خيوط- درج
نجم الدين قاسم & هلا نهاد نصرالدين
لا يزال اليمن يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. فحسب تقديرات الأمم المتحدة خلال 2023، فإن نحو 21.6 مليون شخص بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، ويكافح 80% من
البلاد لتوفير الغذاء والحصول على الخدمات الأساسية.
في المقابل، يستطيع النافذون من المسؤولين اليمنيين، إيجاد وسائل بديلة تتيح لهم تأمين راحتهم، بينما يرزح بين 71 و78% من اليمنيين تحت خط الفقر بحسب البنك الدولي و81% بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
من بين هؤلاء النافذين الذين وجدوا ملاذًا آمنًا لهم للهرب من واقع اليمن، محافظ سابق للبنك المركزي اليمن محمد منصور علي زمام. والأخير حاز على جواز سفر دومينيكي، الأمر الذي يتطلّب حدّاً أدنى للاستثمار يبلغ 100 ألف دولار أي 135 مليون ريال يمني (بحسب سعر العملة في مناطق سيطرة الحكومة) أو 60 مليون ريال (بحسب سعر العملة في مناطق سيطرة الحوثيين).
يأتي هذا التحقيق في سياق مشروع “باسبورات الكاريبي” الاستقصائي العابر للحدود، الذي يقوده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد (OCCRP) بمشاركة مشروع مراقبة الحكومة Government Accountability Project، وهي منظّمة غير ربحية مقرها واشنطن، وعدد من المنصّات الصحافية في أكثر من 20 دولة، من بينها موقع “درج”. يكشف المشروع عن شراء نحو 7700 شخص الجنسية الدومينيكية التي تمكّنهم من السفر العالمي من دون تأشيرة. وتتضمّن هذه اللائحة مجموعة متنوعة من السياسيين ورجال الأعمال المشبوهين أو المجرمين والخارجين عن القانون.
محمد منصور علي زمام: وزير المالية وحاكم المصرف المركزي السابق
عُيّن محمد منصور علي زمام محافظاً للبنك المركزي اليمني عام 2018، وكان يشغل منصب وزير المالية بين عامي 2014 و2015، قبل أن يتولى الحوثيون الحكم بعد ذلك.
في العام نفسه الذي أصبح فيه زمام محافظ المصرف المركزي، أي عام 2018، حصل وعائلته على الجنسية الدومينيكية مع كل من أحمد ورغد ورهف. بحسب مقابلة له مع موقع “درج”، أكّد زمام: “حصلت على الجنسية الدومينيكية قبل تعييني محافظاً للبنك المركزي اليمني بأشهر، حينها لم أكن مسؤولًا حكوميًا، وبحكم عملي مع عدد من المؤسسات الاقتصادية العالمية، ومستشارًا في البنك الدولي، فأنا بحاجة الى السفر، وكان الجواز اليمني عائقًا أمامي، لذا كنت أبحث عن جنسية أخرى، إذ غالبًا ما فاتتني سفريات كثيرة بسبب عدم حصولي على الفيزا بالجواز اليمني”.
بحسب وحيد الفودعي – خبير اقتصادي متخصص في الشؤون المصرفية، ووفقًا للبيانات الصادرة من البنك المركزي اليمني، فإن مرتب المحافظ يجب أن يتراوح بين مليون ومليونين ريال يمني كراتب أساسي، أي من 1000 – 2000 دولار، فضلًا عن الحوافز المالية والاعتمادات الأخرى، والتي كانت في عهد زمام بحسب مصادر في البنك تصل إلى 10000 دولار.
ولدى سؤال فريق التحقيق زمام عن كيفيّة شرائه الجنسية الدومينيكية، قال الأخير، "كانت لدي شقتان بعتهما بمبلغ 130 ألف دولار، وهو المبلغ الذي قمت باستثماره في دومينيكا، فكما أخبرتك أعمل كمستشار اقتصادي في مجموعة من المؤسسات الاقتصادية العالمية، وكذلك مستشار في البنك الدولي".
حجم هذه المعاملات أسفر عن أصول تعادل نحو 185 مليون دولار وخصوم تقدّر بنحو 107 مليارات ريال يمني في 31 كانون الأول 2018. وأشار التقرير إلى أنّها لو قيّمت "باستخدام سعر الصرف السائد في السوق"، لبلغت خصوم البنك المركزي اليمني نحو 636 مليون دولار، وخسر بالتالي ما يقارب الـ 21 مليون دولار
يتمتّع زمام بسيرة ذاتية ضخمة، إذ شغل مناصب مهمّة في اليمن. وأتاحت قوّته الدبلوماسية أن "تبتكر الحكومة اليمنية منصبًا في السلك الدبلوماسي لتتمكن من تعيين نجل شقيقه الشاب أنور أحمد منصور زمام في منصب مستحدث أطلقوا عليه اسم “مساعد الملحق التجاري للشؤون الجمركية في سفارة اليمن بجمهورية مصر العربية"، عام 2018، بحسب موقع المصدر أونلاين.
أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مرسومًا بإعفاء زمام من منصب وزير المالية في 9 حزيران/ يونيو 2015. وفي 11 شباط/ فبراير 2018، عُيِّن محافظًا للبنك المركزي. خلال فترة توليه المنصب، كان حليفًا للمملكة العربية السعودية التي قامت بإيداع نحو ملياري دولار في البنك المركزي تحت ذريعة تعزيز العملة الضعيفة في البلاد.
في كانون الثاني/ يناير عام 2020، صدر تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات بشأن اليمن في مجلس الأمن الدولي، والذي يتناول في صفحاته 229 حتى 242، البنك المركزي اليمني ويسمّي المحافظ السابق محمد منصور علي زمام بالاسم في قضية اختلاس.
"خرق البنك المركزي اليمني بقيادة المحافظ محمد منصور زمام، جميع الإجراءات والقوانين المتعلقة بتغطية أوامر الاعتماد من الإيداع السعودي. من خلال تمويل أوامر الاعتماد بسعر صرف أقل بكثير من سعر السوق، كان البنك المركزي يتكبد خسائر كبيرة من هذه الصفقات، ما أدى الى إضعاف ميزانيته ونفاد احتياطياته الأجنبية بوتيرة متسارعة".
ذكر التقرير اختلاس مبلغ 423 مليون دولار من إيداع المملكة العربية السعودية بقيمة ملياري دولار في كانون الثاني/ يناير 2018 لدى البنك المركزي اليمني في عدن. وتحت هذا البرنامج، تم إجراء إجمالي 38 دفعة من قبل المملكة العربية السعودية لصالح البنك المركزي اليمني في عدن، بحسب التقرير.
ردّ زمام عبر صحيفة “الأيام على هذا التقرير بشكل مفصّل في 31 كانون الثاني 2021، ومن بين ما قاله إنّ التقرير خصّه بالاسم من دون بقية من تولّى قيادة البنك، على الرغم أن غالبية تلك العمليات تمت بعد تركه العمل في آذار/ مارس 2019، ورفض تهمة "غسل أموال" وطلب من الحكومة اليمنية وبنكها المركزي الردّ في هذا الشأن.
لم ينكر زمام الفوارق في سعر الصرف وأسعار احتساب الوديعة، إلّا أنّه اعتبر أنّ البيانات الواردة في التقرير تفتقر إلى الاستناد الصحيح للأسعار، مؤكّدًا أنّ للبنك المركزي الحق القانوني في تحديد أسعار الصرف وفقًا للقانون بالتنسيق مع الحكومة بحسب المادة 23 من القانون رقم 14 الصادر عام 2000.
سرعان ما تراجع فريق الخبراء عن هذا التقرير، ونشر في 28 نيسان/ أبريل 2020 رسالة تصويب لسحب الوثيقة، كما نشر نسخة معدّلة في ما يخصّ موضوع المصرف المركزي اليمني وزمام بشكل خاص. الهجوم الذي كان في تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة على المحافظ السابق محمد زمام، كان بسبب اعتمادهم على تقارير قدمها رئيس اللجنة الاقتصادية حينها حافظ معياد، والذي كان على خلاف مع زمام، إذ وظف بعض الوثائق في غير سياقها، وهو ما وضع لجنة الخبراء في مأزق حين قدمت إدارة البنك المركزي التوضيح لها. اعتذرت اللجنة لزمام وحذفت التقرير”، بحسب وحيد الفودعي.
لكن، في التقرير النهائي الذي نشره الفريق في نيسان/ أبريل 2020، لم ينكر الأخير الخلل في سعر الصرف في عهد زمام، إذ يشير إلى أنّ الفريق حصل “على وثائق مصرفية داعمة تؤكد قيام البنك المركزي اليمني بـ 69 معاملة للصرف الأجنبي (15 معاملة بيع للريال السعودي، و48 معاملة شراء للريال السعودي، و6 معاملات شراء للدولار الأميركي) بأسعار معادلة بالدولار تتراوح بين 453 و740 ريالاً يمنياً في الفترة من 11 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 28 كانون الأول/ ديسمبر 2018″، أي في الفترة التي كان فيها زمام حاكمًا للمصرف المركزي.
أكد الفريق أن حجم هذه المعاملات أسفر عن أصول تعادل نحو 185 مليون دولار وخصوم تقدّر بنحو 107 مليارات ريال يمني في 31 كانون الأول 2018. وأشار التقرير إلى أنّها لو قيّمت "باستخدام سعر الصرف السائد في السوق"، لبلغت خصوم البنك المركزي اليمني نحو 636 مليون دولار، وخسر بالتالي ما يقارب الـ 21 مليون دولار.
بينما يذكر التقرير أنّ مزاعم الفساد المرتبطة بمعاملات للصرف الأجنبي أفضت إلى استبدال محافظ البنك المركزي اليمني في 20 مارس/ آذار 2019، إلّا أنّ الفودعي قال إنّ البنك المركزي بدأ في مطلع عام 2018 بشراء العملة الأجنبية من السوق، وذلك بقرار اتخذه محافظ البنك المركزي محمد زمام ورئيس اللجنة الاقتصادية حافظ معياد وكذلك رئيس الحكومة معين عبدالملك، للسيطرة على الانهيار الاقتصادي الحاصل آنذاك والسيطرة على أسعار الصرف.
ويضيف: "في ذلك الوقت، بدأت خلافات شخصية بين رئيس اللجنة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزي، والتي أثرت على سير عمل البنك، إذ عمل معياد على تأخير اعتماد التقارير اليومية، فكانت هناك فوارق مالية، واتهم زمام بأنه اختلس تلك الفوارق. ومن خلال التقارير التي رفعها من الحكومة تمت إطاحة زمام، ليتم تعيين معياد محافظاً للبنك، إلا أنه لم يستمر في المنصب أكثر من 6 أشهر، عندما اكتشفت الحكومة ورئاسة الجمهورية التضليل الذي كان يقوم به". حاول فريق التحقيق التواصل مع معياد، ولكنه لم يجب حتى لحظة النشر.
يفسر مصطفى نصر، مدير مركز الإعلام الاقتصادي، سبب إقالة حافظ معياد بعد أشهر قليلة من تسلّمه منصب محافظ البنك المركزي، قائلًا لـ "درج": "إن تصرفات معياد كانت خطيرة كادت أن تقضي على الاقتصاد اليمني، وذلك من خلال إدخال مؤسسة قومية كالبنك المركزي اليمني في قائمة العقوبات، وذلك عندما استدعى لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن للتدخل في عمل البنك المركزي اليمني، وهذا مخالف للقانون اليمني“.
بحسب وثيقة حصرية حصل عليها "درج"، صادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة اليمني في أواخر آذار 2019، والتي ورد فيها قيام محمد زمام – المحافظ السابق للبنك المركزي اليمني، بعمليات مصرفية وبيع وشراء للعملة، وذلك بالاعتماد على الوديعة السعودية (مليارا دولار) والتي كانت قدمتها المملكة في الربع الأول من العام 2018، مشيرة إلى استغلال إدارة البنك سلطتها في إهدار مبالغ مالية ضخمة، وصلت إلى نحو 9.8 مليار ريال يمني، ما يعادل نحو21 مليون دولار.
يطرح مشروع مشروع "باسبورات الكاريبي؛ دومينيكا" علامة استفهام حول عمليّة منح الجنسية الكاريبية، فهل تحقّق السلطات الدومينيكية في خلفيّة المقدّمين لديها قبل أن تفتح أبوابها وأبواب 144 دولة أخرى على مصراعيها أمامهم؟
هناك تقرير للجنة البرلمانية التي حققت في تهم الفساد الموجّهة الى زمام، صادر في 20 آذار 2021، في ما يخص التلاعب بأسعار الصرف، ومنح بنوك وشركات محددة امتيازات لسحب مبالغ بالعملة الأجنبية من الوديعة السعودية، وذلك نتيجة اعتماد البنك أسعار صرف تقل كثيراً عن أسعار السوق، ما أدّى إلى إهدار 23% من إجمالي المبلغ المستخدم من احتياطي الوديعة بين 13 تشرين الأول 2018 و13 شباط 2019. وذكر التقرير أنّ “إقالة زمام وتغييره كانا نتيجة خلافات بين زمام ومعياد.
وفي مقابلة لـ “درج”، قال زمام إنّ مسألة الفوارق "كانت مسألة مكايدات سياسية، تم إدخال البرلمان فيها ولم نكن نتمنى أن يتدخل البرلمان في قصة مثل تلك ويعلن عن تقريره الذي اعتمد على أقوال محافظ البنك المركزي السابق حافظ معياد، من دون أي أدلة مثبتة، فالفوارق السعرية كانت بناء على تقلبات السوق المحلية وأسعار العملة"، مضيفًا: "من يستطيع إثبات أنني تلقيت أي مبلغ، فأنا مستعد لإثبات العكس، وأنا واثق من نفسي… وإذا كان هناك أي إثبات عن أي جريمة فساد، أنا مستعد للمثول أمام القضاء في أي وقت إذا تم توجيه طلب لي بالحضور الى النيابة، فأنا لست هارباً والجميع يعرف أنني موجود في مصر".
الجدير ذكره، أن محمد زمام كان المهندس الأول لصفقة بيع وتسليم الموانئ اليمنية لشركة موانئ دبي العالمية، وذلك في عام 2005 أثناء توليه منصب المدير العام لبرنامج تطوير مدن الموانئ، والتي رافقتها تهم بالفساد وتلقي زمام رشاوى لإتمام الصفقة، وذلك بحسب الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، خصوصًا بعدما أهملت الشركة الميناء، ما أفقده أهميته الاستراتيجية، إذ تراجع عدد الحاويات المسجلة من 492 ألف حاوية في 2008 إلى 146 في 2011. أمّا زمام، فكان ردّه لـ “درج”، “الاتفاقية مع شركة موانئ دبي العالمية، لم أكن أنا المسؤول الوحيد فيها، كنا فريقاً من 5 أشخاص، وأنا لم أتلقَّ إلا مبلغ 30 ألف دولار فقط”.
يطرح مشروع "باسبورات الكاريبي؛ دومينيكا" علامة استفهام حول عمليّة منح الجنسية الكاريبية، فهل تحقّق السلطات الدومينيكية في خلفيّة المقدّمين لديها قبل أن تفتح أبوابها وأبواب 144 دولة أخرى على مصراعيها أمامهم؟
في حين ردّت دومينيكا على فريق المشروع، مؤكدة “أن عمليات التحقق من الخلفية لدينا مستقلة وشاملة – ومستقلة باستخدام شركات الرقابة الواجبة (due diligence) المستقلة المشهورة دوليًا، والتي يمكن العثور على قائمة بها على موقعنا على الإنترنت. ونقدم أيضاً طلبات إلى المركز المشترك للمعلومات والإعلام في الجماعة الكاريبية (IMPACS JRCC). تتحقق هذه الشركات/الوكالات من هوية مقدم الطلب، وتجري عمليات فحص من خلال جميع الشركاء الدوليين للجرائم المالية والشواغل الأمنية، ورفض التأشيرات من بين العلامات الحمراء الأخرى. يستخدمون الإنتربول ومكتب التحقيقات الفيدرالي وقوائم العقوبات والوثائق. يقومون بفحص الخلفية على الأرض في جميع المجالات التي كان مقدم الطلب سيدرس أو يعمل أو يعيش فيها".