق سيطرتها لا يستطيعون بالرواتب المنهارة التي يستلمونها إعالة أطفالهم.
إذن "الحرب"؛ الدجاجة التي تبيض ذهبًا، وعلى ما فيها من ادعاءات نبيلة، إلا أن خلاصة هذا الفعل يشي بالنية الحقيقية للمتحاربين، لكننا -نحن الشعب- هل يجب أن نكون مخدوعين إلى الأبد، ونحن نرى الغالبية يتضورون جوعًا، بينما الأبراج وناطحات السحاب تسابق خيباتنا في احتلال الشوارع والأزقة، نرى كيف أن المواطن لا يستطيع أن يطال حبة بيض (سعرها 150 ريالًا قعيطيًّا)، بينما يعرض المضاربون رزمة قات بقيمة مليون ريالًا!
يومًا عن يوم، تتم مصادرة المكاسب التي تم مراكمتها لأكثر من نصف قرن، لتصير السلطة والثروة إلى يد نخبة صغيرة ترى في الحديث عن المال والرقابة عليه شيئًا يجب أن يكون مجرّمًا، إن لم تكن قد صارت إلى تواطؤ مع بعضها في جعل الحرب أطول عمرًا وأكثر كلفة، لكنها في النهاية كلفة من حياتنا وأعمارنا ومستقبل أطفالنا، نحن السواد الأعظم.