انتهى العام الماضي (2023)، بتفاؤل حذِر حمله كثير من اليمنيين معهم إلى العام الجديد الحالي 2024، مع الإعلان عن توصل الأطراف المعنية لخارطة طريق لإنهاء الحرب في اليمن، تشمل عددًا من الإجراءات والتدابير لوقف إطلاق النار وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية.
خارطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع رواتب جميع الموظفين، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن.
لكن ما حمله شهر فبراير/ شباط، من توترات متزايدة واحتقانات واضطرابات قادمة من البحر الأحمر ومحافظات يمنية أخرى، وعودة القصف الشديد للعاصمة اليمنية صنعاء بعد فترة من الهدوء، إضافة إلى الأزمات المعيشية والاقتصادية والتعقيدات السياسية والدبلوماسية- بدّد تفاؤل اليمنيين وجعل كثيرًا منهم يوقنون أنّ ما خالجهم من شعور لم يكن أكثر من مجرد سراب.
سعر الصرف يتحول إلى حدث
بالمجمل، لم يحمل شهر فبراير/ شباط، أحداثًا لافتة كما اعتادت البلاد سابقًا، لكن كان هناك ما يمكن اعتباره أحداثًا وتطورات مؤثرة ومهمة على مستويات عدة، لمس كثير من اليمنيين تبعاتها في إطار كفاحهم اليومي لتوفير لقمة العيش، بعد أن تقطعت بهم السبل بسبب الحرب والصراع في البلاد، وفقدان نسبة كبيرة منهم لمصادر دخلهم المتاحة.
بدأ شهر فبراير/ شباط، وتحديدًا في اليوم الخامس منه، بتغيير جرى على رأس الحكومة المعترف بها دوليًّا، حيث تم تعيين أحمد عوض بن مبارك ليخلف معين عبدالملك، تزامن ذلك مع تسجيل سعر صرف الريال اليمني لرقم قياسي لأول مرة، بوصوله إلى 1600 ريال مقابل الدولار الواحد.
وبينما تجاوز هذا الرقم، ليصل إلى 1620 ريالًا، لم يكن هناك أي تأثير للحد من ذلك للدفعة الثانية من الوديعة السعودية التي تم منحها للبنك المركزي اليمني في عدن، التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا، والمقدرة بنحو 250 مليون ريال، في 11 فبراير/ شباط.
وضع متوتر
في 15 فبراير/ شباط، حضرت اليمن من جديد في مجلس الأمن، حيث عادت لتأخذ حيزًا نسبيًّا من الاهتمام الدولي الغارق في أزمة الحرب الإسرائيلية المدمرة والكارثية المتواصلة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
في حين تزامن ذلك مع بروز اليمن حدثًا رئيسيًّا في واجهة الاهتمام العالمي، بالنظر لما يجري في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث يستمر "الحوثيون" في استهداف السفن التي يؤكدون أنها إسرائيلية أو متعاونة معها، إضافة إلى السفن الأمريكية والبريطانية.
كان تاريخ 22 فبراير/ شباط، مهمًّا جدًّا لكثير من اليمنيين، بالنظر إلى ما حمله من أنباء تبعث على الأمل والتفاؤل بحدوث انفراج في أهم الملفات المعقدة في اليمن، المتمثل بملف الطرقات المقطوعة من قبل أطراف الصراع، مقابل تزايد مسببات القلق على طول عدة جبهات خلال شهر فبراير/ شباط، بشكل تدريجي منذ مطلع العام الحالي 2024.
في هذا الجانب، ترصد "خيوط"، قيام القوات التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، باستهداف نحو 10 سفن خلال شهر فبراير/ شباط، منها الاستهداف الذي تعرضت له السفينة البريطانية "روبيمار" في 19 فبراير/ شباط، حيث تؤكد تقارير عدة إصابةَ السفينة بشكل بالغ، ما أدّى إلى توقفها، وسط أنباء تشير إلى حدوث تسرب بيئي خطير من هذه السفينة التي كانت محملة بكمية كبيرة من الأسمدة الخطيرة.
يأتي ذلك وسط اضطراب واسع في الشحن التجاري العالمي، حيث ارتفعت تكاليف الشحن التجاري، وفق بيانات تجارية ومكاتب عاملة في الشحن والاستيراد، خلال شهر فبراير/ شباط، بنسبة تزيد على 50%.
في جلسة مجلس الأمن، تطرق المبعوث الأممي إلى اليمن، السويدي هانس غروندبرغ، إلى عدة محاور مهمة، شكل بموجبها صورة ضبابية للوضع في اليمن، إذ لمح إلى أنّ مشهد الوساطة وصل خلال فبراير/ شباط 2024 إلى مرحلة صعبة، أصبح فيها أكثر تعقيدًا الآن منذ الإعلان عن "خارطة الطريق" في 23 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2023، إذ إنّ الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق، تعصف بها أولويات ومصالح مختلفة.
هذا، وتصاعدت التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب في غزة، وبشكل خاص التصعيد العسكري في البحر الأحمر، الذي زاد بوتيرة عالية خلال شهر فبراير/ شباط، ما يؤدّي إلى تباطؤ وتيرة جهود السلام في اليمن، إذ إن الواقع يبرهن بأن جهود الوساطة في اليمن لا يمكن النأي بها عما يحدث؛ فما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر على اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر على المنطقة.
في السياق، قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بذريعة الرد على الهجمات المتكررة التي تشنها جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السفن في البحر الأحمر، بشن عشرات الغارات التي استهدفت العاصمة صنعاء ومحافظات الحديدة، حجة، صعدة، وتعز، حيث تحصي "خيوط" نحو 30 غارة خلال شهر فبراير/ شباط، إضافة إلى الإعلان عن بدء سريان تصنيف الخارجية الأمريكية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في 16 فبراير/ شباط، جماعةً إرهابية.
يبدي خبراء ومراقبون، قلقًا بالغًا من هذه التطورات التي تصاعدت خلال شهر فبراير/ شباط، بالنظر إلى الظروف الصعبة الراهنة التي يمر بها اليمن، وتردي معيشة اليمنيين قبل حلول شهر رمضان، مؤكّدين حاجة الناس إلى التخفيف عن وضعيتهم المتردية، إضافة إلى حماية الفضاء السياسي، وأن تبقى قنوات التواصل مفتوحة للتوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف.
خلال شهر فبراير/ شباط، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "الأوتشا"، في تقرير ترصد "خيوط" صدوره مطلع الشهر، أنّ هناك 18.2 مليون شخص في اليمن، سيحتاجون إلى المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية خلال العام الحالي 2024، بينما يواجه 17.6 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي والتغذوي.
كما يواجه اليمن معدل سوء تغذية مرتفعًا بشكل مثير للقلق، حيث يعاني ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة من التقزم المعتدل إلى الشديد. ولا يزال هناك 4.5 مليون شخص نازحين، وقد تعرض الكثير منهم لعمليات نزوح متعددة على مدى عدة سنوات.
تفاؤل وحذر نتيجة مسببات القلق
كان تاريخ 22 فبراير/ شباط، مهمًّا جدًّا لكثير من اليمنيين، بالنظر إلى ما حمله من أنباء تبعث على الأمل والتفاؤل بحدوث انفراج في أهم الملفات المعقدة في اليمن، المتمثل بملف الطرقات المقطوعة من قبل أطراف الصراع، حيث أعلن في هذا التاريخ محافظ محافظة مأرب في الحكومة المعترف بها دوليًّا، عن فتح الطريق الرابط بين مأرب وصنعاء عبر فرضة نهم من جانب واحد، في حين يأمل كثيرون قيام الطرف الآخر، المتمثل بسلطة صنعاء، بخطوة مماثلة لتسهيل تنقلات المواطنين.
بالمقابل، ترصد "خيوط"، تزايد مسببات القلق على طول جبهات عدة خلال شهر فبراير/ شباط، بشكل تدريجي منذ مطلع العام الحالي 2024، حيث تفيد تقارير أممية وقوعَ اشتباكات وتحشيد وخسائر بشرية، بما يشمل مناطق شبوة والجوف ومأرب وصعدة وتعز، كما أنّ حجم التحديات الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد هائل. فلم يتم دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية بشكل كامل، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، ويواجه الناس في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة، وارتفاعًا في الأسعار نتيجة لانخفاض قيمة العملة.