لم تكن تدرك الفتاة اليمنية العشرينية "نجوى"، أن حملها بمولودتها البِكر، سيقودها إلى خلف أسوار مستشفى السلام بمديرية (خمر)، محافظة عمران، الذي تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود"، لإجراء عملية ولادة قيصرية؛ حسب ما قاله زوجها محمد حمود، لـ"خيوط".
نجوى ليست الوحيدة؛ قبلها كانت سوسن (22 سنة)، قد توجّهت لمستشفى السبعين بصنعاء، لإجراء بعض الفحوصات الدورية الخاصة بالحمل، لتتفاجأ بأن الأطباء قرروا لها عملية قيصرية بسبب أنها لن تتمكن من الولادة بشكل طبيعي؛ حدّ تأكيدها لـ"خيوط".
"نجوى" و"سوسن"؛ فتاتان من بين 3136 حالة ولادة قيصرية، أجريت في مستشفى السبعين بصنعاء الخاص بالأمومة والطفولة، خلال عام 2020 من إجمالي 10503 حالات ولادة، مقابل 3629 ولادة قيصرية من إجمالي 11562 حالة ولادة، في ذات المستشفى سنة 2019؛ حسب إحصائية حصلت عليها "خيوط".
تفادي آلام الولادة
تُقبل النساء في اليمن على العمليات القيصرية، لا سيما القاطنات في المدن، من أجل تفادي آلام الولادة الطبيعية، لكن هذا ليس السبب الرئيس لانتشار ظاهرة الولادة القيصرية، بل إنّ كثيرًا من المستشفيات تعمد إلى توليد النساء قيصريًّا، لتزيد من أرباحها؛ وفقًا لتأكيد المواطن، عبدالسلام ناجي، لـ"خيوط".
في حين يُبدي كثيرٌ من الآباء والأمهات والأزواج امتعاضهم من تعمد المستشفيات إجراء العمليات القيصرية للنساء المترددات عليها وقت حلول موعد الولادة، تحت مبررات واهية، منها التعذر بنقص الأكسجين، فيما الحقيقة غير ذلك، إذ إنّ الهدف هو الحصول على إيرادات، دون مراعاة أنّ ذلك فيه إلحاق ضرر بالنساء دون وجود سبب قهري لإجراء العملية .
يستقبل قسم الطوارئ التوليدية حوالي 400 حالة ولادة شهريًّا، ولا يتجاوز عدد العمليات القيصرية منها 150 حالة؛ أي إنّ نسبة العمليات القيصرية لا تتجاوز 30% من إجمالي تلك الحالات المُدخلة إلى مستشفى فلسطين (زايد سابقًا)، وهي النسبة المسموح بها عالميًّا
ردًّا على تلك الاتهامات والشكاوى؛ قالت الدكتورة، ماجدة الخطيب، مديرة مستشفى السبعين للأمومة والطفولة بصنعاء، لـ"خيوط"، إنّ حالات الولادة القيصرية داخل المستشفى تجاوزت 25%.
وبررت ذلك بأنّ "المستشفى مرجعي لجميع حالات النساء والولادة، والتي هي في أغلبها حالات معقدة وذات مضاعفات، أو لحالات حوامل خضعن لعمليات قيصرية سابقة، وبالتالي لا يمكن للحامل أن تنجب طبيعيًّا، ولا بد من إجراء عملية قيصرية".
كما تؤكّد أنّ العمل داخل المستشفى يخضع لجميع البروتوكولات والمعايير العلمية، وهو مستشفى تعليمي تجرى فيه جميع العمليات ومعالجة الحالات المرضية بعد نقاش في اجتماع صباحيّ يوميّ تحضره استشاريات وأخصائيات النساء، منوهة إلى أنّ أسعار العمليات في المستشفى رمزية مقارنة بغيره من المستشفيات، ومعظم الإيرادات تتحول إلى نفقات تشغيلية ليستمر المستشفى في العمل في ظروف الحرب، ولا يحصل الكادر الطبي إلا على جزء بسيط كحوافز رمزية.
إجراءات العمليات
بدورها تنفي الدكتورة ندى الوجمان، مدير عام مستشفى زايد بصنعاء، أو كما أصبح يطلق عليه (مستشفى فلسطين)، وجودَ أيِّ زيادة في نسبة عدد العمليات القيصرية مقارنة بعدد الولادات الطبيعية.
توضح الوجمان في تصريح لـ"خيوط"، بأن "قسم الطوارئ التوليدية يستقبل حوالي 400 حالة ولادة شهريًّا، ولا يتجاوز عدد العمليات القيصرية منها 150 حالة؛ أي إنّ نسبة العمليات القيصرية لا تتجاوز 30% من إجمالي تلك الحالات المُدخلة إلى المستشفى، وهي النسبة المسموح بها عالميًّا، إضافة إلى أنّ أي حالة تخضع لإجراء عملية قيصرية يكون ذلك بعد نقاش بين الأخصائيات والاستشاريات من كادر المستشفى لاختيار الأنسب للأم وطفلها".
وتستطرد: "ويعتبر المستشفى مرفقًا صحيًّا مرجعيًّا لما جاوره من مستشفيات ومراكز صحية في مديريات شمال شرق صنعاء وما حولها من محافظات عمران والجوف ومأرب، كما يؤكد القائمون عليه، إذ يعد المقصد لتحويل الحالات التي استعصت ولادتها بمحاولات عديدة، كونه مجهزًا بكادر مؤهل من الاستشاريات والأخصائيات وطبيبات العموم وكادر قبالة وتخدير وأطباء وفنيين على مدار 24 ساعة. معظم الحالات المحولة إلى المستشفى لا تصل إلا في مراحل متأخرة، وأحيانًا بعد حدوث مضاعفات كانفجار الرحم؛ ما يستدعي إجراء تدخل جراحي لإنقاذ الأم وجنينها".
وتنوه الوجمان بأن هذه القضية أُثيرت سنة 2017، وتم تكليف لجنة من قبل مكتب الصحة للتحقق، ولم تجد اللجنة حينها أي عمليات أجريت بدون مسوغ علمي، وخلصت إلى أن نسبة العمليات القيصرية للولادات الطبيعية لا تتجاوز النسبة المسموح بها عالميًّا، حد قولها.
من ناحيته، يؤكد الدكتور فؤاد بوتج، مدير مستشفى السلام بمديرية خمر- محافظة عمران، لـ"خيوط"، أنّ نسبة العمليات القيصرية للنساء المترددات على المستشفى تبلغ 5% من إجمالي الولادات اليومية.
يضيف أنّ تلك العمليات التي تجرى في المستشفى مجانًا، نتيجة لمشكلات صحية في الحوض، تعاني منها الأمهات الحوامل، أو بناء على طلب أزواجهن وذويهن خوفًا على حياتهن.
مبالغ مضاعفة
في هذا الصدد، تتجاوز تكلفة إجراء الولادة الطبيعية في المستشفيات الحكومية اليمنية نحو 200 ألف ريال، أما في حالة العملية القيصرية، فإنّ المبلغ يتضاعف 3 أو 4 أضعاف، حسب تعقيد الحالة الطبية للأم الحامل.
وتعد اليمن من أعلى نسب وَفَياتٍ للأمهات في المنطقة العربية؛ إذ تموت امرأة كل ساعتين بسبب مضاعفات الحمل والولادة، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان .
في عام 2019، أصدرت وزارة الصحة العامة والسكان بصنعاء قرارًا يقضي بإيقاف مدير مستشفى زايد للأمومة والطفولة (فلسطين، كما تم تغيير اسمه من قبل سلطات أنصار الله (الحوثيين) عام 2020) ونوابه، وأطباء وطبيبات النساء والولادة، وإحالتهم للتحقيق بسبب زيادة نسبة العمليات القيصرية.
وأقرّ المتحدث السابق باسم وزارة الصحة يوسف الحاضري، بأنّ الولادة بالعمليات القيصرية وصلت إلى 50% من إجمالي عدد حالات الولادة التي تتم في المستشفى، لافتًا إلى أنّ وزير الصحة تفاجأ -عند قيامه بمراجعة السجلات الطبية- بزيادة نسبة العمليات القيصرية للنساء، ما أثار شكوكه حول المبررات الطبية لها.