يثير قوز بيسان مخاوفَ سكان مناطق في وصاب، حيث يشكّل خطرًا حقيقيًّا يهدّد حياتهم بعد أن بدأ بالتآكل والانحدار، ممّا قد يتسبب في حوادث مروعة للمنازل والسكان، حيث لم تتخذ السلطات المحلية أيّ إجراءات جدّية لحل هذه المشكلة التي يشكو منها الأهالي.
يوجد جبل "قوز بيسان" في ريف مديرية "وصاب السافل" التابعة لمحافظة ذمار (وسط اليمن)، إذ يعيش سكان هذه المنطقة الريفية "بيسان" في حالة مستمرة من القلق والخوف، كما تنقل "خيوط" أصواتهم وقلقهم ومخاوفهم مع استمرار تفاقم حالة هذا الجبل، بسبب التغيرات المناخية وغيرها من العوامل البيئية.
محمد حمود، أحد سكان "بيسان"، يقول لـ"خيوط": "يوجد في القرية حوالي 30 أسرة، عدد أفرادها بالعشرات، تسكن في 15 منزلًا، حيث لا يزالون تحت التهديد بعد أن غادر غالبية سكان القرية إلى المدن ومناطق أخرى جرّاء المخاوف من الجبل"، لافتًا إلى أنّهم يعيشون في حالة من الرعب مرتقبين الحدث، حدّ قوله.
مناشدات وصمت رسمي
يحذّر الكثير من كارثة بيئية مرتقبة في هذه القرية، في ظلّ وضع صامت للجهات ذات الاختصاص، إذ يؤكّد الناشط الاجتماعي سمير العياشي، لـ"خيوط"، أنّ المجتمع الريفي الذي يشكّل غالبية سكان اليمن، محروم من كل شيء، خصوصًا سكان مديرية وصاب، الذين يقبعون بين الجبال المعلقة، حيث تهدّدهم مخاطر عديدة، كما هو الحال في بيسان، التي قد يمحيها بالكامل سقوط القوز المرتقب دون وجود أي اهتمام من الجهات ذات الاختصاص، بعد مناشدات عدة لا تزال متواصلة لسكان المنطقة.
كما يحذر العياشي من تكرار نفس الكارثة التي حصلت في قرية الظفير بمديرية بني مطر الواقعة على بعد 50 كيلومترًا غربي مدينة صنعاء، في أواخر العام 2005، وراح ضحيتها العشرات من سكان القرية؛ بسبب انهيار الجبل المطل على القرية الذي انشق نصفين؛ نصفه بات نائمًا على سكان القرية بعد أن تفكك إلى عشرات الصخور الكبيرة، فيما لا يزال نصفه الآخر يشكّل خطرًا قائمًا يهدّد سكان المنطقة الذين غادروا مساكنهم خوفًا من تكرار الكارثة مرة أخرى.
بينما لم يجد سكان "بيسان" أيَّ صدى لمناشداتهم حتى الآن، ولم يكن أمامهم سوى اللجوء للاعتقاد ببعض الخرافات التي يتوارثونها، كتقديم "فدية" تقيهم من خطر سقوط جبل "القوز".
تدخلات طارئة وحلول
تأتي الحاجة إلى تدخل فوريّ وجادّ في مواجهة خطر هذا الجبل المهدِّد لحياة المواطنين، حيث يجب على السلطات المحلية والجهات ذات العلاقة تشكيل لجنة خاصة لدراسة وتقييم حجم المشكلة، وتحديد الحلول المناسبة لها.
كما يجب أن يتم تخصيص الموارد اللازمة لإزالة القوز وتعزيز البنية التحتية للقرية لمنع وقوع الحوادث، فضلًا عن تعزيز جهود التوعية والتثقيف للسكان بشأن التهديد الذي يشكّله القوز، وعلى السلطات توفير معلومات دقيقة ومحدثة للمواطنين حول الخطر الناجم عن القوز، والإجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها، بحسب متخصصين في الجيولوجيا.
علاوة على ذلك، ينبغي أن تتعاون السلطات المحلية مع الخبراء والمتخصصين في مجال الهندسة المدنية والجيولوجيا لتقييم ودراسة القوز بشكل شامل، إذ يمكن أن تساهم الدراسات العلمية في توفير رؤية أعمق حول أسباب تكون القوز وتطوره، ومن ثمّ تحديد الحلول الفعالة للتعامل معه.
مشكلة قوز بيسان تتطلب التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية والسلطات المحلية وأهالي القرية. يجب أن تكون حماية حياة الأفراد وممتلكاتهم أولوية قصوى، ويجب أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بسرعة وجدية للتصدي لهذا التهديد المستمر منذ زمن طويل.
من جانبه، يقول حيدر يوسف (35 عامًا)، من سكان بيسان: "أعيش في هذه القرية منذ وُلدت، تربيت على ما أراه، منزلنا تحت القوز، في المكان الأشدّ خطورة، اعتدنا العيش كما هو حالنا في هذا المكان المعلق، قابعين بين القلق والخوف". يسافر يوسف للعمل في العاصمة صنعاء، ليعول أسرته، ومشاعره مختلطة بالخوف والقلق، إذ يفكر بمغادرة القرية، كحال سابقيه.
ثور الفدية السنوي
منذ زمن الأجداد، يُقدِم أهالي قرية بيسان كلَّ عام على ذبح ثورٍ، يتصدّقون بلحمه على سكان القرى المجاورة للمنطقة، تفاديًا لسقوط الجبل وإنقاذ أرواحهم، كما يعتقدون، متخذين هذه العادة خيارًا وحيدًا لتجنبهم سقوط الجبل الذي قد لا يترك أيّ أثر لهم في حال سقوطه، لكن هذه العادة بدأت بالتلاشي والاختفاء تدريجيًا، حيث أن هناك من يؤيدها ومن يعارضها.
الكاتب الصحفي غانم الصيادي، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ هناك خطرًا كبيرًا لا يتوقف عند حدود سقوط الجبل الوشيك، وما قد يخلّفه من دمار وهلاك قد يعم القرية بأكملها، حتى تلك الحيوانات التي تذبح باعتقاد المجتمع لدفع الضرر وجبر الكسر فتسقط الخدعة وصاحبها؛ بل تبرز الخطورة من الناحية الدينية والثقافية المتمثلة في تجذّر الخرافة وتوارثها جيلًا بعد جيل، وما قد يترتب عليها من آثار وخيمة تهدّد حياة الناس ومستقبلهم وسلامة تفكيرهم.
بحسب الصيّادي: "يتوجب على السلطات المعنية التي تمثّل الدولة ويقع على عاتقها مسؤولية توعية المجتمع والحد من توسع وتوغل الخرافة إلى عقول الكثير، المسارعة إلى معالجة المشكلة وإزالة الخطر المحدق الذي يهدّد بالقضاء على القرية بمن فيها. كما أنّ هناك مسؤولية تقع على المجتمع وسكان المنطقة الذين يجب أن يسارعوا إلى دفع الضرر عن أنفسهم؛ لكيلا يصبح مجتمعًا اتكاليًّا ينتظر من يدفع عنه شرًّا، ويجلب له خيرًا، خاصة في ظل وضع البلاد الراهن، وفق حديث الصيادي.
في حين يشعر أهالي المنطقة بخيبة أمل كبيرة من تجاهل السلطات المحلية لهذه المشكلة، ورغم تقديم العديد من الشكاوى والطلبات لإيجاد حلول جذرية، فإنّ التدخلات الرسمية لا تزال معدومة وغير موجودة، حيث يعتبر ذلك تقصيرًا من الجهات المعنية في حماية حياة المواطنين وممتلكاتهم.