لا يذكر اللون الغنائيّ العدنيّ في تأسيساته الباكرة، إلّا ويذكر معه الفنّان "سالم أحمد بامدهف"، الذي كان أحد أبرز مؤسّسي "الندوة الموسيقية العدنية" في نهاية الأربعينيات، قبل أن يتركها ويلتحق بـ"الرابطة الموسيقية العدنية"، بعد عام واحد فقط رفقة الأستاذ محمد عبده غانم، الذي كتب له معظم أغانيه، وهو في طور التشكُّل الأول، ومنها أغنيته الأولى "يا زين المحيَّا" التي قام بتلحينها أيضًا مطلع الخمسينيات:
يا زين المحيّا لا تنظر إلي
في طرفك حُمَيَّا أفسدت قلبي علي
يا لدن القوامِ لا تخطر أمامي
من مشيك هيامي شل من جفني منامي
غير أنّ أغنية "قولوا له"، للشاعر غانم أيضًا، هي التي ستطلقه في سماء الأغنية، وستقدّمه كملحّن متجدّد،، وسيلازمه لقب "سنباطي عدن" في تلك الفترة.
تقول كلمات هذه الأغنية:
قولوا له ليش ما يكلّمنا قولوا له يعطف على المضنى
قولوا له وترفّقوا لي بالكلام
قولوا له أيش هرَّبه منّي قولوا له أنا الهوى فنّي
قولوا له حرام يعذّبني حرام
قولوا له أيش قال لكم عنّي قولوا لي شي با يواصلني
قولوا لي وإلّا على الدنيا السلام
من يدري من يعلم قلبه يلين يرحم
من يدري من يعلم يقهر ويتندم
من يدري من يعلم يعطف ويتكرّم
من يدري من يعلم يرجع إلى عهد الغرام(1)
الشاب المولود في حافة شريف(*)، بكريتر عدن، في 13 ديسمبر 1933، تعلّم عزف العود على يد الأستاذ يحيى مكي، حينما كان الأخير أستاذًا لمادة الموسيقى في مدارس عدن، وتحديدًا مدرسة "بازرعة" الخيرية.
في يناير 1955، نشرت صحيفة "البعث"، لناشرها محمد سالم علي عبده، حوارًا مع با مدهف، في زاوية موكب الفنّ. وجّه له المحاوِر هذا السؤال: متى وكيف نشأ عندك حبّ الموسيقى؟
وكانت إجابة بامدهف عليه، كالآتي:
"يرجع ذلك في الأصل إلى طفولتي، حين كنتُ أهرب طوال الوقت إلى "الجرامافون"، أستمع إلى الأسطوانات، ثم أظلّ أردّدها في كلِّ وقت، وعندما كبرت تعلّمت النوتة على العود على يد الأستاذ يحيى مكي"(2).
في الحوار ذاته، أبدى إعجابًا بالفنّان إبراهيم محمد الماس، وبلحن أغنية "أسمر شيك"، للفنّان خليل محمد خليل، وكانت أهمّ أمنياته "أن تعزف على تخت شرقيّ كامل الآلات والمعدات"، وهو أمرٌ سيتحقّق تاليًا بعد عودة الموسيقار أحمد قاسم من دراسته، في مصر مطلع الستينيات، حين أدخل "آلات حديثة لم تكن مستخدمة في عدن، مثل: الجيتار والأكورديون".
جاء في مقال كتبه المهندس جمال العمدة(3):
"كان بامدهف شديدَ الحرص على انتقاء كلمات أغانيه، والتي صارت تعرف بـ"الكلثوميّات"، نظرًا لمستواها الراقي في التلحين واختيار الكلمات من القصائد الفصيحة والجزلة في مفرداتها، والبليغة في معانيها، فنالت إعجاب الشخصيات المثقفة آن ذاك.
كان دائمًا ما يعتبر نفسه فنّانًا هاويًا وليس محترفًا، لهذا عمل مهندسًا للصوت في إذاعة عدن منذ تأسيسها حتى مغادرته إلى الإمارات العربية المتحدة مطلع السبعينيات، وعمل في ذات المهنة في إذاعة أبو ظبي في سنوات تكوينها الأولى، ويقال إنّه شكّل فرقة الإذاعة الموسيقية، واستقطب إليها الكثير من العازفين والفنّيين الذين كانوا يعملون معه في إذاعة عدن.
في عمله بإذاعة عدن، قام بتسجيل الكثير من الأغاني لأصدقائه الفنّانين، ومنها أغنية الفنّان أبوبكر سالم بلفقيه، الدويتو التي غنّاها مع الفنّانة المعتزلة نبيهة عزيم، "يا زين يا زين بافديك بالعين" في العام 1959".
وبمناسبة الحديث عن أبي بكر سالم في مرحلته العدنية، فقد قام بامدهف بتلحين العديد من الأغاني له، ومنها أغنية "من علمك يا كحيل العين" التي كتب كلماتها هي الأخرى، الشاعر محمد عبده غانم، فظهرت بذلك اللحن الشجي.
وهنا قائمة بالأغاني التي لحّنها وأدّاها إلى جانب أسماء مؤلفيها، كما وضعها المهندس جمال العمدة، فقد لحَّن وغنى للشاعر محمد عبده غانم:
يا زين المحيا
يا بو العيون الكحيلة
مين علمك يا كحيل العين
على أيش
با يطير يا ناس حبيبي با يطير
أيش غيرك يا حبيب
خائف على قلبي
عرائس اللحن
أنا قلبي مع الخلان
بالله، ما شان الجفاء؟
طير الحمام
قولوا له
ولحّن وغنّى لقيس محمد عبده غانم، أغنية "الزين جزع مرة".
كما لحّن وغنّى للُطفي جعفر أمان:
بيني وبين الليل
من جمالك من دلالك
ألومك وأعاتبك
ولحّن وغنّى لأحمد شريف الرفاعي:
- لوحدي كنت أنا ساهر
- اسأل علَيَّ اسأل
ولحّن وغنّى لمحمد سعيد جرادة أغنية "ربيع الجمال"، ولحّن وغنّى لعبدالمجيد الأصنج أغنية "تغيبت يا ناظري".
تُوفِّي في دولة الإمارات العربية المتحدة في 18 فبراير 2023، عن 89 عامًا.
______________
(*) "حافة شريف" بكريتر، واتخذت من هذه التسمية نسبة إلى آل الرفاعي الذين قدموا من الحجاز إلى عدن، وخرج منها الراحل أحمد شريف الرفاعي الصحفي والشاعر المعروف، والذي غنّى له بامدهف أغنيتين مشار إليهما في المتن.
المصادر:
(1) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، الجزء التاسع، دائرة التوجيه المعنوي، 2005، ص173.
(2) https://www.aden-city.net/news/23762
(3) "سالم بامدهف فارس الأغنية اليمنية الحديثة" صحيفة الأيام، 2 يونيو 2005.