لم تكن إلهام (اسم مستعار) الضحية الأولى التي تقع في أيدي شبكة ابتزاز في محافظة تعز، فقبلها كثيرات وقعن بين أيدي هذه الشبكات، التي توقع أيضًا بكثير من الشباب واستغلالهم واختلاس الأموال منهم، بعد تهديدهم بنشر صور فضائحية لهم أو لقريباتهم.
أدّت الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات، لتقسيم محافظة تعز إلى قسمين- شرقي وغربي، وفي القسم الشرقي الذي تسيطر عليه جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تعيش إلهام، طالبة المختبرات الطبية.
في سبتمبر/ أيلول 2021، أضاعت إلهام هاتفها المحمول، وبعد انقضاء أربعة أيام، جاء إليها رجل وأعاده إليها. بعد مضي ما يقارب الشهر، وصلتها رسائل من حساب فيسبوكي باسم مزيف (رنا الكحلاني)، يطلب مُرسِلُها منها مبالغ مالية ويهددها بنشر صورها. تصرفت إلهام كما ينبغي لأي فتاة عاقلة ومدركة لعواقب تلك التهديدات، فأخبرت عائلتها بالأمر، ولم يكن بمستغرب على أسرة ربّت ابنتها على الصدق والشفافية والثقة، أن تقوم بالتصرف الصحيح. قدمت أسرة إلهام بلاغًا لدى إدارة البحث الجنائي في الحوبان، لكنها لم تتحرك للقبض على الجناة، كما يفيد خال إلهام ، الذي قال لـ"خيوط"، إنه قدم بلاغًا آخر لدى إدارة البحث الجنائي في مدينة تعز، الوقعة ضمن القسم الغربي للمحافظة، الذي تسيطر عليه الحكومة المعترف بها دوليًّا.
تحريات الشرطة
قام رئيس قسم التحريات في البحث الجنائي، محمد علوي، ونائبه عيسى الكامل، بوضع خطة للإيقاع بالمبتز الذي أرسل التهديد لإلهام، وذلك بتحويل مبلغ مالي إلى حسابه باسمها، مع العلم أن المبتزين يستخدمون بطاقة شخص آخر أعلن عن فقدانها في عام 2017. يقول عيسى الكامل لـ"خيوط"، إن المبتزين كانوا يستلمون الحوالات عبر صراف "النجم"؛ لأنه لا يطلب إثبات وجود الشخص الذي يستلم الأموال، كما أن له فروعًا كثيرة. لذلك أرسل الضابطان الحوالة عبر شركة "العمقي"، التي لديها فرع واحد فقط في مدينة تعز، وهكذا تم القبض على شخصين من شبكة الابتزاز.
بحسب الكامل، فإن أحد المقبوض عليهما (تتحفظ المنصة على نشر اسميهما لأسباب قانونية ومهنية)، "يتزعم شبكة الابتزاز في مدينة تعز، ويؤكد نائب رئيس قسم التحريات: "هو مُودع الآن لدينا وسيتم تحويل ملفه إلى النيابة لاستكمال الإجراءات القانونية".
ويضيف الكامل أن أحد أفراد عصابة الابتزاز هذه، يتواجد في منطقة الحوبان (القسم الشرقي من تعز)، وأن الأجهزة الأمنية هناك تلاحقه للقبض عليه، مشيرًا إلى أن لدى هذا المتهم مجموعة فتيات يقمن بتصوير الفتيات في الحفلات والأعراس من أجل ابتزازهن لاحقًا.
ابتزاز النساء وتهديدهن بنشر صورهن، بالجريمة المركبة؛ فهي "جريمة تهديد بفعل ضار، وجريمة ابتزاز، وبما أن العمل منظم ضمن شبكات، فهي جريمة شبكة دعارة، والعقوبة تصل بالحبس إلى ثلاث سنوات وأكثر"- وفقًا للقانون اليمني.
القبض على شبكة الابتزاز
وجاء في خبر نشرته صفحة إدارة الشرطة في مدينة تعز على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنها تلقت بلاغًا عن شبكة ابتزاز للفتيات في مدينة تعز من أحد الناشطين المدنيين، وقالت إنه ذكر في بلاغه اسم المتهم الذي يتزعم العصابة، وأنها تضم عددًا من الأفراد من ضمنهم فتاتين. وحسب خبر شرطة تعز، تقوم الفتيات بسرقة ذواكر الهواتف من زميلاتهن ومعارفهن أو تصويرهن في الحفلات دون أن يعرفن بالأمر، ثم يتم تسليم الصور لرئيس العصابة. بعدها يقوم (الرئيس) بتهديد الفتيات بنشر صورهن إذا لم يحوِّلن له مبالغ مالية، وأن التهديد يتم باستخدام حساب فيسبوكي بالاسم المستعار "رنا الكحلاني".
وجاء في الخبر نفسه، أن شرطة مدينة تعز قبضت على متهمين اثنين يوم الأربعاء 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، في واقعة ابتزاز فتاة دون التصريح باسمي المتهمين. كما جاء في الخبر أنه في وقت سابق، تم ضبط متهَمين اثنين، بجرائم ابتزاز واختطاف و"عدة جرائم أخلاقية". وبحسب البحث الجنائي في تعز، فإن "المتهمين الأربعة تم إيداعهم الحجز لاستكمال الإجراءات القانونية وإحالتهم إلى النيابة".
هدى (اسم مستعار بناء على طلبها) شابة تسكن في منطقة الحوبان، أضاعت ذاكرة هاتفها المحمول التي تحوي صورها، فوجدها شخص يدعى ماجد (اسم مستعار أيضًا لأسباب قانونية ومهنية)، وهو أحد سكان منطقة "الرمادة"- غرب مدينة تعز، وهي إحدى المناطق القريبة من خطوط التماس بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًّا وقوات أنصار الله (الحوثيين) وتسيطر عليها الأخيرة. أرسل ماجد ذاكرة الهاتف الخاصة بهدى إلى شخص آخر يتبع أحد الألوية العسكرية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا في مدينة تعز، ليقوم الأخير بتهديد أسرة هدى بنشر صورها إذا لم يرسلوا له مبلغ 10 آلاف ريال سعودي. وبحسب أحد أقارب هدى -اعتذر عن كشف هويته- تم القبض على ماجد، وهو الآن محتجز لدى إدارة الأمن في الحوبان- مركز المرافق الحكومية في القسم الشرقي من المحافظة.
عقوبة الابتزاز في القانون
فيما يخص عقوبة الابتزاز في القانون اليمني، فهي محددة في المادة (313) من قانون الجرائم والعقوبات، التي تنص على أنه: "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصدًا في نفس شخصٍ الخوفَ من الإضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره، ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أيُّ شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني".
وتنص المادة (254) من القانون نفسه، على أن "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة كل من هدد غيره بأي وسيلة بارتكاب جريمة أو بعمل ضار أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، إذا كان من شأن التهديد أن يحدث فزعًا لدى من وقع عليه".
يصف المحامي عمر الحميري ابتزاز النساء وتهديدهن بنشر صورهن، بالجريمة المركبة؛ فهي "جريمة تهديد بفعل ضار، وجريمة ابتزاز، وبما أن العمل منظم ضمن شبكات، فهي جريمة شبكة دعارة، والعقوبة تصل بالحبس إلى ثلاث سنوات وأكثر"- وفقًا للقانون اليمني.
ويضيف الحميري في حديثه لـ"خيوط": "من هنا، فإن القانون اليمني يُبين أن عقوبة الابتزاز هي الحبس خمس سنوات أو الغرامة، كما أن للقاضي السلطة التقديرية في اختيار أي من العقوبتين، بحسب حال الجريمة وأوضاعها والظروف المصاحبة لها".
تولّد الثقافة المجتمعية المحافظة في اليمن، حواجز بين الآباء والأبناء، وتكون سببًا كبيرًا في وقوع الفتيات فرائس لعمليات الابتزاز، إذ لا تستطيع الفتاة غالبًا أن تصارح أسرتها بأن لديها صورًا وقعت في يد شخص غريب وبأنها تتعرض للابتزاز.
الابتزاز من جانب نفسي
الحديث عن ظاهرة الابتزاز واسع وفضفاض، خاصة في مجتمع يعاني الكبت والحرمان والإحباط الشديد، مع وجود مجموعة من العُقد والمشاكل النفسية.
مدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة تعز، الدكتور جمهور الحميدي، يقول لـ"خيوط"، أن "الثقافة الذكورية هي التي تُعطي الرجل الحق في الابتزاز، وذلك لما لها من تأثير سلبي كبير على كل الجوانب، بالرغم من وجود القوانين التي تجّرم الابتزاز، فإن الكبت جزء من المشكلة".
ويضيف أن "الابتزاز نفسيًّا، هو أحد مظاهر الشذوذ، ويتم تصنيفه في قائمة الاضطرابات النفسية المتعددة، منها الاضطراب الجنسي الذي بدوره يجعل الفرد عُرضة للكثير من العقد النفسية، وبالتالي فإن الابتزاز هو نوع من الانتقام والحقد الدفين الذي يُختزل لا شعوريًّا لدى هؤلاء الأفراد".
ويتابع الحميدي حديثه عن هذا السلوك المدمر اجتماعيًّا، وفقًا لعلم النفس والقانون، بأن "الابتزاز بكافة أنواعه، عمل نصوصي بالمفهوم القانوني، ولكنه من الناحية النفسية اضطراب جنسي، حيث إنه عبارة عن تفريغ لمجموعة من العُقد، والأفراد الذين يمارسون الابتزاز يعانون من اضطرابات نفسية كثيرة".
حواجز الثقافة المجتمعية
تولّد الثقافة المجتمعية المحافظة في اليمن، حواجز بين الآباء والأبناء، وتكون سببًا كبيرًا في وقوع الفتيات فرائس لعمليات الابتزاز، إذ لا تستطيع الفتاة غالبًا أن تصارح أسرتها بأن لديها صورًا وقعت في يد شخص غريب وبأنها تتعرض للابتزاز. وعلى الرغم من أنه يكاد أن يكون هناك إجماع في الوسط الاجتماعي والثقافي والنشاط المدني، على ضرورة منح الأسرة الثقة لبناتها وتشجيعها على الحديث معهم إذا وقعت في فخ المبتزين دون أن يقع اللوم عليها، إلا أن هذه الجرائم في تصاعد مستمر. وهو ما يشير إلى أن الموقف الفعلي لغالبية الأسر إزاء تعرض بناتها للابتزاز، لا يساعد في كشف المتزين ومحاسبتهم، خوفًا من الفضيحة، كما يشير إلى أن إلقاء اللوم دائمًا على الفتاة الضحية، سواءً من قبل الأسرة أو من قبل أجهزة الشرطة أو من قبل المجتمع، يساعد في تفشي ظاهرة الابتزاز.