يشكّل تغيُّر المناخ تهديدًا خطيرًا على الأمن الغذائي والمائي والتنوع البيولوجي في اليمن، يأتي هذا التهديد وسط إخفاق الجهود المبذولة لتحقيق سلام شامل يُنهي حالة الصراع المستمر في اليمن منذ تسع سنوات، إلى جانب الأزمة الإنسانية التي تصنفها الأمم المتحدة على أنها الأسوأ في العالم.
ورغم التحذيرات الدولية بشأن تهديد المناخ لحياة ملايين البشر في العالم، لم تعلن الحكومة ولا الأطراف الأخرى في البلاد ولا المنظمات الدولية والأممية عن أي إجراءات عاجلة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام، والتكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ، من أجل حماية اليمن من التأثيرات السلبية، في الوقت الذي تعكس فيه حالة المناخ القاسية في اليمن تأثيراتها على حياة الناس والبيئة.
ومن بين هذه التأثيرات المحتملة: ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، والفيضانات، والجفاف، إلى جانب تدهور التنوع البيولوجي، حيث يؤدي تغير المناخ إلى انقراض الأنواع النباتية والحيوانية، وتلوث المياه، وتآكل التربة.
يشير أستاذ البيئة بجامعة تعز، وديع أحمد الشرجبي، في حديثه لـ"خيوط"، إلى تأثير المناخ على حياة الناس والمياه الجوفية والتنوع البيولوجي، مؤكّدًا أنّ الاحتباس الحراري أو التغيرات المناخية ظاهرة أصبحت عالمية، ومعروف أن معدل ارتفاع درجة حرارة مياه البحار والمحيطات صار ما بين درجة إلى ثلاث درجات مئوية تقريبًا، وكذلك ارتفاع منسوب المياه ما بين 18 إلى 79 و80 سم تقريبًا، تكمن خطورة هذه التغييرات على الكائنات الحية الدقيقة، وهي في الأساس الحساسة لتغير درجات الحرارة، مثل العوالق النباتية التي هي أساس السلسلة الغذائية والتي تعتمد عليها بقية الكائنات الحية الموجودة داخل هذه المياه، وأي تغير في درجة الحرارة سيغير في هذه الكائنات وفي أعدادها كونها مصدر الغذاء، ومِن ثمّ فإن ذلك سيؤدي إلى قلة هذه الكائنات، وبالتالي قلة الكائنات التي تعتمد عليها، وسيظهر تأثيرها بشكل واضح على بقية أفراد السلسلة الغذائية.
كما أنّ الارتفاع المتصاعد في درجات الحرارة سيؤدي إلى ذوبان المياه العذبة المتجمدة في القطبين الشمالي والجنوبي للكرة الأرضية، وذلك سيؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه، حيث سيكون له تأثيرٌ كبير على الكائنات البحرية.
أهمية العمل على إدارة الموارد المائية بشكل مستدام، يتضمن ذلك تطبيق تقنيات الحفاظ على المياه في الزراعة والري الفعّال، وتوفير مصادر المياه النظيفة والصالحة للشرب. يجب أيضًا تعزيز توعية الناس بأهمية استخدام المياه بحذر وتجنب هدرها.
ويرى الشرجبي أنّ ارتفاع درجات الحرارة ستتسبب بفناء وموت بعض الكائنات التي لا تستطيع الهجرة، ولا تستطيع أيضًا التكيف مع هذه التغيرات التي تمت في درجة الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، بعد موت هذه الكائنات الحية، ستحدث تغيرات كيميائية في تركيبات المياه في تلك المناطق.
سينعكس هذا الأمر في زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون وخفض أيونات الهيدروجين، التي لها أيضًا تأثيرات أخرى على العوالق النباتية التي ذكرناها والتي هي الأساس في تكوين السلسلة الغذائية، وبالتالي ستؤدي إلى تغييرات في الحيوانات البحرية بشكل كامل، وستطال كل الكائنات الحية، بما فيها المرجان والمحار".
مياه الشرب مهددة
ويؤكّد خبراء في البيئة والمناخ أنّ التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على نظم المياه الجوفية، إذ يزيد ارتفاع درجات الحرارة من معدل تبخر المياه من الجريان السطحي، مما يقلل من تغذية المياه الجوفية. هذا يؤدي إلى نقص في المياه المتاحة في الأرض، وبالتالي يمكن أن يحدث نقص في المياه الجوفية في بعض المناطق.
إضافة إلى تبعات وتأثيرات التغيرات المناخية التي قد تؤدي إلى انخفاض نسبة الأمطار في بعض المناطق، مما يؤثر سلبًا على وصول المياه المغذية للمياه الجوفية، إلى جانب نقص في مصادر المياه، وتأثيره على توفر المياه الصالحة للشرب والاستخدامات الأخرى.
بحسب الشرجبي، فإن واحدة من التأثيرات الأخرى للتغيرات المناخية على نظم المياه الجوفية، هي ارتفاع منسوب المياه في المناطق الساحلية. هذا يعني أنّ هذه المناطق يمكن أن تتعرض للغمر بالمياه المالحة، مما يؤدي إلى تخريبها وتلوثها. هذا يشكّل تهديدًا كبيرًا للبيئة والسكان الذين يعتمدون على المياه الجوفية في تلك المناطق، حد قوله، مضيفًا: "يمكن القول إن هذه العوامل المناخية ستؤثر بشكل كبير على توفر المياه المناسبة، سواء للشرب أو للاستخدامات الأخرى، وكذلك في الزراعة. هذا سيؤثر بشكل كبير وواضح على البيئة نفسها والسكان الذين يعتمدون على المياه الجوفية لحياتهم".
رؤية بشأن أزمة المناخ والبيئة
في السياق، تؤكّد مروة صالح، وهي مهتمة بشؤون المناخ والبيئة، لـ"خيوط"، "تعرُّض اليمن والعديد من الدول في العالم لتأثيرات تغير المناخ وتهديدات تطال التنوع البحري".
تضيف: "إنّ ارتفاع درجات الحرارة، وتغير منسوب المياه الجوفية، يؤثران على البيئة البحرية والأسماك بشكل خاص، حيث تهاجر الأسماك بحثًا عن درجات حرارة مناسبة وتغذية كافية، ممّا يؤثر على ثروة الأسماك في اليمن".
كما يحدث استنزاف للمياه الجوفية بدون تجديدها، بسبب زيادة السكان والتوسع العمراني، ممّا يؤدي إلى نقص المياه الجوفية المتاحة، وقد يكون استخدام مياه البحر وتحليتها خيارًا مهمًّا لتلبية احتياجات المياه في المستقبل".
ودعت صالح للتصدي لتحديات تغيُّر المناخ وحفظ الموارد المائية، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتحويل المياه المالحة إلى مياه صالحة للشرب واستخدامها في الزراعة والري واستخدام المياه الرمادية، وهي مياه معاد تدويرها من مصادر مثل مياه الصرف الصحية، في ري النباتات غير القابلة للأكل.
وطالبت الحكومةَ والمنظمات بضرورة التصدي لمشكلة التلوث البلاستيكي والحدّ من استخدام المواد البلاستيكية، والتأكد من التخلص منها بشكل صحيح لمنع تلوث المياه على المدى الطويل.
كما طالبت بتشجيع صناعة إعادة التدوير وتطوير التكنولوجيا لتحويل النفايات البلاستيكية إلى منتجات جديدة، وتشجيع الشركات والمنظمات على تطبيق مبادئ التصميم الدائري، والتفكير في البدائل الصديقة للبيئة في عمليات الإنتاج، إضافة إلى أهمية مواجهة تحديات تلوث المياه وتغير المناخ، والذي يتطلب تعاون الجميع واتخاذ إجراءات جدية لتعزيز الاستدامة وحماية الموارد المائية للأجيال القادمة.
توصيات لمواجهة التأثيرات
وعن الحلول لمواجهة هذه التغيرات، ينصح المختص البيئي بجامعة تعز، باتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من التأثيرات المترتبة على التغيرات المناخية، والعمل على الحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل: الشمس، والرياح. بالإضافة إلى ذلك، يجب تحسين كفاءة استخدام الطاقة في جميع المجالات، بما في ذلك الصناعة والنقل والمنازل.
وعلى صعيد المياه، يوصي الشرجبي بأهمية العمل على إدارة الموارد المائية بشكل مستدام، يتضمن ذلك تطبيق تقنيات الحفاظ على المياه في الزراعة والري الفعال، وتوفير مصادر المياه النظيفة والصالحة للشرب. يجب أيضًا تعزيز توعية الناس بأهمية استخدام المياه بحذر وتجنب هدرها.
كما يدعو خبراء إلى الحفاظ على الغابات والأشجار، فهي تلعب دورًا حيويًّا في توازن المناخ وتحسين جودة الهواء والتربة. كما يجب منع قطع الأشجار غير المستدامة، وتعزيز الزراعة المستدامة، وتشجيع إعادة زراعة الغابات المهددة، إلى جانب العمل على تحسين نوعية الهواء عن طريق تقليل الانبعاثات الضارة والتلوث البيئي، إذ يمكننا المساهمة في الحدّ من التأثيرات السلبية للتغير المناخي والحفاظ على بيئتنا للأجيال القادمة.
ومع تركيز السلطات والأطراف المسيطرة على البلاد، على المسار العسكري والسياسي، واهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية بالشأن الإنساني الذي فاقمته الحرب، وإهمال الإجراءات الفعّالة في قضايا البيئة والمناخ، كل هذا وسط غياب الوعي المجتمعي بقضايا التغير المناخي والحفاظ على البيئة، وأهمية تعزيز الاستدامة البيئية والزراعة المستدامة- تتزايد الخشية من تأثير التغيرات المناخية والبيئة على الحياة البحرية للبلاد، خاصة أنّ المياه اليمنية تعدّ موطنًا للعديد من الأنواع البحرية النادرة والمهددة بالانقراض، مثل تلف الشعب المرجانية، والتغييرات الخاصة بتوزيع الأنواع البحرية، ممّا يؤثر على النظم البيئية والوضع الاقتصادي المتأزم بفعل الحرب في البلاد.