لحظة فارقة تلك التي عاشتها حليمة حسن، (55 سنة)، حين أخبرها الطبيب بأنها مصابة بسرطان الثدي. بعد جولات من التردد، ومخاض تشخيصي عسير، واجهت هذا الخبر الذي حل عليها وأسرتها كالصاعقة.
سبع سنوات من الصمود الأسطوري، خاضت وتخوض خلالها معارك شبه يومية مع الآلام المترتبة على إصابتها، تارةً تهزمه، وتارةً يهزمها، وهكذا تحاول الانتصار، متمسكة بحقها في الحياة إلى آخر نفس؛ تقول ذلك لـ"خيوط"، بنبرة زاهية، وقد أكملت جرعة دوائها الكيماوي، في مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز.
لا تنسَ حليمة أيام الحرب الأولى، وسنوات النزوح التي ذاقت فيها الأمرّين، إذ عانت من البعد عن بيتها وحيها السكني وسط تعز، ولم تتمكن من الحصول على دوائها في الوقت المحدد، وفق برنامجها الدوائي المعتاد، قبل أن تعود مطلع العام 2018، لخوض جولة جديدة من رحلة المواجهة مع السرطان.
بفعل الحرب، باتت أسرة حليمة مشتتة بين تعز المدينة، ومنطقة الحوبان، تفصلهما عشر دقائق بتوقيت الجغرافيا، وست ساعات بتوقيت الحرب والحصار، ولهذا الشتات أثره النفسي البالغ عليها.
يعدّ سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات شيوعًا بين النساء، إذ ترصد مراكز طبية في عدة مدن يمنية متخصصة بالأورام تصاعد حالات الإصابة بسرطان الثدي في اليمن، لكن التشخيص المبكر يزيد بشكل كبير معدلات التغلب على هذا المرض، الذي يخصص شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، للتوعية بطرق مكافحته، بالتركيز على أهمية التشخيص المبكر للحد من خطورته.
الوقاية بالكشف المبكر
حليمة من بين 1260 مصابة بسرطان الثدي، بينهم 25 ذكرا حتى سبتمبر 2020، في مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز، والعدد آخذ في التصاعد بشكل مفزع، إذ يتم التشخيص بشكل شبه يومي، ولهذا بعده الكارثي، وبحاجة إلى تفعيل مكثف للدور التوعوي والتثقيفي الذي سيساهم في صناعة مجتمع يتخذ من الوقاية تدبيرًا إلزاميًا لمكافحة انتشار سرطان الثدي والسرطان بأنواعه، وفق ما يقوله الدكتور أمين مزاحم، أخصائي علاج الأورام الصلبة بالمركز.
مزاحم يشير في حديث لـ"خيوط" إلى أن الكشف المبكر عن حالات أورام الثدي يصنع الفرق على مستوى التشخيص والمعالجة؛ فمن حيث التشخيص يمكن تلافي ما نسبته 80% من الأورام المتعلقة بالثدي في مراحلها الأولى كأورام حميدة، والتعامل معها قبل التحول إلى أورام خبيثة، وهذا معيار دولي، مبني على دراسات، حسب قوله. أما علاجيًّا، ففي مرحلة الأعراض الأولى يستطيع المصاب قطع أشواط كبيرة من رحلة التعافي، ومجابهة المرض في أيامه الأولى؛ على العكس تمامًا مع من يأتي متأخرًا، وقد عاش لحظات حرجة من المعاناة، والحديث هنا لمزاحم.
أرقام تتزايد
على الرغم من جهود المكافحة المشتركة كوقاية توعوية وتثقيفية، ومعالجة مباشرة من قبل مركزي الأورام الحكوميين في صنعاء وعدن، ومراكز أهلية في كل من تعز والحديدة وإب وحضرموت، إلا أن أرقام الإصابات بسرطان الثدي في تزايد، فهو يعد الأول شيوعًا بين النساء، محليًّا وعالميًّا، وفق مؤشرات الصحة العالمية.
يعد أكتوبر/ تشرين الأول، شهرَ التوعية بسرطان الثدي في كل بلدان العالم، بهدف زيادة الاهتمام بهذا المرض وتقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورته والكشف المبكر عنه وعلاجه، فضلًا عن تزويد المصابين به بالرعاية المخففة لوطأته
في إب، يتحدث لـ"خيوط" محمد إسكندر، وهو إعلامي بالمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في المحافظة، عن زيادة تقارب 200 حالة عن العام المنصرم- 2019، بإجمالي 813 حالة، وفي الحديدة بلغ عدد الإصابات 1081 إصابة، وفق الإعلامي بفرع مؤسسة مكافحة السرطان عبدالمجيد الزيلعي، ويشير إعلام فرع عدن إلى نحو 108 إصابة، تم اكتشافها عبر العيادة الوردية للكشف المبكر منذ العام 2015.
أما في تعز فيؤكد عواد حمود، مدير الخدمات الصحية في مركز الأمل لعلاج الأورام، في حديث لـ"خيوط"، أن هناك نحو 1246 إصابة مشتركة بسرطان الثدي بين الإناث والذكور، من تعز ومحافظات أخرى مجاورة كإب والحديدة ولحج.
ويرصد المركز الوطني للأورام في صنعاء ما يقارب 800 إصابة جديدة بسرطان الثدي سنويًّا، من بين 5000 إصابة بالسرطان، وفق تأكيدات الدكتور مجاهد الجوفي، رئيس قسم التمريض في مجال الأورام في المركز.
ويحظى سرطان الثدي بتفاعل عالميّ خاص؛ لما يشكله من خطورة على حياة النساء، وللقدرة الكبيرة على التعامل معه في مراحله الأولى، سواء عبر الكشف المبكر أو العلاج، والبرامج الوطنية قد أثبتت نجاعة ذلك على المدى البعيد، حسب الجوفي.
الدكتور الجوفي تحدث لـ"خيوط" عن ضرورة توحيد الجهود لتحجيم انتشار سرطان الثدي، منوّهًا إلى أهمية الأدوار التوعوية المتزايدة التي وصفها بـ"الجهود المبعثرة"، وأنها "تحتاج لوعاء جامع، يعمل على توجيهها بالشكل السليم".
حملات توعوية
يعد أكتوبر/ تشرين الأول، شهرَ التوعية بسرطان الثدي في كل بلدان العالم، بهدف زيادة الاهتمام بهذا المرض وتقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورته والكشف المبكر عنه وعلاجه، فضلًا عن تزويد المصابين به بالرعاية المخففة لوطأته.
وتسجل سنويًّا نحو 1.38 مليون حالة جديدة للإصابة بسرطان الثدي، و000 458 حالة وفاة من جراء الإصابة به، وفقًا لتقديرات موقع Globocan الشبكي لعام 2008، التابع للوكالة الدولية لبحوث السرطان.
ويعد سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطانات شيوعًا بين النساء، في بلدان العالم المتقدمة وتلك النامية على حد سواء، وتبيّن في السنوات الأخيرة أن معدلات الإصابة بالسرطان آخذة في الارتفاع بشكل مطرد في البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل، بسبب زيادة متوسط العمر المتوقع وارتفاع معدلات التمدّن واعتماد أساليب الحياة الغربية، وفق ما تورده منظمة الصحة العالمية.
وتشهد عددٌ من المحافظات اليمنية حراكًا توعويًّا مكثفًا، في إطار مواكبة الحملة العالمية للتوعية حول سرطان الثدي، ففي حضرموت أطلقت مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان "أمل" حملة توعوية تحت شعار #التباعد_حماية #والكشف_وقاية، في ربط بين أهمية التباعد الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد 19، وضرورة الكشف المبكر للوقاية من سرطان الثدي.
أما صنعاء وعدن والحديدة وإب، فقد أطلقت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان وفروعها حملة مشتركة تحت شعار #أكتوبر_يزهر_وعيًا، نظمت خلاله العديد من الفعاليات التوعوية، والأنشطة المجتمعية والرياضية المواكبة للحدث.
وتميزت تعز بشعار مختلف عن بقية المحافظات؛ إذ أطلقت على حملتها شعار #الكشف_المبكر #وعد_بالأمل، في إشارة للأهمية التي يمثلها الكشف المبكر في المواجهة مع سرطان الثدي، كما تقول مدير الحملة ميادة الصوفي.
وتؤكد الصوفي لـ"خيوط"، على ما وصفتها بالمنهجية الجديدة للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في تعز، في حملة التوعية لهذا العام؛ إذ قالت إنها اعتمدت النزول الميداني، وتفعيل الحضور المباشر إلى المدارس والجامعات والمعاهد، وربط ذلك بالعيادة الوردية للكشف المبكر، إضافة للمطبوعات التوعوية، والنشر الإلكتروني الواسع النطاق، الذي يواكب عملنا الميداني عبر منصات المؤسسة الإلكترونية، مشيرة إلى تأكيد رصد عشر إصابات جديدة، خلال النصف الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، من بين نحو 150 امرأة ترددت على العيادة في تعز.
وعالميًّا، تبقى التوعية هي الخطوة الأولى في المعركة ضد سرطان الثدي، ويظل الكشف المبكر حجر الزاوية في مكافحته.