يعاني متعاقدو الدوائر الحكومية في محافظة حضرموت الذينَ يُقدّر عددهم بأكثر من (20) ألف متعاقد، في ساحل حضرموت، من تأخر صرف رواتبهم لأشهر، في ظل معيشة صعبة وغلاء فاحش بسبب تدهور سعر صرف العملة المحلية واستمرار انخفاضها إلى أكثر من 1000 ريال مقابل الدولار.
التجار من ناحيتهم ضاعفوا ثمن المواد الأساسية والاستهلاكية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وغاز الطهي المنزلي، في حين لا يتجاوز راتب الموظف بدرجة متعاقد الـ(40) ألف ريال يمني للمتعاقدين حاملي شهادة البكالوريوس، و(35) ألف ريال لحاملي الدبلوم، و(30) ألف ريال لحاملي الشهادة الثانوية.
تسبب تأخر رواتب المتعاقدين في تفاقم الأزمة المالية للعديد منهم، إذ عجزوا عن شراء المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، ما دفع البعض إلى الاستدانة للوفاء بالالتزامات الأسرية، فيما لجأ البعض للبحث عن عمل إضافي، في حين اضطر البعض إلى بيع مدخراته وممتلكاته حتى تجد عائلته قوت يومها.
وضع مأساوي
سالم عبدالإله اليزيدي (57 سنة)، متعاقد منذُ العام 2003، في المركز الوطني للمختبرات (مرفق حكومي) -أي إنه قضى قرابة 20 عامًا من حياته على أمل التوظيف- يصف لـ"خيوط"، معاناته نتيجة تأخر الراتب بالقول: "تأخُّر رواتب المتعاقدين مشكلة كبرى نعاني منها وتجعلنا عاجزين عن سداد الديون، في مقابل تنامي الاحتياجات الأساسية".
ساهمت التعاقدات الحكومية في استقرار مؤسسات الدولة الخدمية والتعليمية في محافظة حضرموت، لا سيما في وزارتي التربية والتعليم والصحة العامة والسكان، اللتين يحتاجان كوادر كبيرة عاملة فيهما، تجعلهما يمارسان أعمالهما بصورة منتظمة
يتابع سالم بالقول: "بسبب تأخر صرف الراتب، وصلت لمرحلة أن صاحب البقالة صار يرفض أن يدينني حتى أسدد الديوان المتراكمة، وبدلًا من زيادة رواتبنا ودعمنا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة جدًّا، تتأخر عملية صرف رواتبنا الزهيدة لنجد أنفسنا غارقين في هموم معيشية قاسية".
تم صرف راتب شهر فبراير/ شباط 2022، في شهر أبريل/ نيسان، الأمر الذي يسبب إرباكًا كبيرًا في التعامل مع متطلبات الحياة المعيشية اليومية.
من جهتها تقول شهد خالد (27 سنة)، معلمة متعاقدة لدى مكتب وزارة التربية والتعليم بساحل حضرموت في حديث لـ"خيوط"، إنها كانت تشاهد متعاقدين يشكون من تأخر صرف رواتبهم وتستغرب منهم، اعتقادًا منها أنهم يبالغون، لكنها، كما تؤكد، أدركَت حرفيًّا مدى معاناتهم بعد أن أصبحت واحدة منهم؛ موظفة متعاقدة، وماذا يعني تأخر صرف الراتب.
وتضيف شهد: "المتعاقد، سواء كان متزوجًا ولديه أولاد أو عازبًا، بحاجة للراتب في موعده، بالرغم من كونه ضئيلًا للغاية، إذ يضطر كثيرون بسبب تأخر صرف الراتب إلى الاستدانة لإعالة أسرته".
مشكلة التوريد
أنور عوض الجعيدي، مدير مكتب وزارة المالية في ساحل حضرموت يقول لـ"خيوط"، إن سبب تأخر رواتب المتعاقدين في حضرموت هو أنه منذُ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2021، أصبحت إيرادات المحافظة من الجمارك والضرائب تورد إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.
هذه الجمارك والضرائب هي ذاتها التي كان يتم دفع رواتب المتعاقدين منها، وهو الإجراء الحكومي المتبع في تحصيل الإيرادات المحلية؛ أن يتم توريدها مركزيًّا، ومن ثمّ تحصل المحافظة على نسبتها منها.
يضيف الجعيدي أن الحكومة المعترف بها دوليًّا حاليًّا تعطي محافظة حضرموت نسبة 20% من الإيرادات، لكن هذه الإجراءات والحسابات تحتاج مدةً زمنية حتى تصل إلى المحافظة ومن ثَمّ يتم توزيعها على الجهات الحكومية المختلفة، بالرغم من الجهود الحثيثة التي تقوم بها السلطة المحلية بالمحافظة لحل هذه المعضلة.
وساهمت التعاقدات في استقرار مؤسسات الدولة الخدمية والتعليمية في محافظة حضرموت، لا سيما في وزارتي التربية والتعليم والصحة العامة والسكان، اللتين يحتاجان كوادر عاملة تجعلهما يمارسان أعمالهما بصورة منتظمة.
ويؤكد الجعيدي، أهمية تجديد ورفد هذه الدوائر والمؤسسات العامة بالكوادر العاملة بهدف استمرار تأدية وظائفها بشكلٍ طبيعي، بالرغم من استمرار الحرب والأزمة السياسية في اليمن، التي تسببت في غياب عدد من موظفي الدولة عن أعمالهم، علاوة على التقاعدات السنوية لكبار السن، حيث غطى المتعاقدون الحكوميون أماكنهم، ولكن ما يعيب هذه التعاقدات أنها محلية؛ بمعنى أنها تتبع السلطة المحلية وليست تابعةً للوزارات المعنية.