اليمن المبتلى بالنكبات والذي يعاني حربًا مستمرة طاحنة تجاوزت عامها التاسع، يواجه كارثة جديدة، تتمثل في تفشي وباء الكوليرا الذي يجتاح البلاد منذ أكتوبر من العام الماضي، وأودى بحياة نحو 160 شخصًا معظمهم من الأطفال، وسجل إصابات تجاوزت 40 ألف إصابة، وفقًا لإحصائيات حكومية يمنية وتقارير أممية عن منظمات الأمم المتحدة.
وأكّدت الأمم المتحدة، منتصف مايو 2024، تفشي وانتشار وباء الكوليرا في جميع المحافظات اليمنية، بالتزامن مع تدهور الأوضاع الصحية في البلاد، وحذّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، من تفشّي الكوليرا في أنحاء اليمن، مشيرًا إلى الحاجة الماسّة لتمويل عاجل وموسّع لإغاثة ملايين الأشخاص.
وقال وكيل الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة: "إننا نشعر بقلق عميق أيضًا إزاء التفشي السريع لمرض الكوليرا في مناطق سيطرة الحوثيين؛ تم تسجيل 34 ألف حالة مشتبه بها، وأكثر من 160 حالة وفاة حتى الآن، معظمهم من الأطفال، وتم الإبلاغ عن 6000 حالة مشتبه بها في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًّا".
وتوقعت الأمم المتحدة تفشٍّ أوسع للوباء في الفترة من مايو الجاري حتى أكتوبر القادم، وهي الفترة التي تشهد هطول أمطار موسمية في اليمن، وقال مارتن غريفيث: "من المتوقع أن تؤدّي الأمطار الغزيرة والفيضانات إلى تفاقم الوضع؛ لذا ندعو إلى تحرك عاجل لوقف انتشار المرض".
وضع سيئ للغاية
وقالت مصادر طبية في العاصمة صنعاء لـ"خيوط"، إنّ الوضع الصحي سيئ للغاية، وإن أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية تستقبل يوميًّا مئات الحالات المصابة بالكوليرا، في ظل انهيار تام للمنظومة الصحية وانعدام التثقيف الصحي.
وأكّد طبيب في الطوارئ بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء، لمنصة "خيوط"، أن الوضع كارثي للغاية، وأن السلطات تتكتم على حقيقية الوضع والأرقام الحقيقية للإصابات والوَفَيات، وقال طبيب الطوارئ، الذي طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية: "إمكانات النظام الصحي صفر، ولا توجد أي حملات توعية، والمخيف في موجة الكوليرا الحالية، أنّ الأعراض أخطر من الموجتين السابقتين، وقد تصل بعض الإصابات إلى مرحلة الفشل الكلوي".
من جانبها، ناشدت الحكومة المعترف بها دوليًّا، المنظمات الدولية بالتدخل العاجل، وأبدى وزير الصحة فيها قاسم بحيبح، خلال لقاء مع المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بإقليم شرق المتوسط، حنان بلخي، منتصف مايو 2024، قلق الحكومة من تفشٍّ أوسع للوباء خلال الفترة المقبلة.
وطالب عبدالقادر با جميل، مدير مكتب الصحة بمدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين (جنوبي شرق البلاد)، في تصريح خاص لـ"خيوط"، المنظمات المحلية والدولية بسرعة التدخل لمواجهة تفشٍّ غير مسبوق لوباء الكوليرا في المدينة التي تسجل أعلى درجات حرارة خلال فصل الصيف على مستوى اليمن، وقال با جميل: "سجّلنا خمس حالات وفاة، وتسع حالات حرجة، مع تصاعد مخيف لحالات الإصابة التي سجلت منذ بداية شهر مايو".
وسجّلت مستشفيات مدينة عدن، مقر الحكومة الشرعية (جنوبي البلاد)، موجةً جديدة من تفشي وباء الكوليرا هذا العام، وقالت مصادر طبية في عدن، لـ"خيوط"، إنّ موجة الكوليرا الحالية حصدت أكثر من 75 حالة وفاة، وإن مستشفى الصداقة يستقبل ما يزيد على 40 حالة إصابة بوباء الكوليرا يوميًّا، أغلبهم من الأطفال.
أودى وباء الكوليرا بحياة أربعة آلاف يمني، معظمهم من الأطفال، في موجتين للجائحة، خلال الفترة من 2016 وحتى 2021، وتتوقع المنظمات الأممية والسلطات المحلية أن تكون الموجة الجديدة لجائحة وباء الكوليرا، الأعنف والأخطر من سابقاتها، حيث تتضاعف مأساة اليمنيين منتصف كل صيف، وتتفاقم مع موسم هطول الأمطار الغزيرة.
أسبوعَا الإسهال الحاد
وفي محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، سجلت السلطات الصحية خلال العام 2023، نحو 1600 حالة اشتباه، منها 12 حالة مؤكدة بالفحص الزراعي، و68 حالة مؤكدة بالفحص السريع، وأكّد تقرير حديث لمجموعة الوصول الإنساني في المحافظة، أنّ سوء التغذية يعمل على تفشٍّ متسارع للكوليرا، مشيرًا إلى أن نحو 55 ألف طفل، و66 ألف من النساء الحوامل، يعانون من انتشار سوء التغذية الحادّ الوخيم، وبحسب التقرير، فقد وصلت ذروة موجة الكوليرا وحالات الإسهال المائية الحادّة خلال أسبوعين إلى 25 حالة في مديرية المظفر، و36 حالة في مديرية القاهرة، وسط مدينة تعز اليمنية.
وأوضح ياسين عبدالملك، مدير الترصد الوبائي في تعز، لـ"خيوط"، أنّ هناك تزايدًا في عدد الحالات المصابة بالكوليرا بمحافظة تعز خلال العام الجاري 2024، وقال: "حتى يوم 19 مايو الجاري، تم تسجيل 926 حالة مشتبه بها، منها 315 حالة مؤكدة بالفحص الزراعي، منها 12 حالة وفاة".
وأشار عبدالملك إلى أنّه تم اتخاذ العديد من الإجراءات وفتح مراكز معالجة بالمستشفيات، منها مركزان مدعومان من منظمة أطباء بلا حدود؛ أحدهما بالمستشفى الجمهوري الحكومي (وسط مدينة تعز)، والآخر بمركز الطوارئ التابع لأطباء بلا حدود، بمديرية المخا الساحلية على البحر الأحمر (جنوبي غرب البلاد).
وقال عرفات الصوفي، رئيس قسم الطوارئ في المستشفى الجمهوري في تعز، لـ"خيوط"، إن متوسط عدد الحالات اليومية التي تصل إلى الطوارئ، نحو 20 حالة، وإن عدد الحالات الحرجة المرقدة في المستشفى، تصل إلى 20 حالة، وسجلت ست حالات وفاة في المستشفى.
ضحايا موجتين متتاليتين
وأودى وباء الكوليرا بحياة أربعة آلاف يمني، معظمهم من الأطفال في موجتين للجائحة، خلال الفترة من 2016 وحتى 2021، وتتوقع المنظمات الأممية والسلطات المحلية أن تكون الموجة الجديدة لجائحة وباء الكوليرا الأعنف والأخطر من سابقاتها، حيث تتضاعف مأساة اليمنيين منتصف كل صيف، وتتفاقم مع موسم هطول الأمطار الغزيرة.
وشهد اليمن في العام 2016، تفشي أكبر موجة من وباء الكوليرا، وبحلول نوفمبر 2021، سجلت التقارير تجاوز عدد المصابين مليونَي ونصف مليون شخص، ووفاة أكثر من أربعة آلاف شخص في اليمن، ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية حينها، فإن ربع الحالات المسجلة هي لأطفال دون سن الخامسة، وتركّزت 65% من الحالات المبلّغ عنها في مناطق عدن والبيضاء وتعز والحديدة، فيما كانت 70 بالمئة من الوفيات؛ في محافظات عدن (جنوب البلاد)، والبيضاء (وسط شرق اليمن)، وإب (وسط البلاد).
ياسين الصبري، رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الصفوة بمدينة تعز، أكّد أنّ نسبة كبيرة من السكان تصل إلى 75% أصيبوا فعليًّا بمرض الكوليرا، لكن لم تظهر عليهم أية أعراض، وقال الصبري لـ"خيوط": "ما نسبته 20% فقط من السكان المصابين، هم الذين يعانون أو يشكون أو تظهر عليهم أعراض مرض وباء الكوليرا على شكل إسهال مائي حادّ، ويتوجهون إلى المستشفيات والمراكز الصحية".
ويفتقر أكثر من 20 مليونًا من اليمنيين إلى الرعاية الصحية الأساسية، خاصة الفئات الأشدّ ضعفًا، بعد مرور عقدٍ على النزاع في اليمن، ولا يستطيع 12.4 مليون شخص في اليمن، الحصول على المياه النظيفة، وسبعة من كل عشرة أشخاص لا تصل إليهم شبكة المياه النظيفة.