شهد عام 2022 تراجعا نسبيا للتصعيد العسكري في اليمن مقارنة بالأعوام الماضية. ويمكن الإشارة إلى اتفاق أطراف الصراع على هدنة استمرت لمدة ستة أشهر كحدث "فريد" جعل آمال اليمنيين ترتفع، ومع ذلك بقي الوضع سيء كما هو عليه منذ اندلاع الحرب.
في إحاطة سنوية عن حالة حقوق الإنسان قالت مواطنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية يمنية إنها وثقت في 2022 ما لا يقل عن 1066 واقعة انتهاك على مدنيين وأعيان مدنية يرقى البعض منها إلى جرائم حرب.
والتراجع الأخر في الأزمة اليمنية في عام 2022 كان على سُلّم أولويات المجتمع الدولي، حيث ساهمت الحرب في أوكرانيا في حرف أنظار المجتمع الدولي عن النزاع الدائر في أشد بلدان العالم فقرًا وتدنيًا لمستوى دخل الفرد.
وفي حين كانت الأزمة الإنسانية اليمنية "تستحق دعما دوليا وإقليميا أوسع"، قالت مواطنة لحقوق الإنسان إن أطراف النزاع المسؤولة عن هذه الأزمة واصلت ارتكاب انتهاكاتٍ واسعة النطاق وممنهجة، بما في ذلك قتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين، وتدمير البنية التحتية الحيوية بما فيها المستشفيات والمدارس، ومارست الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، ومنعت وصول المساعدات الإنسانية، وجندت أطفالًا واستخدمتهم، واحتلت مدارس ومستشفيات، واعتدت على عاملين في المجال الصحي والإنساني، واستخدمت التجويع كسلاح حرب، وقمعت الصحفيين والإعلاميين، وعملت على تضييق الحقوق والحريات العامة والشخصية".
وعن الانتهاكات التي طالت المدينيين عام 2022 قالت "مواطنة" في إحاطتها إن ما لا يقل عن 388 مدنيًا من بينهم 134 طفلًا و19 امرأة قتلوا، وجُرح ما لا يقل عن 880 من بينهم 383 طفلًا، و70 امرأة. ولحق البنية التحتية الحيوية بما فيها المستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية خرابًا واسعًا.
و"شكلت فجوة المساءلة في اليمن سببًا رئيسًا في تمادي أطراف النزاع للاستمرار في سلوكها الإجرامي لانتهاك حقوق الإنسان وخنق الحريات العامة والشخصية"، بحسب رضية المتوكل رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، التي قالت أيضا إن 2022 كان "عامًا مأساويًا آخر بالنسبة للمدنيين والمدنيات".
سجل حقوقي مخزي
وثقت (مواطنة) خلال العام 2022 ما لا يقل عن 28 هجمة جوية، 13 هجمة بطائرات مسيرة، 53 هجمة برية، 122 واقعة انفجار ألغام، 94 واقعة أجسام متفجرة، 85 واقعة إعاقة وصول المعونات الإنسانية والمواد الأساسية إلى المدنيين.
كما وثقت 25 واقعة انتهاك ضد مهاجرين أفارقة ويمنيين، و106 واقعة اعتداء على المدارس أو استخدامها لأغراض عسكرية، و35 واقعة خلفت أضرارًا على القطاع الصحي، 58 ضحيةً تعذيب، 18 ضحية لوقائع عنفٍ جنسي، 21 واقعة تعرض فيها مدنيون للدهس بالعربات العسكرية، أربع وقائع طالت 10 صحفيين وعاملين في مجال الصحافة والإعلام، سبع وقائع تقييد لحرية تنقل المدنيين، إلى جانب رصدها تجنيد واستخدام ما لا يقل عن 83 طفلًا من بينهم ثلاث فتيات على الأقل، ووقائع اختفاء قسري لـ 160 ضحية مدني.
"تمتلك أطراف النزاع في اليمن سجلًا حقوقيًا مخزيًا"، قالت (مواطنة)، مؤكدة إن جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) المدعومة إيرانياً، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والقوات المدعومة من الإمارات بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي لم يجنبوا المدنيين الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما خلال فترة دخول الهدنة حيز التنفيذ أوائل شهر أبريل/ نيسان 2022.
وتصاعدت أعمال القتال في أنحاء واسعة من اليمن مطلع العام الماضي، لا سيما في محافظتي مأرب وشبوة، رافق ذلك ارتفاع في حصيلة الغارات الجوية. وشنّت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في مدن يمنية عدة، هجمات غير قانونية متكررة قتلت وجرحت مدنيين وألحقت أضرارًا جسيمة في البنية التحتية من بينها مرافق الرعاية الصحية الخدمية والمنازل.
وثقت (مواطنة) التي أصدرت بيانا مشتركًا مع هيومن رايتس ووتش في أبريل/ نيسان ثلاث هجمات جوية وقعت في أواخر يناير/ كانون الثاني، أدت إلى مقتل نحو 80 مدنيًا، بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة 156 مدنيًّا بينهم طفلان.
كان من بين الوقائع الثلاث، واقعة الهجوم الجوي على مركز احتجاز في صعدة. بحسب شهادة عاملين طبيين، قتل في الغارة 82 مدنيا، وأصيب 162 بجروح مختلفة، وقالت (مواطنة) إنها تحصلت على أسماء 64 من القتلى، و143 من الجرحى. ونقلت عن مسعفين أن 16 قتيل، و35 من الجرحى سقطوا بالرصاص الذي أطلقته حراسة السجن التابعة لأنصار الله (الحوثيين) على المحتجزين الذين حاولوا الفرار.
وإلى جانب الهجمات البرية التي شنتها جماعة أنصار الله (الحوثيون) على مناطق مختلفة في البلاد لا سيما مدينتي مأرب وتعز الآهلتين بالسكان المدنيين، قالت (مواطنة) إنها وثقت انتهاكات ارتكبتها أطراف النزاع الأخرى كالقوات الحكومية المعترف بها دوليًا، والقوات والجماعات المسلحة الموالية لها، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المشتركة في الساحل الغربي المدعومتان من الإمارات. بحسب الاحاطة خلفت هذه الهجمات والانتهاكات قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وخلفت أضرارًا مادية في المنازل والأحياء السكنية.
كما شهد العام 2022 تدهورًا خطيرًا لحقوق النساء، وخصوصًا في الحياة العامة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله (الحوثيين). بحسب مواطنة لحقوق الإنسان قامت جماعة أنصار الله "الحوثيين" بتعريض النساء للخطر، بمنعهن من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية في بعض مناطق سيطرتها، وقيّدت، إلى حد كبير، سفرَ النساء بدون مَحْرَم، وأصدرت أكثر من تعميم يفرض رؤية نمطية لكيفية اللباس على النساء. وقامت أكثر من مرة بمنع الاختلاط في الأنشطة البحثية وحفلات تخرج عدد من الجامعات، ورصدت مواطنة حادثة تم فيها طرد مؤقت للنساء من العمل في أحد المطاعم، علاوة على أن عددًا من خطابات أنصار الله، عبر منصات مختلفة، أشعلت نيران كراهية النساء في المناطق التي تحت نفوذها.
غياب المساءلة
أدى إنهاء ولاية فريق الخبراء البارزين الخاص باليمن إلى غياب آليات المساءلة الدولية المستقلة، مما زاد من تكريس سياسة الإفلات من العقاب للمنتهكين، وجعل إمكانية تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا تبدو بعيدة المنال، بحسب (مواطنة) التي حثت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى سرعة تشكيل آلية تحقيق جنائية دولية مستقلة خاصة باليمن، تختص ولايتها بتوثيق انتهاكات أطراف النزاع، ورفع التقارير العلنية، وجمع وحفظ وتحليل الأدلة، وبناء ملفات لأجل القيام بإجراءات التقاضي الجنائي مستقبلًا.
"إن استمرار الوضع المتردي لحقوق الإنسان في اليمن هو أحد نتائج سياسة الإفلات من العقاب التي تورط في تعزيزها المجتمع الدولي" قال أسامة الفقيه، مدير المناصرة في مواطنة لحقوق الإنسان، مضيفا: "يجب لمأساة المدنيات والمدنيين في اليمن أن تنتهي، ويجب أن تلعب الدول دورًا إيجابيًا في تعزيز المساءلة الجنائية الدولية بدل من أن تقف متفرجة".
لدى (مواطنة) باحثون/ات ميدانيون/ات في 17 محافظة يمنية، قاموا بجمع البيانات من خلال إجراء أكثر من (2183) مقابلة باللغة العربية مع ضحايا، وذوي ضحايا، وشهود عيان، وعاملين في المجال الطبي والإنساني. واعتمدت هذه الأبحاث الميدانية على جمع الأدلة المادية بما فيها التقارير الطبية، وشهادات الثبوتية وصور بقايا الأسلحة. وقالت "مواطنة" إنها تلقت الشهادات والمعلومات بشكل مستقل وآمن من مصادرها الأساسية والموثوقة، وعلمت على الحفاظ على سرية البيانات.