لم يكن الجمعة العاشر من أبريل/ نيسان 2020، يومًا عاديًّا في اليمن. في ذلك اليوم أُعلن عن اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا في اليمن. كل اليمنيين انتابهم الخوف والقلق في أن يكون ذلك بمثابة إعلان كارثة إنسانية أخرى في ظل دولة مثقلة بكاهل الحرب والفقر وأمراض أخرى. في خضمّ هذا الخوف والقلق برز نجم البطل الإنساني حسام عبدالله علي (اسم مستعار)، أول ممرض يقوم برعاية أول مصاب بفيروس كورونا في اليمن.
يعمل حسام في مجمع تيسير الطبي بمدينة الشحر الذي اكتُشفت فيه هذه الحالة. يُعرف بين زملائه بالمثابرة والإخلاص في العمل، في ظل إمكانيات ضعيفة وإجراءات حماية ووقاية محدودة، قام هذا الشاب بدور بطولي في مواجهة الفيروس، إذ ظل في خط الدفاع الأول لمواجهة هذا العدوّ الخفيّ، ومارس مهامه الطبية بكل مسؤولية وأمانة.
لم يشفع له هذا الدور أمام جبروت السلطة وقواتها الأمنية، فقد تعرض للضرب يوم السبت 11 أبريل/ نيسان من قبل قوات الأمن داخل مجمع تيسير الطبي. فبدلًا من أن تُرفع له القبعات وتضرب له التحايا، رُفع في وجهه سلاحًا آليًّا وضُرب بأعقابه في جسده. عكَس هذا التصرف الشنيع في حق هذا الطبيب الواقعَ المرير الذي تواجهه الأطقم الطبية في زمن كورونا والحرب.
بعد مرور أكثر من عام على أول حالة إصابة بفيروس كورونا في اليمن، عاد الفيروس للانتشار مرة آخرى في موجة ثالثة منذ مطلع أغسطس/ آب الحالي، الأمر الذي أدى إلى استنفار السلطات الصحية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا التي تشهد ارتفاع في أعداد الإصابة بالفيروس في هذه المناطق، فيما تستمر صنعاء باتباع سياسة التعتيم التي تنتهجها وعدم الإفصاح عن أي حالات إصابة بفيروس كورونا أو القيام بأي إجراءات احترازية لمكافحته، بالرغم من تأكيدات صحية عن عديد الحالات المصابة بفيروس كورونا في العاصمة اليمنية.
معاناة نفسية
واجه حسام وزملاؤه في مجمع تيسير الطبي تصرفات لا إنسانية من قبل قوات الأمن، فقد قضوا لحظات عصيبة، بالإضافة إلى الضغط النفسي الذي خلّفه اكتشافهم للإصابة الأولى بكورونا.
ساعة ونصف كانت الأخيرة في مخالطته للحالة المصابة، لكنها كان الأصعب في حياته، قضاها حسام وجهًا لوجه مع المصاب داخل سيارة الإسعاف لحظة نقله من مجمع التيسير إلى غرفة العزل في مستشفى الشحر
قامت قوات الأمن باحتجازهم داخل المجمع لمدة يومين، وأغلقت عليهم أبوابه من الخارج، وهو ما ضاعف المعاناة النفسية والصحية لهم، وأصيب العديد منهم بانهيارات عصبية ومضاعفات مرضية أخرى.
يروي حسام أصعب لحظاته تلك لـ"خيوط، بالقول، إن يوم الجمعة العاشر من أبريل/ نيسان 2020 يوم لا ينسى في حياته الشخصية، فقد انقلبت لديه موازين كثيرة في حياته. يضيف: "حُرمت منذ ذلك اليوم من تقبيل رأس أمي وأبي ومن عناق إخواني ومقابلة أحبابي وأصحابي".
شكّل التنمّر من قبل أفراد المجتمع على حسام، بسبب مخالطته للحالة، موقفًا صعبًا آخر في حياته اليومية، والذي أصابه بإحساس سلبي، حيث كالَ له العديد من الأشخاص كلمات جارحة بعد انقضاء فترة الحجر المنزلي.
قال حسام عن ذلك: "بعض الناس عايرونا (وصمونا) وتنمّروا علينا، وأحدهم ووصفنا بأننا كلاب ومصابون بفيروس كورونا، ويطالبونا بالمكوث داخل المركز"، لكن ما أخاف حسام هو أن تتأثر خطيبته بموقفه هذا وأن تسعى لفسخ خطوبته.
ساعة ونصف كانت الأخيرة في مخالطته للحالة المصابة، لكنها كان الأصعب في حياته قضاها حسام وجهًا لوجه مع المصاب داخل سيارة الإسعاف لحظة نقله من مجمع التيسير إلى غرفة العزل في مستشفى الشحر.
كانت دقائق فاصلة في حياة حسام وصفها بالطويلة كسنة ونصف. في تلك اللحظات بات دور حسام في نهايته للتعامل مع الحالة المصابة، لكن ما أغاظه هو أن الفريق الطبي المدعوم من منظمة الصحة العالمية رفض استلام الحالة في مستشفى الشحر، راجين من هذا الممرض بإغراءات عدة البقاءَ في التعامل مع الحالة، وكأنه أصبح شخصًا موبوءًا يستحق الإصابة.
هذا التصرف الذي يصفه حسام باللا أخلاقي من زملاء المهنة، زاد من حجم المعاناة التي مر بها. هكذا تعددت معاناة حسام وزملائه، وهو ما يوضح الصورة القاتمة التي تتعرض لها الطواقم الطبية في زمن كورونا والحرب في اليمن، ويستدعي خلق وعي حكومي ومجتمعي يضع الكوادر الصحية في موقعها الحقيقي ويحفظ كرامتها ويقدّر عملها الإنساني النبيل.
وحصد فيروس كورونا حتى الآن أكثر من 100 طبيب وصحي منذ الإعلان عن أول حالة إصابة في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن في شهر إبريل/ نيسان من العام الماضي، والتي كان بطلها هذا الكادر الصحي.
وأعلنت اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة وباء كورونا المستجد التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا عن تنفيذ سلسلة من الإجراءات في إطار خطة القطاع الصحي لمواجهة الموجة الثالثة من الوباء، ، بهدف تعزيز قدرات مراكز العزل، وتكثيف الإجراءات الاحترازية والوقائية، للحد من تفشي الوباء.
تتضمن أهم هذه الإجراءات، إعادة فتح وتفعيل عمل مراكز العزل، واليات صرف حوافز العاملين فيها، إضافة الى التسريع باجراءات الانتهاء من تركيب بعض مصانع الاكسجين. بينما وجهت السلطات الصحية في محافظة تعز جنوب غربي اليمن مراكز العزل في المحافظة إلى رفع جاهزيتها والاستعداد بأقصى طاقتها الممكنة لمواجهة الموجة الثالثة من فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19) خلال الفترة القادمة.