تأثير الصراع على العلاقات الاجتماعية

المخاطر والتحديات التي تواجه اليمنيين وتهدد نسيجهم
محمد شمسان
May 20, 2024

تأثير الصراع على العلاقات الاجتماعية

المخاطر والتحديات التي تواجه اليمنيين وتهدد نسيجهم
محمد شمسان
May 20, 2024
.

على مدى تسع سنوات ماضية، تعرض النسيج الاجتماعي اليمني للكثير من المخاطر والتحديات التي هدّدت تماسكه، وكادت أن تؤدّي الى تفكُّكه وتمزّقه، لتتفكك معه الكثير من الروابط والعوامل والقيم الإنسانية التي تنظم علاقات الإفراد بعضهم ببعض، لكن في الغالب بدا أنّ النسيج الاجتماعي كان أكثر صلابة ومتانة أمام كل تلك المخاطر والتحديات التي برزت وتشكّلت بفعل الصراع السياسي والعسكري بين الأطراف والمكوّنات اليمنية على الساحة الداخلية. 

ومع ذلك، لا تزال العديد من تلك المخاطر والتحديات ماثلةً مع استمرار الصراع واستمرار حالة الانقسام السياسي بين الفرقاء والمكوّنات، والمؤكّد أنّ هذه المخاطر والتحديات لن تزول إلَّا بزوال أسبابها.

وسنحاول هنا مقاربة المخاطر والتحديات، لكن قبل ذلك يتوجب التفريق بينهما، فالمخاطر لا تكبر ولا تتعاظم إلّا من خلال التدخلات والتأثيرات الخارجية، فيما التحديات تبرز أمام أيّ مسارات تسلكها القوى والمكونات الداخلية.

الفعل الخارجي مُنتِجًا للمخاطر

تتمثّل المخاطر التي تهدّد النسيج الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجمع، بالعديد من العوامل التي تأتي معظمها بفعل التأثيرات والتدخلات الخارجية، حيث تصير بفعلها، القوى والأطرافُ الداخلية مجرد أدوات ودُمى تحركها مصالح القوى الإقليمية والدولية، وينتج عن ذلك: 

- تغييب الإرادة الوطنية بفعل التدخلات والإملاءات الخارجية، التي تُفرض على مسار الأزمة بكل مفاعيلها وتسلب الأطراف الداخلية القدرةَ على اتخاذ القرار في تحديد مسار الأزمة، وكيفية التعاطي معها، وإيجاد الطريقة المناسبة لحلها، ممّا يتسبب في زعزعة وخلخلة النسيج الاجتماعي والعلاقات بين الأفراد؛ كون هذه التدخلات تأتي لتكريس الانقسام.

- التأثيرات الطائفية والمناطقية والجهوية على مسار الأزمة، وهي من أخطر العوامل التي تهدّد وحدة النسيج الاجتماعي؛ حيث تأتي لتُثير حالة من الصراع بين المكونات والأفراد، حالة لا علاقة لها بالهُوية اليمنية الجامعة ولا بالانتماء الوطني الخالص، وتجعل من السيادة الوطنية عرضةً للانتقاص وتشويه مضمونها، وتزيد من حالة الاحتقان والتفرّق بين أفراد المجتمع بدلًا من أن تجمعهم هموم القضية الوطنية. 

- دعوات التفكيك (الانفصال). وهذه أيضًا من العوامل التي تضعف النسيج الاجتماعي، وتأتي بقناعات مغايرة ومتناقضة، تعمّق من حالة الانقسام بين المكونات والأطراف السياسية والاجتماعية، وتضعف العلاقات بين أفراد المجتمع، وإن كان لهذا الأمر أسبابه التي جاءت نتيجة أخطاء وتجاوزات سياسات النظام السابق بعد حرب صيف 94، حيث تعرضت شريحة اجتماعية كبيرة للظلم والاستبداد والقهر، وتم مصادرة حقوقها على مدى عقدين من الزمن عقب تلك الحرب المشؤومة، لكن علينا جميعًا أن نعمل على إزالة تلك الأسباب ومعالجة تلك الآثار التي خلفتها حرب صيف 94، وبدون ذلك لا يمكن إزالة خطر هذا العامل المهدِّد للنسيج الداخلي وتعييناته الاجتماعية.

- تحويل اليمن إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين القوى الدولية والإقليمية لتتحول من خلاله أطراف الداخل إلى وكلاء مشاريع خارجية مشبوهة، ويستمر القتال فيما بين اليمنيين دون أن يكون هناك مصلحة وطنية عليا تستوجب مثل هذا التقاتل، ومن هنا ينقسم المجتمع تبعًا لتلك الأطراف وتزداد حالة التمزق، ويسعى كل مكون للتخلص من الآخر في سبيل تحقيق رغبات تلك المشاريع التي لا مصلحة لليمن واليمنيين فيها.

لا تزال العديد من تلك المخاطر والتحديات ماثلة مع استمرار الصراع العسكري واستمرار حالة الانقسام السياسي بين الفرقاء والمكونات، والمؤكّد أنّ هذه المخاطر والتحديات لن تزول إلا بزوال أسبابها.

هل تتجاوز قوى الداخل التحديات؟

تتمثّل التحديات التي كشفت عنها الأزمة قبل مرحلة الحل وإنهاء الصراع، وما ستكشفه بعدها، بالعديد من العوامل التي تؤثر سلبًا على وحدة النسيج الاجتماعي وقوة تماسكه، مع الإشارة إلى أنّ هذه التحديات من السهل تجاوزها والتغلب عليها، إن صدقت النوايا وتم تغليب المصلحة الوطنية العليا للبلد. ونشير هنا إلى بعضها: 

- الانقسام السياسي؛ ويشكّل التحدي الأبرز أمام تماسك النسيج الاجتماعي، لأنّ هذا الانقسام يعمل مع الوقت على تشكيل وعي وقناعات الأفراد لصالح الأحزاب والمكونات السياسية التي تعمل وفق أجندات ومشاريع صغيرة تجزيئية وفئوية دون أن تأخذ في الاعتبار مبدأ المشترك الوطني العام.

- الانقسام الاقتصادي؛ وهذا العامل وإن جاء انعكاسًا للانقسام السياسي وملازمًا له، صار يمثّل التحدي الأبرز؛ لأنه بات يمس معيشة المواطنين في شمال البلاد وجنوبها؛ فانعدام الأمن الغذائي، وتهاوي العملة، والفساد المستشري، عظّم حالة الجوع والفقر في البلد المنقسم، وهناك مئات القصص المأساوية داخل الأُسَر وفي إطار المجتمعات المحلية، تتمثل في القتل والانتحار والتشرُّد والنزوح.

- السياسات الإعلامية؛ حيث لعبت الدور الأخطر في انقسام الوعي في مجتمعٍ يعاني من ارتفاع الأمية والجهل، فبواسطة هذه السياسات، ومن خلال أدوات نشر متعددة، عملت أطرافُ النزاع على إعادة تشكيل الوعي وفقًا لمشاريعها التجزيئية بتجلياتها المناطقية والطائفية والجهوية، فخلقت، خلال سنوات الأزمة والحرب، أتباعًا أمّيّين ومتعصّبين، تقودهم غرائز غير مسيطر عليها، بعيدًا عن المشروع الوطني الجامع.

- تعطيل دور المؤسسات الرسمية، وتعطيل العمل بالقوانين؛ وهذه العملية أثرت عميقًا في تماسك بنية المجتمع، حيث إنّ الكثير من القضايا بتجلياتها الاجتماعية تكون ناجمة عن هذا التعطيل، ممّا يؤثّر سلبًا في مجمل العلاقات داخل بنية الأسرة ومحيطها، ومع الوقت تتعمق فجوة الخلاف والقطيعة، بل ويصل الأمر أحيانًا إلى الاقتتال. وتمثّل الحروب والصراعات القبَلية أو الأسرية، نموذجًا حيًّا لذلك.

ختامًا؛ اليمنيون بمختلف مكوناتهم وشرائحهم وانتماءاتهم وأطيافهم، معنيّون بتجاوز المخاطر الكبيرة التي أنتجتها قوى الخارج، وفي الوقت ذاته التغلب على مجمل التحديات التي أفرزتها سنوات الفوضى والاحتراب من خلال وسائل وأدوات أكثر واقعية لتقريب وجهات النظر بينهم، بما فيها تقديم التنازلات لبعضهم، وقطع الطريق أمام التدخلات والتأثيرات الخارجية، والإجماع على مشروع وطنيّ كبير يحقّق آمال وتطلعات كل مكونات المجتمع، ويجعل المصلحة العليا هدفًا، فهي وحدَها القادرة على إنجاز المشروع الجامع بمساراته الوطنية المتعددة، التي تعبّر عن تنوّع المجتمع وتعدّد مشارب وانتماءات أبنائه.

•••
محمد شمسان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English