ما زال زواج الصغيرات في حضرموت ظاهرة مؤلمة تضع الكثير من الفتيات القاصرات في مأزق اجتماعي يؤثر على حياتهن العمرَ كله. تتوالى قصص المآسي لفتيات ذَبُلت زهرات أعمارهن بقرار أهل، غير محسوب النتائج.
ملاك، إحدى ضحايا زواج الصغيرات، وبسببه أصيبت بمرض نفسي مزمن حادّ. في صيف 2016 وهي بعمر الخامسة عشرة، تقدم لخطبتها شاب ثلاثينيّ؛ بينما كانت تدرس في الصف الثامن.
وافق أهلها على الزواج وباستشارة عابرة لها، قابلتها ملاك بسكوت، تمت خطبتها. تباهت الطفلة ملاك -فَرِحةً- بين صديقاتها، ومضت عملية الاستعداد للزواج التي لم تعِ معناه، سوى أنها تلبس فستانًا أبيض يخرجها من ضيق بيت أهلها إلى سَعة بيت زوجها، لتشارك النساء في الخروج لكل الأماكن والمناسبات، حيث إن الفتاة في حضرموت تُمنع في أغلب الأحيان من حضور المناسبات والاحتفالات إلى حين زواجها.
في ثاني أيام زواجها بدا الوضع مختلفًا تمامًا، فأمام المئات من النساء المحتفلات بما يسمى (الصبحة)، وهي احتفالية النساء العامة للزواج في يومه الثاني، انهمرت دموع ملاك بكآبة وحزن، فلقد عانقها القلق النفسي من أول ليلة زواج، فكان ذلك نواة لمرض نفسي مزمن ينغص حياتها إلى الأبد.
لم يكن بمقدور زوج ملاك أن تظل ملاك في عصمته وهي في هذه الحالة النفسية السيئة، فطلقها بعد ثلاث سنوات من الزواج، وظلت الطفلة تصارع مرضًا نفسيًّا مزمنًا جعلها حبيسة البيت في معظم الأوقات
تحدث أخوها ياسر بمرارة لـ"خيوط": "كنت معارضًا لزواج ملاك في هذا السن، لكن موافقة والدي وإخواني وأخواتي على الزواج لم يجعل لمعارضتي أي تأثير".
فمن خلال القصص الواقعية التي تتداول بين حين وآخر لمآسي الزواج المبكر لفتياتٍ في هذه المنطقة، ما من شك في أن زواج ملاك في هذا السن سيكون قصة مأساوية أخرى تُحكى على كل لسان بمدينة سيئون.
عاشت ملاك بعد زواجها أصعب لحظات حياتها بدلًا من أن تقضي أسعد أيامها. لقد أصيبت بمرض نفسي حادّ قادها إلى محاولة الانتحار".
لا يزال الزواج المبكر في اليمن متفشٍّ، ونتج عنه آثار سلبية عديدة، أبرزها التسرب من التعليم وارتفاع معدلات الطلاق بنسبة كبيرة. كان التميز العلمي رفيق درب ملاك في كل مراحلها التعليمية، فقد كانت تحصد الترتيب الأول في صفها، لكن هذا الزواج حرمها من نور العلم وجعل حياتها مليئة بكوابيس الظلمة.
لم يكن بمقدور زوج ملاك أن تظل ملاك في عصمته وهي في هذه الحالة النفسية السيئة، فطلقها بعد ثلاث سنوات من الزواج، وظلت الطفلة تصارع مرضًا نفسيًّا مزمنًا جعلها حبيسة البيت في معظم الأوقات.
هكذا حُرِمت ملاك من التعليم ومن الزوج ومن الحياة النفسية المطمئنة، وأصبحت عبئًا على أسرتها، حيث تحتاج إلى علاج شهري مقداره 30 ألف ريال يمني. كانت هذه قصة ملاك، ومثلها المئات من الفتيات القاصرات يصارعن المأساة نفسها، في ظل غياب تشريع قانوني صريح يمنع زواج الصغيرات.