يشهد سوق السيارات في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات، كسادًا غير مسبوق تسبّب بخسائر كبيرة لأصحاب معارض السيارات الذين أضحى الكثير منهم عاجزًا عن تحمل تكاليف النفقات الشهرية من إيجار معارض ونفقات عمال وصيانة، بل إن بعض المعارض أعلنت إفلاسها، فيما أغلقت أخرى أبوابها.
تزدحم معظم معارض السيارات في العاصمة صنعاء، بمركبات وسيارات بمختلف موديلاتها وأنواعها الحديثة والقديمة، دون إقبال يذكر، نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة لغالبية الناس.
بيع اضطراري بالتقسيط
عبدالله محمد، أحد الذين أجبرتهم الظروف المعيشية الصعبة على بيع سيارته الوحيدة بسعر زهيد وبالتقسيط، كونه لم يعُد قادرًا على الإنفاق على متطلباتها من إصلاح وبترول وزيت، بالنظر إلى أن سيارته غير اقتصادية تستهلك الكثير من البترول، يقول لـ"خيوط": "اضطررت لبيع سيارتي بالتقسيط، عوضًا عن ركنها بجانب البيت إلى أن تتآكل وتتعطل دون جدوى، إذ سدّدت ديوني بنصف المبلغ الذي تحصلت عليه بالتقسيط".
بالمثل، اضطر أديب محمد سيف، لبيع باص أجرة متوسط، قديم ومتهالك، كان يعمل به داخل العاصمة، لكنه كان يتعرض للأعطال بشكل مستمر، ما جعله عاجزًا عن دفع تكاليف إصلاحه في كل مرة، ليضطر في نهاية المطاف إلى بيعه بالتقسيط، بثمن بخس (300 ألف ريال يمني فقط).
عبدالله وأديب، ليسا إلا مثالَين لكثير من المواطنين الذين اضطروا إلى بيع سياراتهم بأسعار زهيدة في مقابل التخلص من عبء نفقاتهن، أو لسدّ عجز المعيشة، في حين لجأ بعضٌ آخر لشراء أو استبدال سياراتهم بأخرى اقتصادية في استهلاك الوقود، وهذا ما ساهم في المزيد من الركود في مبيعات السيارات مرتفعة السعر أو الجديدة.
يتحدث طارق عبدالعزيز، صاحب أحد معارض السيارات، لـ"خيوط"، عن تجربته التي مُنِيَ خلالها بخسارات كبيرة، بالقول: "لجأتُ لفتح معرض سيارات مع شركاء، بحكم خبرتي في استيراد السيارات، لكن العكس حدث معي، فقد خسرت خلال عامين فقط الكثيرَ من المال رغم الهدنة الراهنة التي كنّا نتوقع أنها ستعود بالفائدة علينا نحن التجار، وعلى المواطنين عمومًا".
ويتابع عبدالعزيز حديثه: "انعكست الهدنة المعلنة بشكل سلبي علينا نحن مالكي معارض السيارات، مضاعِفةً معاناة المواطنين، ومتسبِّبةً بكساد شمل مختلف القطاعات التجارية، ومن بينها عملنا في تجارة وبيع السيارات، على خلاف الأعوام السابقة التي كانت فيها الحرب مشتعلة!".
ضعف القدرة الشرائية
ويضيف عبدالعزيز: "أعتقد أن الركود جاء نتيجة ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين أجهزت عليهم الحرب وأكلت مدخراتهم، إضافة إلى انهيار سعر الصرف، وارتفاع القيمة الجمركية بشكل مضاعف؛ ممّا أدّى إلى ارتفاع أسعار السيارات بشكلٍ مبالغ فيه مقابل القدرة الشرائية للمواطن، ما أدّى بدوره إلى إحجام الكثير من المواطنين عن شراء السيارات، خاصة في ظلّ انقطاع الرواتب وتدهور الحالة المعيشية لغالبية الناس.
ويستطرد قائلًا: "يمرّ الشهر والشهران دون بيع أيّ سيارة، فيما تتراكم المصروفات من عاملِين وإيجارات وكهرباء وغيرها من التفاصيل التي أثقلت كاهلي، ما دفعني إلى بيع بعضٍ من ممتلكاتي، لسداد نفقات المعرض، إذ تجاوزت خسائري الثلاثين ألف دولار".
الجدير بالذكر أنّ ارتفاع سعر القيمة الجمركية في الأعوام السابقة مقابل انخفاضها هذا العام، تسبّب في قلب موازين المعادلة، إذ إنّ ارتفاع القيمة الجمركية للسيارات التي تم شراؤها في أعوام سابقة، مقابل انخفاضها للسيارات الحديثة لهذا العام، أدّى إلى تكدّس وكساد مبيعات السيارات ذات الموديل الأقدم؛ بسبب ارتفاع أسعارها".
ويؤكد عبدالعزيز أنّ هناك الكثير ممن يعرفهم تعرضوا للإفلاس، ومنهم من أغلق، ومنهم من قام ببيع معرضه (نقل قدَم) بخسارة كبيرة، ويُنهي حديثه بالقول: "ما يزيد الطين بلة هو ارتفاع سعر الكهرباء والضرائب وغيرها من المدفوعات التي يجب علينا دفعها، وقد نضطر إلى بيع سيارات بسعر التكلفة أو بخسارة؛ لمواجهة نفقات التشغيل والمتطلبات الأخرى".
ارتفاع سعر القيمة الجمركية في الأعوام السابقة مقابل انخفاضها هذا العام، تسبّبَ في قلب موازين المعادلة؛ فارتفاع القيمة الجمركية للسيارات التي تم شراؤها في أعوام سابقة، مقابل انخفاضها للسيارات الحديثة لهذا العام، أدّى إلى تكدّس وكساد مبيعات السيارات ذات الموديل الأقدم؛ بسبب ارتفاع أسعارها.
خسائر وإفلاس مرتقب
بدوره يؤكد عبدالله الحاشدي، صاحب معرض سيارات، أنّ خسائره تجاوزت الخمسين مليون ريال خلال العامين 2023 و2024؛ مما فاقم ديونه، وراكم الإيجارات والنفقات التشغيلية للمعرض، فضلًا عن دفع نفقات الزكاة والضرائب والجمارك الكفيلة بقتل أيّ مشروع؛ على حد تعبيره.
ويتابع الحاشدي -الذي يقف على حافة الافلاس- حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "نحن أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الإغلاق والإفلاس أو الاستمرار مع مزيد من الخسارة".
"لقد حاولت أن أعوّض خسارتي في معرض السيارات بالدخول في مشروع للطاقة الشمسية، لكنني وجدت نفسي في مشكلة أخرى وكساد مماثل، فاضطررت إلى بيع منظومات الطاقة الشمسية بالتقسيط، لدرجة أنّ عائدات التقسيط لم تُسدَّد حتى الآن؛ لأنّ المستفيدين عجزوا عن السداد، لأدخل في مشاكل معهم وصلت إلى أقسام الشرطة".
تراجع أنشطة التجارة
خبراء اقتصاديون أكّدوا أنّ أسباب الكساد في سوق السيارات، ناتج عن تضخم المعروض وقلة الطلب، إلى جانب تراجع أنشطة القطاع الخاص، وركود قطاع العقارات، وانخفاض قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وشحة الدخل، إن لم يكن انقطاعه تمامًا، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود، وركود سوق العقارات، الذي كان له الأثر الكبير -تحديدًا- في الإقبال على شراء السيارات؛ لارتباط هذا القطاع بتداول الأموال.
والآن جاءت المشكلة الأكبر، المتمثلة بسحب جماعة أنصار الله (الحوثيين) للعملة الأجنبية، وفي مقدّمتها الدولار، ما يعني عجز التجار عن الاستيراد من الآن وصاعدًا، وعجز المواطن عن الشراء، في ظلّ تفضيل أصحاب المعارض للبيع بالعملة الصعبة.
ويقدّر الخبراء في حديث لـ"خيوط"، تراجع نسبة المبيعات خلال العام الجاري، مقارنة بسنوات الحرب إلى نحو 90%.
ولعل لجوء كثير من المواطنين إلى عرض سياراتهم للبيع، بأسعار زهيدة تسبّب بانخفاض أسعار السيارات بنسبة تزيد على 30%؛ وفقًا لوضاح عبدالله، صاحب معرض سيارات.
وتُعدّ سوق السيارات المستعملة قِبلةً رئيسية لفئة كبيرة من اليمنيين الراغبين بشراء السيارات من مختلف الماركات، وخاصة اليابانية منها والكورية؛ لكون قطع غيارها رخيصة، وتكاليف صيانتها أقل مقارنة بالسيارات الأمريكية والأوروبية المرتفعة، ففي السنوات الأخيرة ارتفع حجم استيراد السيارات المستعملة إلى اليمن بشكل ملحوظ.
تقليص فاتورة الاستيراد
وتشير إحصائية سابقة صادرة عن نادي رجال الأعمال اليمنيين، إلى أن مبيعات سوق السيارات غير المنظم، المستعملة والمستوردة من أسواق الخليج والسوق الأمريكية، بلغت ما بين 100 و140 ألف سيارة سنويًّا، مقابل (10-12) ألف سيارة جديدة.
فيما بلغ عدد وكالات السيارات الجديدة أكثر من 30 وكالة، لكن غالبية هذه الوكالات قلّصت فاتورة الاستيراد، ومنها ما أوقفت الاستيراد بشكل كامل خلال السنوات الأخيرة؛ لأنها كانت تعتمد على البيع للشركات والمؤسسات والبنوك التجارية.
على صعيد متصل، أظهرت نتائج استقصاء في 15 سوقًا عربية، بينها اليمن، تراجعًا كبيرًا في مبيعات السيارات، حيث انخفضت مبيعات السيارات الجديدة في اليمن خلال 2023، إلى 2.3%، وعددها 8200 سيارة فقط، وفقًا لموقع (فوكس تو موف) الأمريكي المتخصص في أبحاث أسواق السيارات حول العالم.
وجاءت اليمن في المركز الثالث عشر ضمن قائمة الدول العربية في حجم مبيعات السيارات، بعد تراجع مبيعاتها إلى حوالي 70%، حيث بلغت مبيعات سيارات الركوب حوالي 223 وحدة خلال شهر سبتمبر 2020، مقابل بيع 741 وحدة في نفس الشهر من العام 2019، وبنسبة تقدّر بحوالي 0.2% من إجمالي مبيعات السيارات في المنطقة العربية.