تشكّل الحرائق واحدة من بين أسوأ الحوادث التي تتعرض لها مخيمات النازحين في عدة محافظات يمنية، خصوصًا في مأرب، إلى جانب مأرب الحُديدة، اللتان شهدتا حرائق متكررة في مخيمات النزوح خلال السنوات السابقة، آخرها ما حدث في مخيم (الجفينة) شمال شرقي محافظة مأرب "الشهر الماضي"، والذي أودى بحياة ثلاثة أطفال ووالدتهم وإصابة خمسة آخرين من أسرة واحدة، جراء ماس كهربائي في جهاز تدفئة داخل إحدى الخيم.
وتعتبر هذه هي الحادثة الثانية التي تقع في مخيم (الجفينة) في محافظة مأرب (شرقي اليمن)، الذي يأوي نحو 8863 عائلة فرّت من منازلها بفعل الحرب المشتعلة في البلد منذُ سبع سنوات، قبل أن تستقر في هذا المخيم.
ضحايا الحرائق
عاش النازحون في مخيم (الجفينة) شمال شرقي محافظة مأرب، أوضاعًا معيشية صعبة، خصوصًا مع حلول فصل الشتاء البارد؛ مما دفعهم لاستخدام المدافئ الكهربائية التي اتضح أنها تشكل الخطر الأكبر على عشرات الأسر التي تقطن في مخيمات قابلة للاشتعال. مؤخرًا نشب حريق في خيمة أسرة أمين الدحمسي، تسببت في وفاة زوجته وثلاثة من أبنائه، بسبب مدفأة كهربائية التهمت مخيمهم.
يروي بكيل المداني، جار الدحمسي، لـ"خيوط"، الحكاية قائلًا: "سمعت أصواتًا من خيمة جارنا أمين بعد أن كانت النار قد شبّت في أرجائها، سارعتُ لإنقاذه، لكني لم ألحق؛ لأن النار كانت قد التهمت أطفاله الثلاثة"، ويتابع المداني: "استطعنا إنقاذ الأم التي كانت حينها ما تزال على قيد الحياة، لكنها -مع الأسف- فارقتها بعد ثلاث أيام من إسعافها"، فيما لا يزال زوجها يرقد حاليًّا في مستشفى الطوارئ بمنطقة (صحن الجن) بمأرب.
لم يكن يعلم الدحمسي أنه سوف يفقد أسرته بسبب المدفَأة، التي أشعلها لتقيَهم برد الشتاء القارس في خيمتهم الصغيرة وسط صحراء مأرب، لكنها التهمت أطفاله الثلاثة الذين ما يزالون تحت سن العاشرة ووالدتهم، الذين غادروه للأبد في منتصف تلك الليلة.
كانت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب قد نشرت بيانًا على حسابها الرسمي بموقع "تويتر"، يفيد أن "ثلاثة أطفال لقوا حتفهم وأصيب خمسة آخرين بحروق بليغة جراء الحريق الذي شب في خيمتهم بمخيم (الجفينة)"، وذكر البيان أن الضحايا جميعهم من عائلة واحدة، وهم الأب والأم بالإضافة إلى ثلاثة من أبنائهم.
حوادث متكررة
تتصاعد حوادث الحرائق في مخيمات النزوح بسبب البنية التي تتكون منها؛ إذ يتم بناء المخيم من الكرفانات والطرابيل المتهالكة التي لا تستطيع الصمود حتى أمام أشعة الشمس، وهو ما يجعلها معرضة باستمرار لخطر نشوب الحرائق.
من جانبه، يقول نائب مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، الدكتور خالد الشجني، لـ"خيوط"، إن الحرائق تحدث بمخيمات النزوح بمأرب، نتيجة الضغط الكبير على الكهرباء. ويؤكد أن أكبر خطر يتهدد المخيمات يتمثل في خطوط التيار الكهربائي، فالمواطنون يلجؤون لإيصاله بطرق عشوائية، ومكشوفة، بعضها متدلٍّ للأرض، وقريبة من متناول الأطفال.
ويشير الشجني إلى أن ثاني أهم عامل لحدوث الحرائق هو وضع المطابخ داخل خيمة السكن نفسها؛ الأمر الذي يتسبب بإحراق الخيمة وما بداخلها وغالبًا ما يكون الأطفال هم الضحية الرئيس لهذه الحرائق كما حدث مع عائلة الدحمسي.
هذا، وكان مخيم (الجفينة) قد تعرض في أبريل/ نيسان 2021 لحريق مماثل، أودى بحياة طفل وإصابة ستة أشخاص آخرين، بحسب الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في مأرب، ويعتبر المخيم من أكبر مخيمات النزوح بمحافظة مأرب، إذ يبلغ عدد النازحين فيه نحو 73 ألف نسمة، وفق إحصائيات رسمية اطلعت عليها "خيوط".
مخيمات مماثلة
شهدت مخيمات النازحين في محافظة الحُديدة (غربي اليمن)، العديدَ من الحرائق خلال سنة 2021، لا سيما مخيم (الشجيرة) بالدريهمي التي تعرض لحريق مدمر تسبَّب بالتهام 36 مخيمًا. كان العامل المشترك لحدوث معظم تلك الحرائق هو إعداد وجبة الغداء التي يعتمد النازحون في إعدادها على الحطب.
مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة الحُديدة، حميد خزان يؤكد لـ"خيوط"، أن الحريق كان بسبب موقد يعمل بالحطب، قضى على ممتلكات 36 أسرة نازحة، ودفع بها إلى العراء بعدما خسرت كل ما كانت تملكه.
ويضيف خزان: "حدثت أكثر من 5 حرائق منذ 2020 حتى منتصف أغسطس/ آب 2021، في مخيم (الشجيرة)، أغلبها كانت بسبب المواقد العاملة بالحطب، فيما أسهمت الرياح القوية في انتشار النيران في المنازل المبنية من جذوع الأشجار وسعف النخيل".
وتضم مخيمات النازحين في الدريهمي نحو 5 آلاف أسرة نازحة من عدة مديريات بمحافظة الحُديدة؛ (الحوك)، و(الحالي)، و(بيت الفقيه)، لكن غالبية الأسر تعود إلى مركز مديرية (الدريهمي)، بحسب الوحدة التنفيذية.
وبحسب الأمم المتحدة، نزح أكثر من 23,000 شخص منذ بداية العام، معظمهم في محافظات الحديدة ومأرب وشبوة وتعز. وقالت إن هؤلاء "ينضمّون إلى أكثر من أربعة ملايين رجل وامرأة وطفل نزحوا في أنحاء اليمن منذ التصعيد الأخير في 2015".
وكانت النجمة السينمائية العالمية أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة لمفوضية اللاجئين منذ عام 2011، قد زارت اليمن في 7 مارس/ آذار 2022، للفت الانتباه إلى العواقب الكارثية على المواطنين المدنيين بعد سبعة أعوام على النزاع.
وقالت جولي: "مستوى المعاناة الإنسانية هنا لا يمكن تصوره. في كل يوم يستمر فيه الصراع الوحشي في اليمن، تُزهق أرواح المزيد والمزيد من الأبرياء وسيستمر المزيد من الناس في المعاناة".