قبل ثماني سنوات، كانت آية حيدر تعيش حياة اعتيادية وهادئة رفقة أسرتها الصغيرة في بناية قريبة لقصر الشعب، شرقي مدينة تعز، غير أنّ استهداف القصر في أول أسابيع الحرب، وتحوله إلى أطلال لاحقًا، اضطُرّ آية وأسرتها إلى الفرار بحثًا عن ملاذ آمن.
استقرت آية وأسرتها التي تنحدر من منطقة وصاب في ذمار، في منطقة الحوبان شرقي مدينة تعز التي يسيطر عليها الحوثيون، وتحديدًا في منطقة مفرق ماوية، وهناك كانت الأقدار ترتب لأسرة آية، حياة جديدة مليئة بالمتغيرات والتحولات التي لم تكن في الحسبان.
كانت الآمال حينها معلقة بعودة وشيكة عقب انخماد نيران الحرب، تركت الأسرة كل شيء خلفها هناك، فيما كان الأب يجر معه "هيلوكس" متهالكة صوب محطته الجديدة مع الحياة، حينها غادرت آية حيدر مقاعد الدراسة في الصف التاسع الأساسي على أمل عودة قريبة، وطال أمدها.
هايلوكس مول
على أنقاض سيارة والدها المتهالكة ماركة (Hilux)، صنعت آية قصة غير مألوفة عمرها ثماني سنوات، وأصبحت بطلة تلك القصة، حيث أصبحت الفتاة التي لم تكمل عقدها الثاني من العمر، صاحبة علامة تجارية تدعى "هايلوكس مول"، ومن على متنها، تبيع البخور والعطورات ولعب الأطفال وبعض السلع الشعبية الرائجة.
تقول آية حيدر، في حديث خاص مع "خيوط"، في مفرق ماوية، المنطقة التي استقرت فيها الأسرة هربًا من شبح الحرب: "فقدت حلمي في مواصلة الدراسة، كنت أنزل اضطراريًّا من مقعد قطار التعليم لأستقر هنا على الرصيف بحثًا عن مصدر رزق يؤمن لأسرتي المتطلبات الضرورية، ولم أعد قادرة على مواصلة تعليمي، كان الأمر في غاية الصعوبة، وباءت محاولتي للالتحاق بالمدرسة هنا بالفشل، لم أستطع التكيف مع نمط حياة جديدة ومسؤولية جديدة، كنت أجد نفسي مكرهة على ترك حلمي مؤقتًا".
هناك في محطتهم الجديدة، كانت الأقدار تخبِّئ لهم موعدًا مع معاناة منتظرة، حيث التهمت نيران الحرب جسد عائلهم الوحيد أثناء ما كان يقوم بعملية بيع القات أسفل فندق سوفتيل في منطقة الحوبان.
تقول والدة حيدر في حديث خاص مع "خيوط": "بعد نزوحنا من شقتنا في فرزة صنعاء، كان ابني الكبير يعمل بائعًا للقات أسفل فندق سوفتيل، لكنه لقي مصرعه ومزقت جسده قذيفة، موته قصم ظهورنا، كان هو العائل الوحيد للأسرة بعد عجز والده، وكانت المصيبة أكبر من احتمالنا، لكن الله وقف معنا، وكنا نتلقى صدمات جديدة بصبر واحتساب".
ضاعفت الأقدار من معاناة الأسرة؛ حين انتزع المرض الخبيث حياة ابنها الثاني، ولم تفلح كل محاولات الأسرة لإنقاذ حياته، حسب حديث والدته لـ"خيوط".
منذ ثماني سنوات، تباشر آية عملها بشكل منتظم داخل متجرها الجديد، ويحظى نشاطها في بيع مشتقات البخور والعطورات بقبول لافت لدى الناس الذين يشيدون بجودة ما تصنعه من خلطات مميزة.
الفكرة التي كبرت
وفي معترك الواقع البائس، كانت الأقدار تلهم آية حيدر لتبني فكرة غير مألوفة، لتكون عنوانًا وفاتحة لمحطة جديدة من النجاح والثبات، في وجه حياة قاسية حملت لأسرتها الكثير من الالآم، ومن دائرة هيلوكس والدها القديم، استلهمت فكرة مشروعها الجديد.
كانت حيدر تتحدث بحماس شديد عن فكرة مشروعها، وخصوصية هذه التسمية اللافتة.
تقول حيدر: "كانت فكرة (هيلوكس مول) أقرب الأفكار الممكنة والقابلة للتنفيذ، التي خطرت ببالي لتكون المنقذة لما نحن فيه. أنا شخصية عنيدة بطبعي ورغم صغر سني، فإنني أصرّ على تحقيق ما أطمح إليه".
وحول ملخص فكرة مشروعها الجديد، تقول: "كانت الفكرة قائمة على استغلال هيلوكس والدي القديمة بشكل أفضل مما هي عليه وفي مشروع مناسب لي كوني فتاة، وتركزت فكرتي في إعادة تحوير الهيلوكس وتغيير شكلها بحيث يتم إغلاق الجزء المفتوح من خلال قفص حديدي ينتهي بباب محكم الإغلاق، ويكون هو المكان الذي سأُطلق من خلاله مشروعي".
بعد تنفيذ فكرتها على أرض الواقع، لم تستغرق حيدر وقتًا طويلًا في تحديد النشاط المناسب لمشروع هيلوكس مول، وكانت فكرة صناعة البخور ومشتقاته من الزباد والأخضرين ومزج العطورات هي الخيار الأنسب لنشاطها القادم، ووجدت ضالتها في مشروع قليل الكلفة يجلب عائدًا ماديًّا مناسبًا، ورغم كونها لم تكن على دراية مسبقة بمجال صناعة البخور، فإنها خاضت التجربة بإصرار كبير، وكان اليوتيوب هو معلمها الأول لمزاولة هذه المهنة، وكانت روح المغامرة دافعة لها للنزول إلى الشارع، لتصبح أول فتاة تبيع البخور والعطور في شارع رصيف "مفرق ماوية" وصاحبة العلامة التجارية اللافتة "هيلوكس مول".
منذ ثماني سنوات، تباشر آية عملها بشكل منتظم داخل متجرها الجديد، ويحظى نشاطها في بيع مشتقات البخور والعطورات، بقبول لافت لدى الناس الذين يشيدون بجودة ما تصنعه من خلطات مميزة.
ومن منطلق خوف الأم على ابنتها التي تعمل في الرصيف، كانت والدتها تتخذ قرارها بالنزول للعمل إلى جوارها في مولها على السيارة المتهالكة.
تختتم والدتها حديثها بالقول: "ما فيش رزق يجي بالسهل، الدنيا تعب وتشتي صبر، واحنا ثلاث نسوان وعلينا مسؤولية كبيرة، والرزق الحلال أفضل من أن نمد أيدينا للناس".