قبل بضعة أعوام أصدر "مركز دراسة الوحدة العربية" تقريرًا سنويًّا عن حال الأمة العربية، وكان المفكر العربي خير الدين حسيب- رئيس المركز، هو العنوان الرئيس لهذا الإنجاز القومي.
الحالة العربية قد وصلت إلى الحضيض؛ بحيث أصبح مجرد الحديث عن أمة عربية مثار استغراب، إن لم يكن أسوأ من ذلك. العوامل الداخلية: الاستبداد، والفساد متظافرةً ومشتبكة مع العوامل الخارجية، وتمويل النفط العربي- أشعلت الحروب في أهم مراكز الثورة القومية. في البَدء كانت العوامل الداخلية هي الأقوى، وصُوِّرت الصراعات الداخلية كأنها جزء من دفاع عن السيادة والاستقلال، بينما كانت في جوهرها استمرار لانحدار الحضارة العربية وعجزها بحسب قراءة المفكر السوداني عبدالسلام نور الدين في كتابه "العقل والحضارة".
العجز عن الاستجابة إيجابيًّا للتحدي المتمثّل في:
الخلل في البنيان الاجتماعي المدخول بالتمييز وانتقاص المواطنة سَبَّبَ العديد من الكوارث؛ وهو ما أتاح للتدخل الخارجي، وسمح بإشعال الفتن والحروب في جل الأقطار العربية. الحالة العربية اليوم ليست فقط خارج العصر كما وصفها المفكر التقدمي فوزي منصور في كتابه "خروج العرب من التاريخ"، وإنما أيضًا هم خارج العصر والحياة
كانت الانتكاسة الأولى في المركز القومي الأول (مصر). في حرب حزيران 1967، تراجع دور مصر القومي، وأصبحت العوامل الخارجية أكثر فاعلية وتأثيرًا في مستويات معينة في الوطن العربي كله، وبمقدار اشتداد الاستبداد والانحراف عن المبادئ القومية الأصيلة بمقدار تزايد صراخ الشعارات، وتبني الجملة الثورية الفارعة، واشتداد حمى الصراعات الداخلية بين مختلف أطراف الحكم، وداخل الحزب الواحد، وأحيانًا داخل الأسرة.
غياب الحرية، وغياب الديمقراطية، وغياب العدل الاجتماعي، وبالأخص غياب المواطنة المتساوية داخل الأنظمة العربية كلها- هو كعب أخيل في الأنظمة العربية والمجتمعات حتى الأكثر تطورًا ومدنية وحداثة.
الطوائف في هذه البلدان، والأقليات القومية والأعراق والمهمشون والبدون- كلهم محرومون من حقوق المواطنة المتساوية؛ ففي اليمن السعيد سابقًا لا يزال "الأخدام"، وأبناء الخمس خارج المواطنة، وعندما قامت الوحدة في الـ22 من مايو 1990، أراد الحكم الفاسد والمستبد التعامل مع الجنوب كأقلية شأن تعامله مع العديد من مناطق اليمن في الجهات الأربع، وفي بلد كمصر أكثر البلدان العربية تمدنًا وتحضرًا، لا يزال يكتب في جواز سفر المواطن ديانته؛ وهو ما يشرخ مواطنته، ويعبر عن تمييز، وليس هناك موطن عربي خالٍ من الدونية والتمييز بسبب العِرق أو الدِّين أو اللُّغة أو الجنس أو الوضع الاجتماعي.
طغيان الحكم -ثوريًّا كان أو رجعيًّا- مصدره غياب بناء المواطنة فيه على الأسس السليمة، والاحتكام إلى التوريث للحكم، أو الغلبة والقوة. ويقينًا، فإنّ الحكم العربي -ثوريًّا كان أو رجعيًّا- شرعيته الوحيدة القوة؛ فهي الموصلة إلى السلطة، والأداة الوحيدة للتأبيد.
الخلل في البنيان الاجتماعي المدخول بالتمييز وانتقاص المواطنة سَبَّبَ العديد من الكوارث؛ وهو ما أتاح للتدخل الخارجي، وسمح بإشعال الفتن والحروب في جل الأقطار العربية. الحالة العربية اليوم ليست فقط خارج العصر، كما وصفها المفكر التقدمي فوزي منصور في كتابه "خروج العرب من التاريخ"، وإنما أيضًا هم خارج العصر والحياة؛ فالقتلى في اليمن مئات الآلاف، والموتى بالأوبئة الفتاكة والمجاعات ملايين، والمشرَّدون داخل بلادهم كذلك، والحالة في العراق وسوريا ولبنان والسودان وليبيا ليست أحسن حالًا من شقيقتهم اليمن، أما الأزمة الشاملة، فقسمة عادلة بين الجميع.
طرحت الحركة الوطنية الثورية وحركات التحرر الوطني في خمسينيات وستينيات القرن الماضي أهدافًا ومبادئ سامية وثورية: الوحدة العربية، والحرية، والاشتراكية، ولكن طرائق حكمها وممارساتها كشف الطبيعة العرقية والاستعلاء بأشكال وصور مختلفة.
دُمّرت العراق بعد احتلال صدام للكويت، ودُمرت سوريا بحرب نظامها ضدًّا على الربيع العربي، وبتدخل ثماني دول، منها: أمريكا، وإسرائيل، والسعودية، وتركيا، والأردن، والإمارات، وقطر.
شكا السعوديون لأوباما مخاوفهم من التهديد الإيراني للمنطقة؛ فكان رده عليهم أنّ "التهديد آتٍ من داخلكم". لم يكن الحكام السعوديون كاذبين، ولم يكن الرئيس الديمقراطي كاذبًا كذلك؛ فالمواطنة الشيعية المنتقصة هي التهديد الحقيقي الذي أتاح لإيران التدخل هنا وهناك؛ وهو ما يؤكّد صدق رؤية أوباما، كما أنّ الحكام السعوديين صادقون أيضًا؛ لأن إيران كدولة تؤمن بتصدير الثورة وبولاية الفقيه، ولها مطامع هنا وهناك، وتمثل تهديدًا، ولكن الخلل يكمن في عدم تحصين الدولة بالمواطنة المتساوية، والعدل الاجتماعي، والحرية وإشاعة الديمقراطية، واحترام حقوق المواطنة والإنسان.