في لحظة الخوف العالمي من موجة ثالثة من وباء كورونا، يقف الواقع الطبي المتردي في مدينة عدن أمام الموجة الثانية من هذا الوباء. هذا الواقع، والذي يوائم تمامًا الأوضاع المتردية في المدينة، في تردي الخدمات الطبية، ونقص الكادر الطبي، بالإضافة إلى شحة مستشفيات العزل، وقلة الوعي المجتمعي، كل هذه العوامل وأكثر، ترسم واقعًا مخيفًا في مجابهة الموجة من فيروس كورونا في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.
وبين مطرقة الفحوصات الطبية السريعة باهظة الثمن في المراكز الخاصة، وبين سندان القطاع العام الأقل سعرًا، يقف المرء عاجزًا تائهًا وخائفًا، من الفحص، ويهرع مسرعًا إلى التداوي بالأعشاب الطبيعية كملاذ رئيسي من جحيم هذا الوضع الذي يفوق قدراتهم على تحمله، في ظل وضع معيشي متردٍّ للغاية.
في هذا السياق، يشير الدكتور جلال محمد ناصر الطبيب العام في طوارئ مستشفى 22 مايو بعدن لـ"خيوط"، إلى الصعوبة البالغة في التعامل مع وباء كورونا في حدود إمكانية قليلة جدًّا.
ويؤكد الدكتور جلال صعوبة الموقف خلال الفترة، بالرغم من الدور الذي تلعبه بعض المنظمات الأممية والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص، مثل مجموعة هائل سعيد أنعم، التي قدّمت الكثير لمواجهة الجائحة بالتنسيق مع برنامج التنمية الإنسانية وبالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود، في دعم المشاريع الخيرية لمواجهة وباء كورونا، وخصوصًا في مستشفى 22 مايو وبعض المراكز الصحية الأخرى.
في لحظة يخشى العالم فيه من الاختلاط في الأماكن العامة، يتعامل أغلب الناس على الصعيد المحلي في عدن باستهتار بالغ مع الجائحة، فترى الأسواق مكتظة والمواصلات مزدحمة والشوارع والمساجد أيضًا، دون الانتباه إلى ما يتعرض له الإنسان من خطر في ظل الجائحة
ويكشف عن وجود انفجار صامت في الحالات، فالكثير من المصابين والتي تظهر عليهم الأعراض، يخافون من إجراء الفحوصات، وذلك بسبب التهويل الإعلامي، والذي لعب دورًا سيئًا في مواجهة الجائحة.
من سيتلقى اللقاح
كان الحدث الأبرز في عدن الأسبوع الماضي، قيام وزير الصحة العامة والسكان في الحكومة المعترف بها دوليًّا، الدكتور قاسم بحيبح ووكيل الوزارة الدكتور علي الوليدي، إلى جانب ممثل اليونسيف في اليمن السيد فيليب دواميل وممثل منظمة الصحة العالمية الدكتور أدهم إسماعيل، باستلام اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا البالغ عددها 360 ألف جرعة، إضافة إلى 13,000 صندوق لحفظ اللقاحات و1,300,000 من المحاقن واللازمة لبدء حملة التطعيم بشكل آمن وفعال. تمثل هذه الدفعة الأولى جزءًا من 1,9 مليون جرعة ستحصل عليها اليمن مبدئيًّا خلال العام 2021.
وأكد الدكتور بحيبح خلال عملية التسليم في مطار عدن الدولي، عزم وزارته الشروع في تنفيذ حملة التحصين ضد فيروس كورونا، والتي ستنطلق خلال أيام قليلة بعد وصول الدفعة الأولى من اللقاح والبدء بتحصين الكادر الصحي.
تحكي الصيدلانية نورا عمر لـ"خيوط"، عن خوف غالبية الناس من أخذ جرعات اللقاح مع وصول الدفعة الأولى منه، وقالت في معرض حديثها، "من الصعب إقناع الناس بأخذ الجرعات، في وقت يشكك فيه البعض من نجاعة اللقاح. وفي ردّها على سؤالنا هل هي ستتقدم بطلب أخذ اللقاح، أجابت: "المشكلة الحقيقية الواقعة في مدينة عدن بين المواطن ووزارة الصحة، هي غياب الثقة؛ لذلك أستبعد أخذي اللقاح، حتى وإن ظهرت عليَّ بعض الأعراض".
من جانبه يدعو الطبيب حسنين امعبد، السلطات الصحية في عدن إلى فتح العيادات التخصصية في المشافي الحكومية، وقد أبدى استغرابه من قرار الوزارة، بغلق العيادات التخصصية في نفس الوقت الذي يُسمح للقطاع الصحي الخاص بفتح أبوابه، وقد قال مندهشًا: "كأن كورونا يأتي للمستشفيات الحكومية، ولا يأتي للمشافي الخاصة".
وعي غائب وأدوار سلبية
في لحظة يخشى العالم فيه من الاختلاط في الأماكن العامة، يتعامل أغلب الناس على الصعيد المحلي في عدن باستهتار بالغ مع الجائحة، فترى الأسواق مكتظة والمواصلات مزدحمة والشوارع والمساجد أيضًا، دون الانتباه إلى ما يتعرض له الإنسان من خطر في ظل الجائحة.
ونادرًا ما ترى أحدًا يرتدي الكمامة، مع انخفاض بشكل كبير للإجراءات الوقائية، مثل استعمال المعقمات، في فترة تزداد فيها عدد الإصابات بالوباء بشكل متواصل.
وتعاني مدينة عدن كغيرها من المحافظات اليمنية من غياب الدور المجتمعي والرسمي على وجه التحديد، في خلق رأي عام موحد، وحشد مختلف الطاقات المجتمعية، وتشكيل مسار وجبهة موحدة في مواجهة هذا الوباء الذي يمضي في التسلل والانتشار، في ظل أوضاع معيشية وخدمية متردية ومرافق صحية وطبية في وضعية لا تسمح لها بمواجهته.
في الإطار نفسه، تفتقد هذه الجهود للدور الإعلامي، الذي بإمكانه أن يلعب دورًا رئيسيًّا في زرع الوعي الجمعي في التعامل مع هذا الوباء العالمي. هذا الدور كذلك -وَفق مراقبين- من المفترض أن يصب في خانة دفع الأمور إلى الإيجابية في التعاطي مع الوباء.
لكن ما يحدث، كما يلاحظ في عدن، اختفاء أي دور للنخب المجتمعية والإعلامية والثقافية والتي من المفترض أن يكون بيدها لواء التوعية والتثقيف، والمشكلة ما يجده المتابع لمجريات الأحداث في عدن في القيام بدور عكسي في التهويل والتضخيم من الفيروس بشكل سلبي، ومن ناحية أخرى التعامل باستهتار يصل في بعض الأحيان إلى التكذيب والتشكيك بالإحصائيات المرتبطة بالوباء، والتي تزداد يومًا بعد يوم.
هذا الدور العكسي في التعاطي مع الجائحة، يؤثر على كثير من فئات المجتمع والتي لا تُدرك خطورة الموقف في لحظة يُصارع فيها العالم للحيلولة دون كارثة قد تصيب الشعوب.
في هذا الخصوص، يضعنا الناشط المحلي والإعلامي بديع سلطان، في صورة ما يجري بخصوص الموجة الثانية من فيروس كورونا في عدن، بالإشارة إلى فترة انتشار الوباء على الصعيد العالمي في الموجة الأولى والتي كانت في مطلع عام 2020، والتي أظهرت وفق حديثه لـ"خيوط"، العجز الكبير والفشل لأعتى وأكبر الأنظمة الصحية على مستوى العالم، فقد سقط الآلاف ضحايا لفايرس كوفيد-19، في دول ربما تكون الأرقى على المستوى الطبي كالولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، والسبب كان تزايد أعداد المصابين وعدم كفاية استيعاب المستشفيات للعدد المهول من المصابين بالفيروس.
ويقارن بديع بين الأنظمة الصحية الكبرى والنظام الصحي اليمني المتردي والمتهالك من قبل وباء كورونا، وهو ما وضعه في مواجهة خاسرة في هذه الحرب المفتوحة مع فيروس كورونا، لذلك يرى أن المستشفيات غير قادرة على استقبال حتى المصابين بالوباء، بينما هناك مستشفيات أقفلت أبوابها أمام المرضى المشتبه بإصابتهم بالفيروس. وهو ما أدى إلى تدخل المنظمات الدولية في الموجة الأولى للتدخل في مراكز العزل.
في السياق نفسه، أطلقت منظمات أممية -مؤخرًا- تحذيرات من ضعف قدرات اليمن في مواجهة الموجة الثانية من فيروس كورونا، والحاجة الملحة إلى زيادة الدعم -ليس المالي فقط بل الدعم الصحي، والذي تم تدميره بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات- وذلك لتفعيل جهود الاستجابة لمرض كوفيد-19 وسط ارتفاع حاد في أعداد المصابين منذ شهر مارس/ آذار الماضي.
تحرير/ خيوط