تتوزع العديد من الأقليات الدينية، في العالم العربي، لا يعلم الكثير من الناس عنها شيئًا، لا سيما في اليمن، نظرًا لحالة الغموض التي تحيط حياة أتباعها اجتماعيًّا، ودينيًّا، خاصةً الطوائف المنغلقة غير التبشيرية كطائفة البُهرة في اليمن.
"البهرة" بحسب عديد المصادر المفتوحة التي اعتمدت عليها "خيوط"، طائفة شيعية، وهي فرع من فروع الطائفة الإسماعيلية المستعلية التي تعدّ ثاني أكبر طوائف المذهب الشيعي بعد الاثني عشرية، تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب، والإمام المستعلي، ومن بعده الآمر ثم ابنه الطيب، ولذلك يسمونها بـ"الطيبية"، وتنقسم الإسماعيلية إلى: "الداوّودية"، نسبةً إلى داوود بن قطب، ويُعرَفون بالبُهرة، ومركزهم الرئيسي في الهند بمدينة مومباي، ويتواجدون أيضًا في باكستان، ومصر، والإمارات. والقسم الثاني: "السليمانية"، نسبةً إلى سليمان بن حسن، وهؤلاء مركزهم الرئيسي في شمال اليمن ومدينة نجران الحدودية مع السعودية، ويتواجدون فيهما بكثرة ويعرفون باسم "المكارمة".
مصطلح "البُهرة يعود أصلًا إلى الهند بمعنى "تاجر"، إذ اشتهر أتباعها بالتجارة، ويعود أصلهم إلى الفاطميين الشيعة الذين كانوا في مصر إبّان العصر الفاطمي، وعند انتهاء العصر هاجر أتباع الطائفة إلى الهند واتخذوها مركزًا لهم، ويرأسهم حاليًّا السلطان مفضل سيف الدين، الذي عُيّن سنة 2014، عقب وفاة والده السلطان السابق الدكتور محمد بن برهان الدين.
في هذا الصدد، يرى عضو هيئة علماء اليمن، الشيخ علي القاضي، في حديث لـ"خيوط"، أن البُهرة عقائدهم مركبة من الباطنية.
طائفة غامضة
يتّسم أتباع الطائفة في اليمن بممارسة طقوسهم ومعتقداتهم بسريّة، إضافة إلى انغلاقهم، وعدم الانخراط في المجتمع، كما أنهم يعمدون إلى التحفظ، والتزاوج فيما بينهم فقط، مما جعل غالبية الناس لا يعرفون عنهم شيئًا، لكن يرى البعض أنّ ذلك حقٌّ مشروع لأي طائفة دينية.
ترى طائفة البهرة أنّ تعاليم دينهم ينبغي أن تُلقن للمخلصين من أتباع المذهب فقط، لذلك من الصعوبة أن يجد الآخرون تعليمات واضحة أو ممارسات مكتوبة، وهذا شأن خاص بالجماعة.
يقول الباحث في جامعة لوند السويدية، والمدير التنفيذي لمركز إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات، د. محمد المحفلي، لـ"خيوط": "لكل طائفة من الطوائف مفهومها الخاص بالدين وتفسيرها الخاص لنصوصه، ولها طريقتها الخاصة لتطبيقه وممارسة طقوسه".
ويضيف: "ترى طائفة البهرة أنّ تعاليم دينهم ينبغي أن تُلقن للمخلصين من أتباع المذهب فقط، لذلك من الصعوبة أن يجد الآخرون تعليمات واضحة أو ممارسات مكتوبة، وهذا شأن خاص بالجماعة".
عدم معرفة الناس بهذه الطائفة أو الافتقار للمعلومات حولها، نتيجة تحفُّظها، أدّى إلى ظهور وتداول الكثير من الادعاءات والشائعات عنهم، ينفونها بدورهم، وهنا يخلط الناس بين أتباع الطائفة (الداوودية)، وهم المعروفون بالبُهرة صريحًا، ويتواجدون بشرقي حراز، وبين (المكارمة) وهم القسم الثاني للإسماعيلية (السليمانية) كما ذكرنا، ويقطنون بمدينة نجران السعودية، وفي اليمن غربي حراز كالمزانعة وكاهل وشبام، وسلطانهم حاليًّا اسمه عبدالله بن محمد نجران.
وكان شيخ طائفة البهرة، أحمد محلة، الذي ينتمي إلى الإسماعيلية الداوودية، قد أكّد في تصريحات صحفية أطلعت عليها "خيوط"، أنه لا توجد فروق بين الداوودية والسليمانية، وأنّ الكتب والمؤلفات للطائفتين واحدة، ولكن دعاتهم السابقين افترقوا فيما بعد، ما أدّى إلى استقلال الطائفتين.
الحرب وتداعياتها
أثّرت الحرب التي تدخل عامها السابع في اليمن، بشكل كبير على أتباع الطائفة داخل البلاد وخارجها في الهند تحديدًا، إذ لم يستطيعوا أداء طقوسهم الدينية التي كانوا قد اعتادوا عليها قبل الحرب، كزيارة ضريح حاتم الحَضرات والطواف حوله، بحضور زعيم الطائفة السلطان المفضل سيف، الذي يعمل على إقامة زيارات واجتماعات وتوزيع الهدايا والهبات، وتعود آخر زيارة له إلى اليمن لسنة 2014، حيث قدم ومعه آلاف من أتباعه إلى مدينة جبلة بمحافظة إب، لزيارة ضريح الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، قبل زيارتهم لضريح الحَضرات.
وفي 2016، تعرض أتباع البُهرة بالمدينة القديمة في عدن لانتهاكات جسيمة تنوعت بين القتل والتنكيل والخطف، من قبل جماعات متطرفة كانت تسمى )فرق الموت)، إضافة إلى إغلاق متاجر البُهرة في سوق المدينة القديمة الذي كان يحمل اسمهم، وسط تخاذل السلطات وقتذاك.
يتميّز أتباع طائفة البهرة بوحدة الزي للرجال والنساء، يضع الرجال على رؤوسهم قبعات بيضاء مطرزة بخيوط ذهبية، ولديهم مركز ديني في صنعاء بمنطقة حدة، اسمه "الفياض الحاتمي"، تعرض للإغلاق في 2015 من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على العاصمة صنعاء، وكانت سيارة مفخخة قد انفجرت أمام المركز وقتذاك وتسببت بمقتل وجرح 6 أشخاص، بحسب موقع "ألترا نيوز"، ولدى الطائفة أيضًا سوق شهير في مدينة عدن يعرف بسوق البُهرة، يضم محلات تجارية لأتباع الطائفة فقط.
مزارات ومعتقدات
نشطت دعوة طائفة البُهرة في اليمن في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، العاشر هجريًّا، على يد داعيتين يمنيَين، هما: (أبو عبدالله الكوكباني) و(أبو أحمد الصنعاني)، ومركزهم الرئيس في منطقة حراز بالعاصمة صنعاء، وأيضًا في منطقة العُدين بمدينة إب وفي الحُديدة وعدن، ويتبعون سلطانهم المفضل سيف الدين في الهند، الذي وضع عليهم "سلمان رشيد" مندوبًا له باليمن، وهو هندي يحمل الجنسية الأمريكية، ويصل عددهم إلى نحو 25 شخصًا، وفق بحث سابق لمركز إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات، اطلعت "خيوط" على البحث.
للبُهرة مزارات دينية تعود للدولة الفاطمية، مثل ضريح حاتم بن إبراهيم الحَضرات، الداعية الفاطمي المدفون في قرية الحُطيب بحراز (غربي العاصمة صنعاء)، يتوافد إليه أتباع الطائفة من اليمن والهند لأداء طقوس الحج، وضريح الملكة أروى في جبلة بمدينة إب. ويعدّ إبراهيم الحضرات الداعية الثالث من دعاة الإسماعيلية، كان أبوه هو الداعية الثاني، والداعية الأول أقامته أروى بنت أحمد الصليحي.
ومن أبرز معتقدات البُهرة أنهم لا يقيمون الصلاة في مساجد المسلمين، بل يؤدون صلواتهم في مساجد خاصة بهم، وتكون صلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل "الطيب بن الآمر"، لكنهم يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين، ويعتبرون الكعبة رمزًا على الإمام، وفق تصريحات صحفية سابقة لبعض قادة الطائفة.
في المقابل، يقول مندوب الطائفة باليمن، سلمان رشيد لـ"خيوط"، إن جماعته "تعتقد بولاية علي بن أبي طالب بعد الرسول، ثم الحسن والحسين والإمامة من نسل الحسين".
ويسمي البُهرة الليلة الثالثة والعشرين من رمضان ليلةَ "الغدير"، وقد أُشِيع بين الناس معلومات حولها تفيد بأنهم يحتفلون بطرق مختلقة وغير مألوفة، إلا أنّ قيادتها نفت ذلك، بقولهم إن جوامعهم تكون مفتوحة أمام العالم، ويؤدون الصلاة فيها إلى الصباح، في منطقة حدة وفي نقم، موزِّعين الرجال والنساء في جوامع مستقلة.
مشروعهم السياسي
اشتهرت طائفة البهرة بالتجارة والاستثمار العقاري والصناعي والصرافة، وتعد من أكثر الطوائف الإسماعيلية ثراءً في العالم، إذ تسعى إلى تبني مشاريع خدمية وتنموية في الدولة، وفي بداية الحرب مطلع 2015، قام أتباع الطائفة بحملة نظافة لشوارع صنعاء وتكفلوا بأجور العاملين، وأطلقوا في 2018 مبادرة لاستبدال أشجار البُنّ بالقات في منطقة حراز، حيث يتواجدون، واشتهروا بتجارته.
اهتمامهم بالتجارة أبعدهم عن السياسة، وأثناء بحث "خيوط" وتتبع ماضي الطائفة في اليمن تبيّن أن لا طموحات سياسية لها، وإن كانت لهم مشاركة سياسية، فهي فردية وبصفة المواطَنة، وليس باسم البُهرة كطائفة، وقد فاز العديد من أبناء الطائفة في الانتخابات المحلية اليمنية في العاصمة صنعاء ومنطقة حراز.
لكن رغم ذلك، تقول بعض المصادر التي تتحدث عنهم، إنّ لهم طموحات وخطط لبناء دولتهم، من خلال استناد الطائفة إلى تاريخها السياسي وصراعاتها مع الدول الإسلامية عبر التاريخ، سواء في اليمن أو خارجها.