ارتفعت حدة الاتهامات الموجهة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تستمر بهجومها المتواصل للسيطرة على محافظة مأرب للشهر التاسع على التوالي، باستهداف المدنيين بالقذائف والصواريخ البالستية وسقوط ضحايا بينهم أطفال، كما حدث في تعز الأسبوع الماضي، وفي أكثر من منطقة في مأرب، خصوصًا في مديرية الجوبة محور القتال الدائر هناك منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ولا يقتصر الأمر على استهداف المدنيين وسقوط ضحايا من الأطفال، بل في الاستخدام الهائل لهذه الفئة في العمليات القتالية وتجنيدهم والزجّ بهم في المعارك الدائرة على أكثر من جبهة منذ العام 2015، قبل أن تنحصر مطلع العام الحالي 2021، في محافظة مأرب التي تشهد معارك طاحنة وسقوط قتلى بأعداد كبيرة من الطرفين.
مع ارتفاع حدة المواجهات والمعارك مؤخرًا في محافظة مأرب، زادت معها وتيرة تجنيد المقاتلين من الأطفال القاصرين الذين تم انتزاع الأقلام من أيديهم وإحلال البنادق بدلًا عنها، وتحولوا في ليلة وضحاها إلى مقاتلين. قُتل الكثير منهم، ومن حالفه الحظ وكُتب له النجاة، عاد إما بعد تجربة اعتقال، أو بإعاقة دائمة أو إصابة جسدية أو نفسية.
حسب سكان ومصادر عديدة تحدثوا لـ"خيوط"، فإن جماعة أنصار الله (الحوثيين)، قامت بعملية تحشيد واسعة بعد احتفالها بالمولد النبوي، تركزت في أرياف صنعاء وعمران وحجة، وتم تجنيد عدد كبير للقتال في مأرب، نسبة كبيرة منهم من الأطفال.
حسب اليونيسف، فإن الهجمات على المدنيين - بمن فيهم الأطفال - والأهداف المدنية يمكن أن تنتهك القانون الإنساني الدولي، داعية أطراف النزاع إلى حماية المدنيين، وإعطاء الأولوية لسلامة الأطفال ورفاههم، ووقف الهجمات على البنية التحتية المدنية وفي المناطق المكتظة بالسكان.
وأطلقت جماعة أنصار الله (الحوثيين) أكثر من صاروخ باليستي تجاه مناطق مدنية آهلة بالسكان في محافظة مأرب (شرقي اليمن)؛ منها صاروخ سقط في منزل يتبع إحدى الشخصيات القبلية بمنطقة الجوبة جنوب مأرب، وصاروخ آخر سقط على مبنى يتبع مركزًا دينيًّا للسلفيين في منطقة العمود، راح ضحيته عدد من القتلى والجرحى، إضافة إلى صواريخ أخرى تستهدف من وقت لآخر مناطق سكينة في مدينة مأرب.
ويستهجن خبراء ومتابعون وناشطون عملية إطلاق هذه الأنواع من الصواريخ الباليستية المدمرة على أهداف مدنية داخلية، رغم كونها قذائف عسكرية مدمرة بعيدة المدى، وهو ما يجعل إطلاقها على أهداف ومناطق مدنية داخلية آهلة بالسكان بمثابة عمل غير مسؤول ويندرج في إطار جرائم الحرب التي تعاقب عليها القوانين الدولية.
وبعد أربعة أسابيع من القتال والحصار في العبدية جنوب غربي مأرب، انتقلت المعارك كما رصدت "خيوط"، إلى مديرية الجوبة الاستراتيجية، التي تشهد معارك طاحنة بين القوات التابعة لأنصار الله (الحوثيين) والقوات التابعة للحكومة المعترف دوليًّا، مدعومة برجال ومجاميع قبلية.
واتهمت السلطات المحلية في مأرب أنصار الله (الحوثيين) باستهداف المدنيين والأحياء السكنية بالقذائف والصواريخ البالستية، آخرها ما حدث أمس من استهداف الأحياء السكنية بمنطقة العمود الآهلة بالسكان في مديرية الجوبة بصاروخ بالستي أدى لسقوط ستة قتلى وإصابة العشرات؛ العديد منهم جراحهم خطيرة في حصيلة أولية للقصف الصاروخي الذي استهدف منزل الشيخ عبداللطيف القبلي نمران.
وكانت السلطات المحلية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا قد أعلنت سابقًا مديرية العبدية منطقة منكوبة بعد نحو شهر من حصار أنصار الله (الحوثيين) لها قبل سيطرتهم عليها، وذلك بعد ما تسبب حصارها بمنع دخول الغذاء والدواء والمياه وغيرها من الاحتياجات الأساسية للمواطنين، إلى جانب القصف المتواصل على المدنيين والقرى السكنية في المديرية بالصواريخ والأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
فيما دعت الأمم المتحدة أطراف الصراع في اليمن إلى ضمان حماية المدنيين وتوفير ممر آمن للخروج من مناطق الصراع، في الوقت الذي تتواصل المعارك الضارية، بما في ذلك في محافظات مأرب وشبوة والبيضاء.
استهداف متواصل
تتعدد صور معاناة الأطفال وأوجاعهم؛ يفقد طفل أحد أطرافه، بينما يفقد الآخر كليهما. قد يكون البعض منهم محظوظًا باستبدال أطرافه المبتورة بأطرافٍ صناعية لتكمل معه مسيرة الحياة، أما البعض ممن لا حول لهم ولا قوة، فيبقى على كرسي متحرك أو بثلاثةِ أطرافٍ وعكازين، يسير بهما نحو مستقبل مجهول مليء بالخيبات والأسى.
آخر الأحداث التي استهدفت مدنيين وثقتها مواطنة لحقوق الإنسان في محافظة تعز جنوب غربي اليمن؛ فقد قُتل 3 أطفال وجرح 3 مدنيين بينهم طفل، في هجوم دامٍ بقذيفة، شنته جماعة أنصار الله (الحوثيون) على حي جامع الخير السكني في مدينة تعز.
وأدانت مواطنة هذا الهجوم الدامي وكافة الهجمات التي تستهدف المدنيين، ودعت جماعةَ أنصارالله (الحوثيون) إلى وقف الهجمات ضد المدنيين.
شيماء علي، إحدى هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافها بسبب القذائف التي استهدفت مدينة تعز خلال الفترة الماضية. وفي حديث أجرته "خيوط" مع والدها، يقول: "أصيبت شيماء في 2017، وكانت في الخامسة من عمرها آنذاك. كانت تلعب في الشارع مع أصدقائها، حين سقطت قذيفة لتأخذ معها روح صديق شيماء الصغير وتصيب آخر، وتبتر ساق شيماء اليمنى، مع أضرارٍ في ساقها اليُسرى، وندوبٍ في يدها اليمنى لم تلتئم بعد".
واستقبل مركز الأطراف الصناعية في تعز نحو 89 طفلًا خلال سنتين فقط، منهم من يعانون من بتر الأطراف السفلية والعلوية معًا. ثُلثا الحالات تمت معالجتهم بجلسات العلاج الطبيعي وتوفير دعم نفسي لهم، بمساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومركز الملك سلمان، بيد أن الحكومة المعترف بها دوليًّا لا تحرك ساكنًا، رغم استمرار النزاع وازدياد حالات الجرحى، خصوصًا من الأطفال.
ويكشف تقرير أممي حديث عن تسبب الصراع الدائر في اليمن في قتل وتشويه نحو2.600 طفل مع اشتداد الأعمال العدائية في البلاد خلال العامين الماضيين.
ونشر التقرير تفاصيل حول كيفية وقوع هؤلاء الشباب ضحايا للاستخدام العشوائي لقذائف الهاون والمدفعية والمعارك العسكرية والقتال البري والألغام المضادة للأفراد، وغيرها من المتفجرات من مخلفات الحرب.
في المجموع، عانى أكثر من 3500 طفل من انتهاك جسيم واحد أو أكثر؛ وكان من أهم هذه الإجراءات منع وصول المساعدات الإنسانية، والقتل والتشويه، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب.
وأفادت اليونيسف، أمس الأربعاء 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، بمقتل أو جرح ما لا يقل عن 8 أطفال جراء تصاعد العنف في اليمن، خلال الأيام الخمسة الماضية، حيث يستمر الصراع في التسبب في خسائر فادحة بين الأطفال والأسر. وفقا للوكالة الأممية، فقد قُتل أو شوه أكثر من 10،000 طفل منذ تصعيد النزاع في مارس/ آذار 2015 - أي ما يعادل أربعة أطفال يوميا.
وذكرت المنظمة أن هذه هي الحوادث التي تمكنت الأمم المتحدة من التحقق منها، مشيرة إلى احتمال أن يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور، إن الأطفال هم من يدفعون الثمن باهظ، كلما اشتعل الصراع في اليمن وتصاعد العنف.
حسب اليونيسف، فإن الهجمات على المدنيين - بمن فيهم الأطفال - والأهداف المدنية يمكن أن تنتهك القانون الإنساني الدولي، داعية أطراف النزاع إلى حماية المدنيين، وإعطاء الأولوية لسلامة الأطفال ورفاههم، ووقف الهجمات على البنية التحتية المدنية وفي المناطق المكتظة بالسكان.
وأشارت الوكالة الأممية إلى أن الارتفاع الأخير في العنف أدى إلى تفاقم الوضع اليائس بالفعل بالنسبة للأطفال والأسر. وقدرت المنظمة عدد الأطفال المشردين داخليا بنحو 1.7 مليون طفل، أكثر من مليوني طفل خارج المدرسة.
تجنيد الأطفال
تشهد المعركة الدائرة جنوب محافظة مأرب، أكبر عملية تجنيد للأطفال المقاتلين، الذين يتساقطون بصورة متواصلة ما بين قتلى وجرحى، مع استمرار المعركة الشرسة التي لا أفق واضح لحسمها أو توقفها.
ويفيد المواطن علي سعد (اسم مستعار)، من سكان ريف صنعاء، في حديث لـ"خيوط"، أنه فقد خلال هذه الحرب أحد أولاده قبل نحو ثلاث سنوات، فيما لا يزال أخوه يقاتل في صفوف أنصار الله (الحوثيين)، وتفاجأ قبل أيام بالتحاق ولده بعمر (15) عامًا بالقتال في مأرب، بدون علمه، ويشعر بالقلق الشديد عليه لصغر سنه وهروبه وانضمامه للقتال دون إخبار أسرته.
جميع أطراف الصراع في اليمن، تقوم بتجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال الحربية والأمنية المختلفة، هذا ما أكده تقرير فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة، نُشر أواخر العام 2020، الذي وثق نحو 259 حالة مؤكدة من التجنيد والاستخدام للأطفال في اليمن، جندتهم عدة أطراف في النزاع، واستُخدموا في الأعمال العدائية. وأشار التقرير الى ارتفاع نسبة الوفيات والإصابات في صفوف من استخدموا في القتال من هؤلاء الأطفال المجندين.
كان لجماعة أنصار الله (الحوثيين) النصيب الأكبر من هذا التجنيد، حيث كانوا مسؤولين عن تجنيد 163 طفلًا، لا تتجاوز أعمار بعضهم 7 أعوام. ويذكر التقرير أن هؤلاء الأطفال "تم تجنيدهم في الغالب من المدارس والمناطق الفقيرة والقرى النائية، ومن مراكز الاحتجاز ومخيمات النازحين، عن طريق الحوافز المادية واستغلال الجانب الديني العقائدي".
ونوّه التقرير إلى أن الفقر والجوع، في جميع الحالات التي شملها التحقيق، كانا عاملين قويين جعلا الأطفال عرضة للتأثر بالحوافز النقدية وضحايا لتلاعب القائمين على التجنيد بعقولهم. واللافت للنظر، كان تأكيد فريق الخبراء البارزين عن تلقيهم تقارير موثوقة بشأن "تجنيد "الحوثيين" لـ34 فتاة (تتراوح أعمارهن بين 13 و17 سنة)، لاستخدامهنّ في التجسس وفي تجنيد أطفال آخرين، وكحارسات ومسعفات، وفي مهام الأمن النسوي، الذي من مهامه الأساسية دعم الحوثيين من خلال تلقين النساء والفتيات أيديولوجية الجماعة، والحفاظ على النظام في مراكز الاحتجاز الخاصة بالنساء، وتنفيذ أنشطة إنفاذ القانون.
يضيف الاختصاصي في علم الاجتماع، عبدالرزاق شمسان، في حديثه لـ"خيوط"، سببًا آخر برز مؤخرًا بشكل جلي وواضح، وهو استخدام الجانب الديني والمذهبي في عملية التحشيد والتجنيد، بالأخص بعد موجة الاحتفالات الأخيرة بالمولد النبوي، والتي تم استغلالها في استقطاب المزيد من المقاتلين والزج بهم للمعركة الدائرة في مأرب، والتي تعتبرها جماعة أنصار الله (الحوثيين) معركة فاصلة بالنسبة للحرب التي تشنها منذ مطلع العام للسيطرة على آخر معاقل الحكومة المعترف بها دوليًّا في شمال اليمن.
مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإيرانية أكد في هذا الخصوص أثناء لقائه بالمبعوث الأممي إلى اليمن السويدي غروندبرغ في طهران الإثنين 1 نوفمبر/ تشرين الأول، أن الفصل الآن في الحرب الدائرة في اليمن بيد "الشعب اليمني"، في إشارة لخيار الحرب وليس الحوار والسلام، وهو موقف يتبنى النهج المتبع من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدعومة من إيران في معركتها المكلفة للسيطرة على مأرب.
أعداد مرعبة
تكشف الأمم المتحدة عن ارتكاب 4418 انتهاكًا جسيمًا في حق 1287 طفلًا في اليمن (944 فتى و343 فتاة)، والتحقق من وقوع 63 انتهاكًا جسيمًا في حق 54 طفلًا (43 فتى و11 فتاة) في السنوات السابقة، والتي تشهد فيها البلاد حربًا وصراعًا مسلحًا، منذ نحو ست سنوات.
وتحققت الأمم المتحدة، كما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة السنوي للأطفال والنزاع المسلح لعام 2020، من تجنيد واستخدام 163 طفلًا (134 فتى و29 فتاة)، من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) (115)، والقوات المسلحة التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا (34)، وقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من قبل دولة الإمارات (10)، وجناة كما وصفهم التقرير "مجهولي الهوية" (4).
واستُخدم معظم الأطفال (92) في مهام قتالية، وكان الثلث من هؤلاء الأطفال ضحايا لانتهاكات أخرى خلال فترة ارتباطهم بأطراف النزاع، بما في ذلك القتل والتشويه. وبالإضافة إلى ذلك، جرى التحقق في وقت لاحق من تجنيد واستخدام 9 فتيان من قِبل أنصار الله (الحوثيين) (8)، والقوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا (1).
وأكدت الأمم المتحدة أنها تحققت من عمليات قتل (269) عملية وتشويه (855) تعرض لها 1124 طفلًا (816 فتى و308 فتيات)؛ نُسبت إلى جماعة أنصار الله (الحوثيين) (255)، وتحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية والإمارات (194)، وقوات الحكومة المعترف بها دوليًّا (121)، وقوات الحزام الأمني (49)، وداعش (11)، والمقاومة الشعبية (8)، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (2)، وجناة مجهولي الهوية (484)، بما في ذلك أثناء تبادل إطلاق النار، ولا سيما بين قوات أنصار الله (الحوثيين) والقوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا (228) وبين أطراف أخرى (43).
وتمثلت الأسباب الرئيسية لسقوط ضحايا في صفوف الأطفال في القصف بقذائف الهاون والمدفعية (339)، والأعيرة النارية وتقاطع النيران المتبادلة (305)، والمتفجرات من مخلفات الحرب (212)، والغارات الجوية (150).
وسقط معظم الضحايا في محافظات الحديدة (242) وتعز (239) ومأرب (132) والجوف (129). وبالإضافة إلى ذلك، تذكر الأمم المتحدة أنه جرى التحقق في وقت لاحق من وقوع عمليات قتل بنحو (14) عملية، وتشويه (27) عملية تعرض لها 41 طفلًا (32 فتى، و9 فتيات) ونُسبت إلى التحالف بقيادة السعودية والإمارات (20)، وأنصار الله (الحوثيين) (10)، وجناة آخرين (11) عملية.
وتبدي الأمم المتحدة قلقها من الزيادة المستمرة في عدد الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك تجنيد الأطفال، ولا سيما من جانب أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًّا؛ وإزاء استمرار ارتفاع أعداد الأطفال الذين يقتلون أو يشوهون؛ وزيادة حالات منع إيصال المساعدات الإنسانية.