تعيش اليمن خلال الأسابيع القليلة الماضية منذ بداية العام الحالي 2022، تصعيدًا غير مسبوق على كافة المستويات مع انسداد ملحوظ لأفق الحوار والسلام في ظل ما فرضه هذا التصعيد من تعقيدات واسعة على ما يتم بذله من جهود لإسكات صوت البندقية والاحتكام للعقل ووقف الحرب التي طال أمدها وتبعاتها وما تخلفه من أزمات يعاني منها اليمنيون.
في الأسابيع الأخيرة، ونتيجة لهذا التصعيد المتبادل، أصابت الغارات الجوية والصواريخ مستشفيات، وبنية تحتية للاتصالات، ومطارات، ومرفقًا للمياه، ومدرسة، ووزارات، وتسببت أيضًا في وقوع ضحايا مدنيين، وفي الإضرار بالبنية التحتية المدنية.
يؤدي هذا القدر من التصعيد إلى تفاقم أزمة إنسانية حادة بالفعل، ويعقِّد جهود توفير الإغاثة، ويهدد الأمن الإقليمي، ويقوض جهود إنهاء الحرب والنزاع الدائر منذ نحو سبع سنوات.
وكررت الأمم المتحدة تحذيراتها للأطراف بأن حالة الحرب لا تُعفيهم من التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر بشدة الهجمات غير المتناسبة، ويستوجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وقوع الضرر على المدنيين، مع التشديد على أهمية المساءلة لانتهاكات القانون الدولي الإنساني.
في السياق، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إن هناك طريقة للخروج من الحرب، فالسماح باستمرارها خيار، وكذلك هو إنهاؤها. وفي هذا الصدد، أكد أنه يعمل الآن على تطوير إطار عمل سيحدد خطته للمضي قُدمًا نحو تسوية سياسية شاملة.
وفي إحاطته أمام مجلس الأمن في المقرّ الدائم بنيويورك ظهيرة يوم الثلاثاء 15 فبراير/ شباط، أكد غروندبرغ أن خطته تشكل إنشاء عملية متعددة المسارات يمكن من خلالها معالجة مصالح الأطراف المتحاربة في سياق أجندة يمنية أوسع، على طول المسارات الثلاثة للقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية.
على الرغم من كل هذه التحديات، شدد المبعوث الأممي على أن هناك طريقًا للخروج من هذه الحرب. فالسماح للحرب بالاستمرار ما هو إلا خيار، وإنهاؤها هو خيار أيضًا. إذ يعلم الجميع أنَّ إنهاء الحرب لن يكون بالأمر السهل، لكنه أمر ممكن
في هذا الإطار، سيبدأ المبعوث الأممي الأسبوع المقبل سلسلة من المشاورات الثنائية المنظمة التي تهدف إلى الإعلام عن إطار العمل وإدخال تحسينات عليه، كما تم توصيفه: "العديد من أصحاب المصلحة اليمنيين، بمن في ذلك الأطراف المتحاربة".
خيار الإنهاء
تقول الأمم المتحدة إنها على تواصل مع جميع الجهات لبحث مختلف الخيارات لتحقيق خفض التصعيد والبدء في حوار جامع يهدُف الوصول إلى حل سياسي عن طريق التفاوض، ينهي النزاع بشكل شامل. وتحث جميع الأطراف على التفاعل مع هذه الجهود فورًا وبدون شروط مسبقة، وإعطاء الأولوية لاحتياجات ومصالح الشعب اليمني.
ولم يسلم أحد من الحرب؛ لا الأشخاص في منازلهم، ولا المدارس والمساجد والمستشفيات وغيرها من الأماكن التي يجب حماية المدنيين فيها.
مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، قال من جانبه، إن الحرب تواصل تهديد حياة الملايين في جميع أنحاء اليمن.
وأضاف غريفيثس: "يطالب القانون الإنساني الدولي جميع الأطراف باحترام مبادئ التمييز والتناسب، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين والبنية التحتية المدنية. لذا على الأطراف احترام هذه الالتزامات، داعيًا إلى المساءلة عن أي انتهاكات خطيرة.
وسلطت الأشهر الأخيرة من التصعيد، الضوءَ على البعد الإقليمي للنزاع في اليمن، كما يؤكد غروندبرغ الذي يرى أن سلام اليمن وازدهاره كعامل أساسي من أجل استقرار شبه الجزيرة العربية، وهي حقيقة يعلمها الجميع حتى قبل اندلاع الحرب الحالية.
شهد الشهر المنصرم تضاعفًا في أعداد الجبهات في اليمن، وأرقامًا قياسية مروعة في عدد الضحايا المدنيين والمدنيات، وقد تسببت غارة جوية للتحالف على مرفق للاحتجاز في صعدة في سقوط ما يزيد عن 300 من المحتجزين ما بين قتيل وجريح، ما يجعل هذه الحادثة من أسوأ الحوادث التي وقعت منذ ثلاث سنوات من حيث عدد الضحايا المدنيين. كما أن الارتفاع الحاد في الغارات الجوية في اليمن بما يشمل الغارات على المناطق السكنية والبنى التحتية المدنية في صنعاء والحديدة لم تشهده البلاد بهذه الكثافة منذ نحو عامين.
على الرغم من كل هذه التحديات، شدد المبعوث الأممي على أن هناك طريقًا للخروج من هذه الحرب. فالسماح للحرب بالاستمرار ما هو إلا خيار، وإنهاؤها هو خيار أيضًا. إذ يعلم الجميع أنَّ إنهاء الحرب لن يكون بالأمر السهل لكنه أمر ممكن.
جبهات متعددة
ما زالت حرب اليمن تُخاضُ على الجبهة الاقتصادية أيضًا من خلال نزاع الأطراف المتحاربة على الموارد وعلى تدفق السلع التجارية السياسة النقدية والذي يؤثر بشكل كبير على كافة سكان اليمن.
حسب المبعوث الأممي، فقد شهد الشهر الماضي يناير/ كانون الثاني 2020، بشكل خاص نقصًا شديدًا في الوقود والمشتقات النفطية، وبشكل ملحوظ في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله (الحوثيون)، مما شكل ضغطًا غير مسبوق على الحياة اليومية للناس.
وبعد تأخر طويل، تم منح أربع سفن للوقود تصريحات للرسو في الحديدة هذا الشهر فبراير/ شباط، كان منها سفينة واحدة فقط مخصصة للسوق العام، وهذا لا يكفي لتلبية احتياجات السكان وفق غروندبرغ، داعيًا الأطراف مجددًا إلى إزالة كل العقبات المفروضة على الاستيراد والتوزيع المحلي للوقود وغيره من السلع الأساسية.
أضاف أن الحرب أيضًا يتم خوضها في المجال العام مع زيادة في حدة الخطاب المعادي في وسائل الإعلام، يصاحبه تهديد الإعلاميين والناشطين واحتجازهم ومضايقتهم في اليمن. ويسهم ذلك في إذكاء أجواء مسمومة في الوقت الذي يحتاج فيه الجميع إلى الحوار. وحث جميع الأطراف على حماية حرية الصحافة والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين والناشطين السياسيين المحتجزين.
وفق حديثه، فإن اليمن ظل لفترة طويلة بدون عملية سياسية وبدون أمل في أن ينتهي هذا النزاع. ومن خلال البدء بعملية منظمة تسعى للتعامل مع العناصر الأساسية للنزاع، يمكن استعادة الأمل لليمنيين في إنهاء المعارك العسكرية والسياسية والاقتصادية الطاحنة.