أصيب الطفل أحمد حسن البالغ من العمر 11 سنة بـمرض السرطان قبل سبع سنوات، وكانت الحرب سببًا في التهام المرض جسده النحيل وانتشاره ومفاقمة معاناته.
ولم يتمكن أحمد، بسبب ما رافق الحرب من ظروف وتبعات سيئة طالت مختلف الجوانب الصحية في اليمن، من انتظام تلقي "الجرع المقررة" من العلاج الكيماوي الذي كان يتبعه، وهو ما أدى إلى تدهور حالته بشكل كبير، وأصبح حلمه الآن -كما يقول هذا الطفل لـ"خيوط"- فقط أن يعود إلى حياته السابقة ومواصلة دراسته.
في السياق، يقول والد الطفل أحمد القادم لعلاج ابنه في مدينة تعز من منطقة القاعدة الواقعة على المدخل الشرقي للمحافظة، "كنا قبل الحرب نسافر من مدينة القاعدة إلى مركز الأمل بحوالي 300 ريال والوصول خلال نصف ساعة، أما الآن أصبحنا ندفع 30 ألف ريال ويستغرق السفر 7 ساعات مرورًا بطرق شاقة ووعرة حتى يتم الوصول إلى مدينة تعز".
هذا المواطن، الذي فقد راتبه الحكومي كمدرس في إحدى المدارس العامة قبل أربع سنوات، بالكاد يستطيع توفير تكاليف تنقله إلى تعز لعلاج ابنه، ولولا فاعلو الخير وما يقدمه مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية، من خدمات مجانية لما استطاع -كما يؤكد- توفير علاج ابنه.
معاناة كبيرة يعيشها مرضى السرطان بمحافظة تعز اليمنية، لا سيما الأطفال؛ أكثر الفئات ضعفًا وبؤسًا؛ بسبب سوء التغذية الناتجة عن الحرب والحصار المفروضَين على المدينة.
ويأتي اليوم العالمي لمرضى السرطان هذا العام، وقد سجلت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بمحافظة تعز نحو 868 حالة إصابة جديدة بالمرض، خلال العام 2020، وهو الرقم الأكبر مقارنة بالأعوام السابقة.
ورغم صعوبة عملية وصول الحالات المرضية إلى المؤسسة بسبب الحصار، وشحة الإمكانات؛ إلا أنها تمثل ملاذًا للكثير من مرضى السرطان في محافظةٍ تتصدر قائمة الإصابة بين محافظات الجمهورية بعد محافظة إب.
ويؤكد الدكتور أحمد المخلافي، وهو أخصائي في أورام الدم بالمركز الوطني لعلاج مرضى السرطان في تعز، أن مريض السرطان معاناته طويلة ومستمرة مع هذا المرض خصوصًا المرضى الذين يأتون من خارج مدينة تعز، حيث يقطعون مسافات بعيدة ويتكبدون مشقة واسعة للوصول إلى المركز.
محافظة تعز من أكبر المحافظات في عدد حالات الإصابة بمرض السرطان بعد محافظة إب من بين محافظات الجمهورية؛ نتيجة لكونها محافظة زراعية وتتعامل بكثرة مع الأسمدة الكيماوية والمحسنات والمبيدات الحشرية
ويشير الدكتور المخلافي في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن هذه المشقة في الوصول إلى مدينة تعز تزيد حالة المرضى سوءًا، موضحًا أن بعض المرضى يصابون بالإسهال أو الحمى، والكثير من المراكز ترفض استقبالهم بمجرد أن يُعرف أنهم مصابون بالسرطان ولا تقدم لهم حتى الرعاية الأولية، مع أنه من المفترض أن يتعاملوا مع مرضى السرطان، مثل أي مريض آخر وهذا الأمر فاقم من معاناة المرضى، وخصوصًا الذين يسكنون خارج المدينة.
تبعات الحرب والحصار
لا تتوقف معاناة مرضى السرطان بمحافظة تعز عند حدود الألم والمرض، بل من تبعات الحصار المفروض على المدينة، وما نتج عنه من نقص في العلاجات والمواد الغذائية الأساسية.
وفي إشارة منها إلى المعاناة التي يعانيها مرضى السرطان بمحافظة تعز، تقول مسؤولة الإعلام في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالمحافظة، أسماء الشيباني، إن الحرب والحصار اللذين فاقما من معاناة سكان المدينة كان لمرضى السرطان النصيب الأكبر من تلك المعاناة، بسبب نقص العلاجات والمواد الغذائية الأساسية، وما نتج عن ذلك من نقص للمناعة لدى المرضى.
وتضيف أسماء الشيباني في حديث لـ"خيوط"، أن هناك الكثير من التفاصيل فيما يتعلق بمعاناة المرضى من تكاليف مادية أعاقت وصولهم إلى المؤسسة لتلقي العلاج نتيجة توقف الرواتب، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فالكثير من المرضى لا يتمكنون من الحضور في مواعيدهم أو حتى للحصول على خدمات الكشف المؤكد. الشيباني تشير إلى أن الكثير من الحالات متواجدة في الأرياف خارج المدينة، مع عدم قدرتهم على التنقل إلى المدينة في ظل مخاطر القذائف وانقطاع الطرق وهو ما يعرضهم لمشقات عالية.
أرقام مرعبة وعبء كبيرة
تسجل محافظة تعز ارتفاعات مخيفة لأعداد المصابين بمرض السرطان، وخلال العام 2020 سجلت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالمحافظة المئات من الحالات الجديدة المصابة بالمرض.
تقول أسماء الشيباني: "بالطبع الإحصائية التي نتحدث عنها في العام 2020، والتي وصلت إلى نحو 868 حالة هي إحصائية مرعبة جدًّا إذا تخيلنا الحجم والكم الهائل الذي يستلزمه علاج هذه الحالات، وتوفير الفحوصات الشخصية والتدخلات الحرجة إضافة إلى العلاج الإشعاعي."
ازدياد عدد الحالات يشكل عبئًا كبيرًا على المؤسسة عامًا بعد عام؛ لأن نسبة التزايد مخيفة جدًّا، وعدد المصابين بالمرض خلال العام الماضي -رغم أنه يعتبر الرقم الأكبر- إلا أن هناك أرقامًا قريبة جدًّا من هذا الرقم سجلت في الأعوام السابقة.
وفي هذا التزايد المخيف لأنواع الإصابات الموجودة التي تتنوع في الأطفال والنساء والرجال، ما يزيد من أعباء الجهات المعنية المتخصصة.
أسباب متعددة
تعددت الأسباب التي أدت إلى تزايد أعداد المصابين بالمرض؛ الأمر الذي جعل محافظة تعز ثاني أكبر محافظة من حيث عدد المصابين بمرض السرطان بعد محافظة إب.
وتذكر الشيباني أن محافظة تعز من أكبر المحافظات بعدد حالات الإصابة بمرض السرطان بعد محافظة إب على مستوى محافظات الجمهورية، نتيجة لكونها محافظة زراعية وتتعامل بكثرة مع الأسمدة الكيماوية والمحسنات والمبيدات الحشرية، إضافةً إلى ما فرضته الحرب من تردٍّ للأوضاع المعيشية وانتشار حالات سوء التغذية، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسب الإصابة بهذا المرض.
ويمر المركز بالكثير من الظروف نتيجة تزايد الحالات وارتفاع سعر الصرف وتوقف المطارات والموانئ عن العمل بسبب تفشي فيروس كورونا، خصوصًا أن المركز يقدم جميع الخدمات مجانًا للمريض فيما يتعلق بالخدمات التشخيصية والعلاجية والإحالات إلى المستشفيات الداخلية، ويتحمل جزءًا من التكاليف الخاصة بالعمليات الجراحية والسفر إلى الخارج بالتعاون مع جهات أخرى.
وتعتمد مثل هذه المؤسسات بشكل كبير على التبرعات والهبات الخيرية، إذ لا يتعدى الدعم الحكومي لهذا المركز العامل في تعز 12% من حجم احتياجاته الكبيرة للتعامل مع أكثر من 2500 مريض يتلقون علاجهم في المركز سنويًّا، في ظل وجود بنية تحتية صحية سيئة في المدينة.
وتؤكد الشيباني، حاجة المركز للكثير من الأجهزة التشخيصية، مثل أجهزة السيتسكان والرنين والإمراي، إضافة إلى العديد من الخدمات المتعلقة بالتدخلات الجراحية والعلاج الإشعاعي، وهو ما يدفع المركز لإرسال المرضى إلى الخارج للحصول عليها.