اليمن هو أحد البلدان التي باتت في السنوات الأخيرة تتعرض لتقلبات عنيفة في الطقس؛ تأخير في مواسم الأمطار تصحبه موجات من الجفاف، تليها أمطار غزيرة غير معتادة تخلف وراءها فيضانات مفاجئة تقتلع الأخضر واليابس، وتتسبّب في موت العشرات وتشريد المئات من الأسَر في مناطق مختلفة من اليمن، كما تؤثر بشكل مدمر على النظم الإيكولوجية والبنية التحتية المتضررة أساسًا من حرب مستمرة منذ ثمانية أعوام. أصبحت تأثيرات التغيّر المناخي مشكلة إضافية تهدّد سبل العيش والأمن الغذائي والمائي في بلد يعاني من شحة مقومات الحياة. ولكن لماذا يحدث تغير في المناخ الذي اعتدنا عليه؟ وكيف يؤثر هذا التغيير على العالم، وعلى اليمن بشكل خاص؟
لماذا يتغير مناخ كوكب الأرض؟
التغير المناخي هو حدث روتيني وحتمي بالنسبة لكوكبنا، إذ إنّ الأرض بطبيعتها وعبر تاريخها متقلبة المناخات؛ تأتي العصور الجليدية وتنجلي، لتحل عصور دافئة كالعصر الذي نعيشه، وأحيانًا قد تحل عصور الاحترار، كالذي نوشك على دخوله.
تتعاقب هذه التغيرات عبر دورة مناخية تدوم 110 آلاف عام، وتدعى آلية ميلانكوفتش، نسبة إلى عالم المناخ الصربي ملتين ميلانكوفتش (توفي عام 1958 للميلاد). فبعد أن توصل ميلانكوفتش إلى اكتشاف نظام تشميس الأرض؛ أي مستوى تعرضها لأشعة الشمس، استطاع التعرف على الخصائص المناخية لكوكبنا بفهم العلاقة الجوهرية بين المناخ وقرب الأرض وبعدها عن الشمس كل مئة عام وأكثر بقليل، وكذلك الانقلاب في محور ميلان الكوكب كل 41 ألف عام، فعندما تصبح زاوية ميلان محور كوكب الأرض 22 درجة، تحل عصور الاحترار العالمي بدرجة حرارة تزيد على 2.0 درجة مئوية، في حين تحل العصور الجليدية مع درجة حرارة تقل عن 0.0 مئوية فقط مع وصول زاوية ميلان محور الأرض إلى 24 درجة، وما بين هذه الدرجات سواء في ميلان محور الأرض وفي درجة الحرارة تكون عصور الدفء.
فسرت هذه المعادلة تغيرات مناخ كوكب الأرض، من التدفئة إلى التبريد، وهو تسلسل منتظم ما لم يحدث تدخل من عامل خارجي يعيد الدفء أو يقود نحو احتباس حراري وعصر من التسخين، كسقوط نيزك أو انفجار بركان عملاق أو ظهور الصناعات البشرية، التي تتسبب في انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة التي تعمل على تسخين الجو، مثل غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون، المنبعثة من البراكين وروث الماشية والمصانع والسيارات وغيرها من الصناعات المستهلكة للوقود الأحفوري. إذ يؤدّي تراكم هذه الغازات بكميات كبيرة في الجو على منع انعكاس الحرارة وخروجها من الأرض إلى الفضاء، ممّا يؤدّي إلى احتباس حراري وتسخين جوِّ الأرض. في حال تراكمت الغازات الدفيئة في الجو بكميات قليلة، قد يؤدي ذلك إلى تدفئة أجواء الكوكب حين تبدأ بخسارة الدفء متجهة نحو التبريد، وبالتالي إنقاذ الأرض من الدخول في عصر جليدي قاسٍ. أما في حال انبعاث كميات مهولة ومستمرة من الغازات الدفيئة إلى الجو، فذلك يقود حتمًا إلى احتباس حراري وعصر من الاحترار المدمر.
أدّى تغير المناخ في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة وتقلبات شديدة في مواعيد الأمطار، وكذلك هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات.
منذ 11 ألف عام، بدأت زاوية محور كوكب الأرض تميل نحو أقل من 24 درجة، معلنة بذلك نهاية آخر العصور الجليدية التي شهدها الإنسان وبداية عصر الدفء الذي ما زلنا نعيشه. إذ إن زاوية محور كوكبنا تميل حاليًّا بمقدار 23.4 درجة، وهي تميل أكثر ببطء كلّما تقدم الوقت حتى تصل زاوية ميلانها إلى 22 درجة، ثم تعود لتبدأ الميلان عكسيًّا من جديد. أي إنّ المفترض أن نكون حاليًّا قريبين من عصر جليدي جديد. بالكاد استطاعت البشرية النجاة من العصر الجليدي الأخير (منذ 31 إلى 12 ألف عام مضى) الذي تسبب بانقراض العديد من الأنواع والحيوانات الرئيسية، خاصة الحيوانات الضخمة كالماموث. ولكن ما حدث كان تراكم الغازات الدفيئة الناتجة عن الصناعة البشرية، والذي أدّى إلى تدفئة أجواء الأرض. فحتى منتصف القرن التاسع عشر، كان المناخ العالمي يسير نحو التبريد مع درجة حرارة منخفضة وصلت إلى 0.2 درجة مئوية، ثم جاءت الثورة الصناعية مع ابتكار المحركات والصناعات غير النظيفة. خلال قرن ونص من ذلك الوقت، أدّى تراكم الغازات الدفيئة الناتجة عن الصناعة غير النظيفة إلى انقلاب سير عقارب الساعة المناخية (آلية ميلانكوفيتش) لتسير درجة الحرارة في اتجاه معاكس نحو الارتفاع المفرط، ويتجه مناخ الكوكب إلى احترار متسارع عوضًا عن التبريد.
صحيح أنّ تراكم الغازات الدفيئة أنقذ عالمنا من التجمد وأعاد إليه الدفء، ولكن استمرار انبعاث هذه الغازات يقود عالمنا إلى التسخين، ويحوله تدريجيًّا إلى جحيم لا يطاق. فقد تضاعفت نسبة هذه الغازات في الغلاف الجوي خلال العقود الأخيرة، وارتفعت حرارة أجواء الكوكب إلى 2.0 درجة مئوية في العام 2020م. تسبب ذلك في تفاقم حرائق الغابات على نطاق واسع، وتقلص الموائل البحرية والبرية ومياه الشرب. وعلى هذا النحو، خلال المئة العام القادمة، ستتقلص المزيد من المناطق الخضراء والزراعية، وتتحوّل أغلب المناطق على الأرض بالتدريج إلى صحراء قاحلة مع درجة حرارة قاتلة تقارب 10.0 درجة، وهو جحيم قاتل، سيتسبّب بهجرة نصف سكان الكوكب إلى المناطق القطبية.
ما هي تأثيرات التغير المناخي على اليمن؟
يؤدّي تغير المناخ العالمي إلى انقلابات جذرية ومتنوعة في مناخات المناطق المختلفة من العالم أيضًا، اعتمادًا على بيئة كل منطقة وموقعها وارتفاعها عن سطح البحر وقربها من المسطحات المائية والتيارات الهوائية. تحدث هذا التغيرات في درجة الحرارة ومستوى الرطوبة، وتيارات الرياح الموسمية ومعدلات الأمطار. على سبيل المثال، خلال العصر الجليدي الأخير (منذ 110 إلى 10 آلاف عام) لم تكن الصحراء الكبرى التي نعرفها اليوم موجودة، حيث كانت تلك المنطقة تكسوها غابات مطرية وبيئات استوائية. كما أنّ عصور الاحترار القديمة التي حدثت بين الأعوام (113-115) ألف قبل الميلاد، والأعوام (84-86) ألف عام قبل الميلاد، وكذلك بين 11 إلى 6 آلاف قبل الميلاد، أدّت إلى تغيرات مناخية جذرية في اليمن، حولتها إلى بيئة رطبة مع معدلات عالية من الأمطار المستمرة طوال العام، ما جعل اليمن خلال تلك الأزمنة القديمة خضراء تغمرها العديد من البحيرات والأنهار.
اليمن اليومَ هو بلد قاحل غير مكتفٍ زراعيًّا، ويعاني من ندرة شديدة في المياه، وله تاريخ طويل من الاعتماد على المساعدات الغذائية. أدّى تغير المناخ في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة وتقلبات شديدة في مواعيد الأمطار، وكذلك هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات. توقعت دراسة نشرت عام 2009م، احتمالية ارتفاع معدلات هطول الأمطار في اليمن خلال العقود القادمة نتيجة تفاقم الاحترار العالمي، بزيادة سنوية تصل إلى أكثر من 306 مليمترات في السنة. خلال ثلاثة أعوام مضت، أدّت السيول العنيفة والانهيارات الأرضية بسبب الأمطار الغزيرة إلى مقتل المئات في اليمن، كما أدّت الأمطار الغزيرة إلى امتلاء خزان سدّ مأرب الحديث لأول مرة في تاريخه. تلك مؤشرات حقيقية على مستوى التقلبات في معدل هطول الأمطار وما ينتج عن ذلك من اتساع رقعة المناطق المتضررة من الفيضانات. فضلًا عن الأعاصير العنيفة التي أصبحت خطرًا حقيقيًّا يهدّد السواحل والجزر اليمنية. فمنذ العام 2015م، ضربت اليمن ستة أعاصير نادرة الحدوث، أبرزها إعصار تشابالا، رابع أقوى إعصار مسجل طوال تاريخ بحر العرب وشمال المحيط الهندي، وهي المرة الأولى في التاريخ المسجل، التي تستطيع فيها أعاصير المحيط الهندي من الوصول إلى اليمن. هذه التقلبات الطقسية العنيفة وغير المعتادة ما هي إلّا بداية بسيطة لتأثيرات التغيّر المناخي التي تزداد تطرفًا مع الوقت. إذ يتوقع العلماء أنّها ستهدّد مواسم الزراعة والأمن الغذائي والمائي والنظم الإيكولوجية في اليمن الذي يعيش منذ سنوات أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
لماذا يجب الحدّ من التغيير المناخي؟
لا شكّ أنّ المناخ الدافئ هو المناسب لبقاء الإنسان والتنوع الطبيعي وازدهارهما، كيف لا وقد نشأت المجتمعات البشرية المعقدة وتطورت حياة البشر، وارتقت جودتها خلال هذه الفترة الدافئة التي بدأت مع نهاية آخر عصر جليدي منذ 12 ألف عام مضى. لهذا فإنّ تجنب فقدان المناخ الحالي هو أمر مصيري بالنسبة للبشرية، عن طريق كبح أي ارتفاع محتمل في درجات الحرارة يزيد على 2.0 درجة مئوية، أو أي انخفاض محتمل عن 0.0 درجة مئوية. تؤدّي كلٌّ من عصور الجليد والاحترار إلى حدوث مجاعات وكوارث بيئية متلاحقة، وانهيارات للنظم البيئية والحيوية، وبالتالي انقراض العديد من الأنواع والكائنات الحية. أربعة من خمسة انقراضات كبرى حدثت على كوكب الأرض طوال مئات الملايين من السنين، كانت بسبب تغيرات مناخية. وليست العصور الجليدية أو الاحتباسات الحرارية وحدها من تسبب الكوارث البيئية، إذ تسببها أيضًا الاضطرابات الطقسية المصاحبة لعملية التحول المناخي.
يموت العشرات سنويًّا في اليمن بسبب تفاقم هذه التأثيرات. مع مرور الوقت، فإنّ الفهم الخاطئ لمشكلة المناخ مع عدم إيجاد حلول يعني استمرارًا لتفاقم الوضع الكارثي للبيئة، وبالتالي تزايُد شدة الجفاف والفيضانات والأعاصير، وإنهاك تام لقدرة السكان على التكيف والتحمل.