لا تفِ الاستعارات اللفظية في وصف حال تردي الخدمات في محافظة ينبغي أن تكون عاصمة للحكومة المعترف بها دوليًّا، فبرغم وجود حكومة المناصفة فيها ووجود البنك المركزي إلا أن التردي المعيشي وسوء الخدمات المتزايد يضاعف أوضاع الناس المعيشية بصورة تفوق قدراتهم على تحملها.
ويبدو من ذلك أن الصيف سيغدو ثقيلًا في عدن والمحافظات اليمنية الساحلية، فانقطاعات الكهرباء والماء وعدم صرف رواتب الموظفين وهبوط العملة المحلية بشكل غير مسبوق، إشارات تنذر بالأسوأ في قادم الأيام.
وتأتي الكهرباء في طليعة الأزمات التي يعاني منها سكان عدن الذي يشاهدون مدينتهم بشكل يومي، على فترات، تغرق في الظلام لمعظم ساعات اليوم، وما يسبب ذلك من أضرار بالغة على السكان نتيجة تأثيرها على مختلف الأعمال والمهن والقطاعات الخدمية المختلفة، فيما تعاني محافظات شبوة وأبين ولحج والضالع من معضلة تردي خدمة الكهرباء العامة التي يعتمدون عليها والتي أصبحت بمثابة معضلة تستعصي على الحل.
يحكي لـ"خيوط"، الحاج إبراهيم سنان موظف متقاعد في عدن، عن تدهور حالته الصحية، وهو يعاني من مرض الربو، بسبب الانقطاعات غير المعقولة للكهرباء قائلًا: "إن أكبر المشتائمين لم يكن يتخيل أن يصل الحال في مدينة عدن، وهي عروس البحر، إلى هذا الوضع المزري، فالاختناقات في التنفس صار أمرًا شبه يومي، أذوق معها الأمرّين وأشاهد الموت كل يوم".
يضيف: "في لحظة لا أستطيع فيها السفر، بسبب تردي الأوضاع المالية، ست شهور بدون راتب، وعندما ينتشر خبر أن هناك راتبًا لشهر واحد أو شهرين، أخشى أن تكون إشاعة؛ لأنها حدثت معي للأسف أكثر من مرة".
الباحث الاقتصادي عمار علي، يؤكد في هذا الخصوص لـ"خيوط"، أن تردي خدمة الكهرباء في عدن ومعظم مناطق جنوب اليمن سببه شحة موارد الحكومة وعدم قدرتها على توفير المازوت لتشغيل محطات الكهرباء العامة مع ضعف الخيارات البديلة كمولدات الطاقة وألواح الطاقة الشمسية
ومنذ بداية الحرب في اليمن لا تزال خدمة الكهرباء الحكومية منقطعة في معظم المحافظات اليمنية، حيث زادت نسبة المواطنين الذين لا يحصلون على الكهرباء العامة لتشمل أكثر من ثلثي السكان في البلاد.
وتقضي عدن معظم أيامها ولياليها في الظلام وبدون كهرباء، الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين، وحوّلَ حياتهم، كما يصفها بعض سكان العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، إلى جحيم لا يطاق.
الصيدلانية أُم هبة أحمد، تعبر في حديثها لـ"خيوط"، عن امتعاضها من حكومة المناصفة، التي تمخضت عن اتفاق الرياض، بعد أن زادت معاناة الناس، خصوصًا بعد تردي الخدمات وانقطاع الكهرباء بشكل متواصل، وتتابع حديثها بالقول: "لم نصل لهذا الحال من تردي الخدمات والكهرباء في تاريخ عدن. وتعتقد "أم هبة" أن ما تعيشه عدن ومختلف المحافظات اليمنية هي أزمات مفتعلة، لإنهاك المواطن ومضاعفة معاناته.
تراتبية الأزمات
بينما تعتمد محافظات شمال اليمن على خدمة الكهرباء والطاقة البديلة مثل الألواح الشمسية، لا تزال المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد تعتمد بصورة كلية على الكهرباء العامة مع عجز السلطات المعنية إيجاد الحلول المناسبة لتحسينها.
وتؤدي أزمة المشتقات النفطية إلى انقطاع الكهرباء في هذه المناطق، حيث وصلت ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى 6 ساعات، مقابل ساعة ونصف توصيل للتيار الكهربائي، مع وصولها مؤخرًا إلى أكثر من 10 ساعات مقابل ساعة أو ساعتين كهرباء.
في فصل الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، الأمر الذي يجعل من الكهرباء ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للمواطنين، ولا يكاد يمر أسبوع كامل على المواطنين في عدن دون أن تكون هناك أزمة في المشتقات النفطية لتنفرج بعدها لأيام ليستعد بعدها المواطنون لمجابهة أزمة جديدة، وهذا يدل على انعكاس أزمة المشتقات النفطية على معظم المناطق اليمنية.
ويوضح المواطن محمد العامر، من سكان الشيخ عثمان شمال عدن لـ"خيوط"، أن من أكثر الأشياء التي تدعو للحيرة هي تراتبية الأزمات، فبعد انقطاع الكهرباء ينقطع الماء، وبعد انقطاع الماء، تنعدم المشتقات النفطية في المحطات، وبعد انقطاع هذه الأخيرة، ترتفع الأسعار بشكل جنوني، وتزداد الأمراض، وتنتشر الأوبئة، وتهبط العملة، وتزداد الحسرات.
ويتساءل محمد، لماذا يعيش المسؤولون حياة مرفهة، في لحظة أقل ما يُقال عنها أنها جحيمية في عدن المكلومة، التي تتوقف فيها الصراعات السياسية بين طرفي الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، ولماذا لا يرى صانعو القرار الأوضاع التي وصل إليها جُل ساكني عدن، ولماذا يظلون واقفين بدون أي تحرك.
انعكاسات مؤثرة
الرواتب والبترول والكهرباء، هذه الكلمات وغيرها الكثير، هي أكثر الجُمل التي تسمعها في شوارع وحواري وبيوت عدن، فقد صارت الحياة بأدنى حقوق، شكلًا من أشكال النعيم المفقود، كيف لا في لحظة، يقف فيها الحاكم بسوط الجلاد.
تقول الطبيبة رؤى عمر لـ"خيوط"، إن الاختناقات وحساسية الجلد تزداد اطرادًا بسبب انقطاع الكهرباء والمياه، وحالات صعوبة التنفس الكثيرة للأطفال التي زادت مؤخرًا بنسبة كبيرة.
ويتحمل سكان عدن فوق طاقاتهم بسبب الانقطاع المتواصل للكهرباء، فالصراع السياسي والانهيار الاقتصادي أبرز مسببات هذه الأوضاع المتردية لمدينة يجب أن تكون كما عرفها سكانها، عروس البحر.
الباحث الاقتصادي عمار علي، يؤكد في هذا الخصوص لـ"خيوط"، أن تردي خدمة الكهرباء في عدن ومعظم مناطق جنوب اليمن سببه شحة موارد الحكومة وعدم قدرتها على توفير المازوت لتشغيل محطات الكهرباء العامة مع ضعف الخيارات البديلة كمولدات الطاقة وألواح الطاقة الشمسية، مشيرًا إلى أن معظم المحافظات اليمنية تعيش أوضاعًا مأساوية نتيجة أزمة المشتقات النفطية ونقص الوقود وارتفاع أسعاره، والتي انعكست سلبًا على مستوى توليد الكهرباء باستخدام الوقود، التي انخفضت بنسبة كبيرة منذ بداية الحرب في 2015.
لا يزال الوضع في عدن والمحافظات المحيطة صعبًا، وفق ما أفاد به مسؤولون أمميون في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، مؤكدين أن تحسين الخدمات الأساسية، بما في ذلك الحصول على الكهرباء على وجه الخصوص، والتأكد من دفع رواتب الموظفين، سيضمن أمن واستقرار الاقتصاد الذي يحتاج إلى موارد أكثر مما هو متاح حاليًّا للحكومة المعترف بها دوليًّا.
وتشهد عدن ومناطق أخرى في جنوب اليمن موجة احتجاجات ضد الحكومة المشكلة مناصفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وفق مخرجات اتفاق الرياض، وذلك للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير الكهرباء وتحسين الأوضاع المعيشية، مع تطور مسيرة احتجاجية في عدن إلى محاولة المتظاهرين اقتحام "قصر معاشيق" الذي تتخذ منه الحكومة المعترف دوليًّا مقرًّا لها، وهو ما أدى إلى ردود فعل منددة بهذه الاحتجاجات، واعتبارها مسيسة بما يوحي بوجود صراع كامن غير ظاهر بين طرفي الحكومة.
* تحرير خيوط