تخرجت نوال حُميد من الثانوية العامة وحصلت على معدل 86% في العام الدراسي 2018/2019، ما شجّعها على التقديم لكلية الهندسة في جامعة صنعاء، لكنها فشلت في اختبار القبول ولم تستطع أن تتجاوزه؛ كذلك قدمت في كلية التجارة وفشلت مرةً أخرى، لم يكن أمامها من خيار سوى الدراسة في إحدى الجامعات الخاصة، تقول نوال في حديثها لـ"خيوط" إنه لولا الغش أثناء اختبارات الثانوية لما نجحت أصلًا، وتشير إلى أنها لم تكن تتوقع النجاح أصلًا؛ وذلك بسبب عدم مذاكرة الدروس، وأنها لم تكن تعلم أن الغش الذي كان يصل إليها في قاعة الاختبارات صحيح أم لا.
وتنتشر ظاهرة الغش بشكلٍ كبير داخل المدارس اليمنية، لا سيما أثناء اختبارات الثانوية العامة والإعدادية؛ كونها المراحل الوزارية، التي تحدد مستوى الطالب ومستقبله التعليمي، ويعتبر الغش المدرسي أحد أبشع أنواع الفساد الذي يستهدف الطلاب بشكلٍ كبير؛ حيث يؤسس لجيل هش وغير متعلم.
الغش الجماعي
تفاجأ الطالب محمد العريقي بتحويل قاعة الاختبارات إلى قاعة غش جماعي رغم وجود مراقبين من الأساتذة، والذين بدورهم يقومون بتسهيل الأمر أمام الطلاب من أجل الغش، حسب قوله في حديثه لـ"خيوط"، أن المراقب "الملاحظ" قال لهم بالحرف الواحد: "تساعدوا بينكم البين، لكن بهدوء"، ما جعله يشعر بالاستياء مما يحدث.
طوال الأشهر الماضية، ظل محمد يذاكر ويدرس بشكل يومي، وهو طالب مجتهد ويشهد على ذلك جميع زملائه، بالإضافة إلى أنه طالب ذكي ويحصل على علامات ممتازة ودرجات نهائية دائمًا، إلا أنه الآن -حسب قوله- مصاب بحالة صدمة بعد ما رآه في أول أيام الاختبارات، ويشير إلى أن الطلاب في القاعة يصبحون سواسية، فلا فرق بين من يجتهد وبين غيره من يهمل طوال السنة؛ الأمر الذي جعله يفكر بعدم المذاكرة مرة أخرى، ما دام الوضع بهذا الحال.
يقول أحد المعلمين، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن العملية التعليمية أصلًا لم تعد منتظمة، وبالتالي فإن الطالب بحاجة إلى مساعدة، في إشارة منه إلى أن تسهيل الغش للطلاب يعتبر نوعًا من المساعدات التي تقدم للطالب
وبدأت في 26 من يونيو/ حزيران الماضي، اختبارات الثانوية العامة بقسميها الأدبي والعلمي للعام الدراسي 2020/2021، بمشاركة ما يقارب 191 ألفًا و819 طالبًا وطالبة في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، حسب بيان وزارة التربية والتعليم في صنعاء.
في هذا السياق، يشكو طلاب في مدارس محافظة ريمة من قيام الجهات المختصة في التربية والتعليم بنقل المركز الامتحاني لطلاب وطالبات الشهادة الثانوية من مركز الوحدة بمديرية مزهر إلى مركز الفتح للبنات بمديرية الجبين، وهو ما سيضاعف من معاناة أكثر من 250 طالب وطالبة الذين سيضطرون إلى خوض رحلات يومية شاقة للانتقال من مديرية لأخرى في طرق شديدة الوعورة ومناطق مترامية الأطراف، وهو ما قد يؤدي إلى تخلف طلاب عن حضور الاختبارات.
طرق مبتكرة للغش
زارت خيوط إحدى مدارس صنعاء، وقد شوهدت حالات الغش بطريقة جماعية داخل قاعات الاختبارات، فيما يتجمهر كثير من الأشخاص المرافقين للطلاب خارج المدرسة، وبدورهم يقومون بكتابة أجوبة الاختبار وإدخالها إلى القاعات بأي طريقة، لا سيما أن المراقبين يسهلون عملية الغش ويشجعون على هذه الممارسات، التي تعتبر من أبشع الانتهاكات بحق العملية التعليمية.
في جانب المدرسة، وأثناء مرورنا، كان هناك شخص يجلس بصحبة بعض أصدقائه، ويكتب في بعض الأحيان ويصور في أحيان أخرى ما يملي عليه الآخر في الجوال ويقوم بإرسالها إلى الطلاب في قاعات الامتحانات، تبين لنا لاحقًا أنه يرسل إجابات الاختبار لأحد أقربائه في الداخل عبر الواتساب، ويتفاخر كثير من الطلاب بعد خروجهم من قاعات الاختبارات بابتكار أحدث الأساليب والطرق التي تمكنهم من الغش بطريقة أسهل، حيث يقول أحد الطلاب -والذي رفض ذكر اسمه- أنه قام وأصدقاءه بعمل مجموعة في الواتساب يتم إرسال أسئلة الاختبارات إليها عندما يبدأ الاختبار، بدورهم يقوم الأصدقاء في الخارج بحل تلك الأسئلة وإرسالها إلى المجموعة بحيث يتمكن الجميع من قراءتها بنفس الوقت.
لم تصل حالة التسيب والإهمال في العملية التعليمية إلى هذا القدر من قبل، لا سيما أن هناك حالات تسيب عديدة وفساد يحدث في العملية التعليمية، لكن انتشار ظاهرة الغش بهذا المستوى لتصل إلى أن تصبح إحدى الممارسات العادية بنظر الجميع فهي الكارثة التي قد تحصل في المستقبل لهؤلاء الطلاب، فلا يمكن أن نثق مستقبلًا بطبيب أو مهندس وصل إلى هذه المرحلة عن طريق الغش.
في هذا الصدد، يقول أحد المعلمين، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن العملية التعليمية أصلًا لم تعد منتظمة؛ وبالتالي فإن الطالب بحاجة إلى مساعدة، في إشارة منه إلى أن تسهيل الغش للطلاب يعتبر نوعًا من المساعدات التي تقدم للطالب.
يضيف أن معظم المعلمين يقومون بتسهيل عملية الغش، وذلك من أجل حصولهم على مبالغ مالية بسيطة جدًّا تجمع في معظم الأحيان من قبل الطلاب قبل بدء الاختبارات بساعات، في هذه الحالة يقبل المعلم هذا العرض؛ لأنه بدون مرتب.
انقطاع المرتبات
في سبتمبر/ أيلول من العام 2016، توقفت رواتب المعلمين كغيرهم من الموظفين المدنيين بعد قرار نقل إدارة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، ما جعل الكثير يعزف عن التدريس والبحث عن أعمال أخرى، فيما استمر البعض بالتدريس والعمل في مهن أخرى، وهذا ما أدى إلى توقف بعض المدارس الحكومية عن الخدمة في بعض الأوقات، وعدم انتظام العملية التعليمية، كما أن عملية استبدال المعلمين بآخرين من المتطوعين الشباب أثر بشكل كبير، بسبب عدم وجود أي خبرات في مجال التعليم عند الكثير من المتطوعين وعدم تأهلهم لهذه المهمة، وقد تسبب انقطاع المرتبات بتعطيل العملية التعليمية عن نحو 3.7 مليون حسب منظمة اليونيسيف، وقد تسبب الصراع القائم في اليمن بتدمير أكثر من 2500 مدرسة، دمر منها نحو 66% وأغلقت حوالي 26% أبوابها، فيما تستخدم حوالي 7% لأغراض عسكرية أو أماكن إيواء للنازحين، حسب تقرير نشرته منظمة مواطنة بعنوان تقويض المستقبل.
كل هذه الأحداث أثرت بشكل مباشر على سير العملية التعليمية في اليمن، بالإضافة إلى ما خلفه كوفيد-19 بتوقف العملية التعليمية خلال العامين الماضيين، وعدم انتظامها، ما أدى إلى إيقاف التعليم وانخفاض التحصيل العلمي، إضافة إلى عدم توفر الكتب المدرسية منذ أعوام؛ الأمر الذي دفع بطلاب التعليم الأساسي والثانوي للبحث في الأسواق وشراء الكتب من أرصفة الشوارع، وثمة أمرٌ آخر يشكو منه الكثير من الطلاب يكمن في وجود أسئلة من خارج المنهج الدراسي أثناء الاختبارات.
يرجح البعض أنها تأتي من المناهج التي حُدثت، والتي قامت وزارة التعليم في صنعاء بتغيير بعض المفاهيم والدروس فيها، وهي في الغالب غير متوفرة في المدارس؛ ما يجعل الطلاب يذاكرون من المناهج القديمة غير المتوافقة في بعض الأشياء مع المناهج الجديدة.
كل هذه الإشكالية المعقدة جعلت الكثير من طلاب المدارس يلجؤُون إلى ممارسة الغش، حسب ما أدلى به الكثير من الطلاب، بالإضافة إلى عدم التزام المعلمين بواجبهم الأخلاقي، وردع مثل هكذا ممارسات وتشجيعهم عليها.
ما الحل؟!
يقول صلاح المنيفي، وهو رئيس كنترول أحد مراكز الاختبارات في صنعاء لـ"خيوط"، إن ضعف التعليم وغياب المدرسين وتقصير البعض وكذلك انقطاع الرواتب، هو السبب الرئيسي وراء انتشار ظاهرة الغش، ويؤكد على أن سبب تواطؤ المعلمين مع هذه الظاهرة يعود في الغالب إلى أسباب مادية؛ حيث يلجأ الكثير من المراقبين إلى تسهيل عملية الغش مقابل مبلغ من قبل الطلاب.
ويشير إلى أن الحل الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة هو صرف مستحقات المعلمين المالية، وصرف كامل حقوق المراقبين واللجان؛ بحيث لا يلجأ أحد لاستلام أي مبالغ بسبب الحاجة، وفي هذه الحالة يطبق على من يسهّل عملية الغش أقصى العقوبات، كما أنه يؤكد على ضرورة إعادة انتظام العملية التعليمية وفق الخطة المقررة من قبل الوزارة بداية كل عام دراسي.