على متن وسائل المواصلات الداخلية، أو تلك الرابطة بين المدن اليمنية، في الشارع وأنت تمشي، عند توقفك للشراء من أحد الأسواق، وأحيانًا دون مقدمات يصرخ أحدهم في وجهك: "كوروناااا..." لا لشيء، فقط لأنك ترتدي قناعًا تغطي به أنفك وفمك؛ لتقي نفسك وأسرتك ومحيطك من خطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد، الذي عاود نشاطه مجددًا منذ شهرين، في موجة تبدو أشد من سابقتها بالنظر إلى أرقام الإصابات اليومية المتزايدة في عدد من المحافظات، والأنكى أن أطباء وعاملين صحيين يتبنون حالة الاستخفاف هذه، ولا يخلو الأمر من مؤامرة تستهدف حلول شهر رمضان!
استهتار قاتل
عند شعورها بعدد من الأعراض، قررت (ف.س) أن تعزل نفسها عن الآخرين، لكن أحد إخوتها أصر عليها أن يصافحها، داعيًا إياها لتجاهل ما تشعر به، وأن لا حاجة إلى كل هذا الاهتمام والحرص. استخفافٌ صنع للفيروس بيئة خصبة ليس فقط للانتشار بل للإيقاع بضحايا ليس لهم به حِملٌ ولا طاقة، فكانت أمها أول المصابين وفارقت الحياة متأثرة بإصابتها، ولم يتوانَ كوفيد-19 من الفتك بإخوتها وعدد من أفراد الأسرة، الذين ما زال بعضهم يصارعون للعودة إلى حالهم الطبيعي.
في تعز تداعى المئات لحضور افتتاح سوق تجاري غرب المدينة دون احترازات تُذكر، مثّل هذا المشهد حالة غير طبيعية لمدى التهاون الحاصل من المواطنين والمسؤولين على حد سواء، حتى أن المدينة الموبوءة بالفيروس سجّلت ارتفاعًا تصاعديًّا في عدد حالات الإصابة والوفيات لم تشهده طوال موجة الانتشار الأولى من العام الماضي.
الدكتور ياسين الشريحي مسؤول الترصد الوبائي بمكتب الصحة العامة في تعز يقول، إن المستهترين شركاء في مفاقمة سوء الوضع الصحي، ولا يختلف حكمهم عن حكم أولئك الذين ينفون وجود الفيروس تمامًا، ويساهمون بشكل أو بآخر في صنع بؤر خصبة لانتشاره وتفشيه
لم يكنِ الوضع مختلفًا في حضرموت، فأكثر محافظات البلاد إصابة بالفيروس الغامض عاشت مناسبتين جماهيريتين غير مسبوقتين، فمنع إقامتهما العام المنصرم بفعل الإجراءات المفروضة لم تكرر ثانية. الآلاف من عدة محافظات وجنسيات عربية وإسلامية لم يفوتوا زيارة قبر النبي هود (شمال شرق مدينة تريم)، وهي عادة سنوية دأبوا على القيام بها في منتصف شعبان من كل عام، وتستمر لأيام مع اصطناع أسواق مؤقتة توفر احتياجات الزائرين دون أي احترازات، الزيارة أتبعت بسباق للهجن في المدينة ذاتها، وهي مناسبة ذات صلة بسابقتها، وتكاد تكون امتدادًا لها، وفي المناسبتين لا حضور للسلطات المحلية من حيث التوجيه والتعامل مع الموقف أو إلزام الحضور بأدنى متطلبات الوقاية، واكتفت برصد أعداد الإصابات المتزايدة في المحافظة.
إجراءاتٌ ورقية
تعميمان من وزارة الصحة العامة والسكان التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وآخر من حكومة أنصار الله الحوثيين، وإعلان حالة الطوارئ الصحية من اللجنة العليا لمواجهة فيروس كورنا التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وتوجيهات تكاد تصل إلى إعلان حالة الطوارئ على المستوى المحلي في كل من عدن وحضرموت وتعز ومأرب، لكن فعاليتها لا تكاد تبارح أماكن صدورها مصحوبة بجولة افتراضية على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك أقصى ما قد تصل إليه.
أغلب المستشفيات لا تلتزم بالإجراءات الاحترازية كما يجب، بل إنك تصطدم بطبيب أو أحد العاملين من الكادر الصحي بتجاهل ذلك، ويزيد على ذلك بالقول: "ليش أنت مصدق إنه في كورونا"، وكأنه لم يكتفِ بمشاهداته اليومية للوصول إلى قناعة تامة بأن فيروس كورونا حقيقة يجب التعاطي معها باحترازات عالية الأهمية.
تمامًا كبلال الغنّام، باحث ومهتم بالوضع الطبي الذي لا يدخر جهدًا في مجابهة من يؤمن بأن هناك فيروسًا يُدعى كورونا، وفي مخيلته وفق حديثه لـ"خيوط"، أن الفيروس ليس بكل هذه القدرة الوبائية لكنه تعرّض لتدخلات بشرية يصفها بالشيطانية، ويرى الغنّام أن هناك مؤامرة يقودها أرباب المال العالميون ولهم مآرب شتى، مما أسماها الفوضى الحاصلة، مستعينًا بآراء أخرى تشاطره ذات التوجه محليًّا وإقليميًّا.
حتى الأسواق المكتظة بالباعة والمشترين؛ كونها في موسم سنوي لا تلمس التزامًا من أي نوع، فالمحلات تتجاهل ذلك وكأنها غير معنية بحماية عملائها وعامليها، وكذلك المترددون يندر أن ترى أحدهم يرتدي قناعًا واقيًا أو يلتزم بمساحة تباعد معينة.
يرى الدكتور ياسين الشريحي، مسؤول الترصد الوبائي بمكتب الصحة العامة في تعز، أن الإجراءات المطبقة اقتصرت حتى الآن على بعض صالات الأعراس، وإلزام المساجد بالتباعد ولبس القناع، ومحاولة فض أسواق القات التي لم تنجح حتى اللحظة.
الشريحي أضاف لـ"خيوط"، بالقول إن المستهترين شركاء في مفاقمة سوء الوضع الصحي، ولا يختلف حكمهم عن حكم أولئك الذين ينفون وجود الفيروس تمامًا، ويساهمون بشكل أو بآخر في صنع بؤر خصبة لانتشاره وتفشيه.
في صنعاء، حذر ناشطون من تصاعد وتيرة الإصابات دون أي تعامل مسؤول من قبل السلطات الصحية هناك، الصحفية صفية مهدي قالت في منشور لها بالفيسبوك: "على الجهات المعنية في صنعاء اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية، ومنها تعليق الدراسة والامتحانات وإغلاق صالات الأعراس، وإلا فإن الوضع يهدد بتفاقم الكارثة لتصبح خارج السيطرة لا قدر الله."
موجة عاتية
فور خروجه من غيبوبته التي تعرض لها بعد اختناقه المفاجئ، ليتبيّن له فيما بعد أنه مصاب بالفيروس، أرسل (ع.ب) رسائل عدة لأصدقائه يحثهم فيها على عدم التساهل مع الوباء الآخذ في الانتشار، ويدعوهم للالتزام بكافة الإجراءات الوقائية حتى لا يقعوا فريسة لكورونا، حسب قوله لـ"خيوط".
وتشهد محافظات كتعز وحضرموت وعدن، تسارعًا كبيرًا في عدد الإصابات بفيروس كورونا، وسط حالة من عدم المبالاة الشعبية لصعوبة الوضع الصحي، وانعدام شبه كلي للتعامل المسؤول مع كارثية الوضع من قبل السلطات المعنية.
ومنذ مارس الماضي، بدأت الإصابات تأخذ منحى تصاعديًّا بشكل يومي ما دفع وزارة الصحة التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا الإعلان عن موجة جديدة من وباء كوفيد-19 تؤيدها في ذلك أرقام الحالات اليومية المشتبه بها والفعلية والمتوفية.
رغم عتاوة الموجة الثانية، ووقعها الشديد على الناس إلا أن الاستخفاف سيد المشهد، ففي هذه الأثناء وأنت تقرأ هذه المادة، هناك مجموعة من الناس في مجلس عزاء لضحية من ضحايا فيروس كورونا، هل وجدت استخفافًا كهذا؟!