الصراع العربي الاسرائيلي بدأ عقب إعلان وعد بلفور 1917، ولكنه لم يتبلور إلا عقب "النكبة" في 1948؛ بعد احتلال إسرائيل لما يقرب من نصف الأراضي الفلسطينية، وهزيمة الجيوش العربية المشاركة في الحرب.
ثورة الـ1952، في مصر كانت في جانب مهم رداً قومياً على "النكبة"، وبداية مواجهة مع الاستعمار البريطاني- السند الأول والأساس لاحتلال فلسطين، وبداية مواجهة مع الملوك والحكام العرب التابعين.
اتخذ الصراع العربي- الإسرائيلي أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية مع انتصار الحركات القومية في سوريا والعراق، وانتصار الجزائر، واستقلال بعض البلدان العربية، وبروز الكفاح الفلسطيني عبر العديد من المنظمات الفلسطينية كـ"فتح"، و"الشعبية"، و"الديمقراطية"، وأخريات، وكانت ملحمة الكفاح القومي في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين الماضي، متزامنة مع حركات التحرر الوطني العالمية والمعسكر الاشتراكي.
في العام 1978، انتصرت الثورة الشعبية الإيرانية عبر الاحتجاجات السلمية: المظاهرات، والإضرابات، وبمقدار ما كانت الثورة الايرانية انتصاراً لشعوب الأمة العربية والعالم، بمقدار ما كانت ضربة للاستعمار والحكام العرب التابعين.
صحيح أن الآيات رفعوا شعارات تصدير الثورة، وأعطوا الصراع البعد الطائفي، ولكن انتصار الآيات كان لعوامل عديدة منها: عداء الحكم الرجعي العربي الذي أسهم في تقوية النزعات القومية الامبراطورية للآيات ذوي النزعات الطوائفية والقومية الامبراطورية.
زار صنعاء المفكر والصحفي الكبير أحمد بهاء الدين في الأيام الأولى لانفجار الحرب ضد إيران عام 1980، وكان بهاء قد استدعي إلى بغداد ضمن كثير من الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء وتلفزيونات وكتاب، لتغطية اجتياح الجيش العراقي لإيران المدمر جيشها، والغارقة في الصراع والفوضى.
تحدث البهاء الخبير والمفكر عن إغواء المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية والأوروبية لصدام بإمكانية إسقاط الحكم في إيران بضربة لازب، وترافد الإغواء الأمريكي والأوروبي بإغراءات خليجية وسعودية وصلت حد البذخ لتمويل الحرب. الحرب ضد الثورة الشعبية السلمية أعادت التماسك للجيش الإيراني المنكسر، وأعادت الإحياء للنزوع الإمبراطوري والاتجاهات الطائفية الشيعية؛ مما ساعد الآيات على تصفية الاتجاهات الثورية التحررية المؤيدة لولاية الأمة بدلاً من ولاية الفقيه، وضرب القوى الديمقراطية كحزب توده، ومجاهدي خلق، وفدائيي الشعب، وجماعة بازرجان (جماعة الجبهة الوطنية)- امتداد محمد مصدق، بل وإقصاء الآيات الثورية التي قادت الثورة كمحمود طلقاني، ونائب الإمام حسين علي منتظري، وشريعة مداري. وهذه الجماعة الدينية القوية كانت في رأس دعاة الثورة، ودعاة ولاية الشعب بديلاً لولاية الفقيه كورثة للنائيني صاحب كتاب (تنبيه الأمة وتنزيه الملة).
الحرب ضد الثورة الإيرانية قوّت الاتجاهات الفاشية والطائفية والشوفينية القومية في إيران والعراق، وكان المنتصر فيها المستعمر والرجعيات العربية، وبرز حينها الصراع العربي- الفارسي بديلاً للصراع العربي الإسرائيلي، علماً بأن الصراع مع الآيات في بعده الطائفي الشيعي- السني، موجود في العراق والسعودية وبعض دول الخليج، ويمكن أن يعالج بخلق المواطنة الصحيحة بين الطوائف والأقليات الأخرى، وهي مواطنة منتقصة ومخلولة ولا يمكن معالجتها بالحرب أو الإقصاء والتمييز.
في خمسينات وستينات القرن العشرين الماضي، كان العدو الحقيقي للأنظمة الرجعية عبد الناصر، والثورات العربية، وحركات التحرر الوطني في العالم، وكان العداء لناصر وللثورة والقومية العربية هو الأساس، وليس إسرائيل، كما هو الواقع، وبما يظهر من طبيعة الصراع، وكتوثيق هيكل.
العربية السعودية التي مولت الحرب، وأسهمت في تدمير الكيانات العربية القوية في العراق وسوريا وليبا والسودان واليمن، موعودة بدفع فاتورة هذه الحروب ضد شعوب الأمة العربية؛ فالانتفاضة عدوة كل هذه الأطراف التي تهرب إلى الحروب
فشل الحرب العراقية الإيرانية ذات البعد القومي الشوفيني: الفارسي- العربي وذات الدلالات الطائفية: سني- شيعي، كانت الأساس لاجتياح صدام المصدوم للكويت، وللتحالف الثلاثيني لحصار وتدمير العراق.
ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين، جرى الالتفاف عليها، وإعلان الحرب ضدها بتحالف الإسلام السياسي السني مع العسكر، وجرى الغدر بهذه الثورات الشعبية السلمية، وقد أسهم الإسلام السياسي في هذه الحرب في مصر وسوريا واليمن وليبيا، ولم تكن أمريكا وإسرائيل وتركيا وإيران وبعض دول الخليج، بعيدة عن هذه الحرب الممولة.
ثورات الربيع أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، أن العدو الحقيقي والرئيس للحكم العربي، هي الشعوب العربية والأمة العربية. لقد أرعب هذه الأنظمة الهشة والكرتونية أن شعلة في تونس سرعان ما تشعل الشارع المصري والبحريني واليمني، وتطال أعتى الأنظمة الشمولية في مصر وسوريا بأسرع من البرق.
بعد الـ11 من نوفمبر 2011، يحدد العدو الحقيقي للنظام العربي برمته: ملكياً كان أو جمهورياً، ثورجياً كان أو رجعياً؛ فالشعب العربي هو العدو، ومصدر الخطر الحالي والقادم.
إيران الشيعية عدوة للأنظمة الطائفية السنية، ولكن الخلاف مع إيران يمكن أن يحل أو يسوى، ولكن عداوة هذه الأنظمة المستبدة والغارقة في الفساد مع شعوبها يستحيل أن يحل إلا برحيل هذه الأنظمة.
تتحالف السعودية والإمارات والبحرين مع إسرائيل في مواجهة مع إيران، ولكن التحالف مع إسرائيل ليس للحماية من إيران الشيعية فحسب، وإنما لمواجهة شعوبهم وأمتهم.
تشكل إيران بطبيعة نظامها الطائفي الدعوي والإصرار على نهج تصدير مذهب ولاية الفقيه- خطراً على العراق والسعودية والبحرين والبلدان ذات الوجود الشيعي، والاحتماء من هؤلاء المواطنين لن يكون بالاحتماء بأمريكا أو إسرائيل، وإنما بخلق مواطنة عادلة، والخلاص من المذهبية والطائفية، وإجراء إصلاحات جذرية وديمقراطية، والتخلي عن التمييز بمختلف صوره وأشكاله؛ هذا ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما عند زيارته للسعودية 2014، حيث صارحهم أن الخطر الذي يتهددهم داخلي وليس خارجي، ونصحهم بإجراء إصلاحات؛ مما أدى إلى فتور في العلاقة مع الحزب الديمقراطي ومع أوباما، وأفضى فيما بعد إلى الارتماء في أحضان ترامب ونتنياهو.
منذ البداية كانت السعودية ضد الصراع العربي– الإسرائيلي؛ فعداوتها مع القومية العربية والثورات العربية وحركات التحرر الوطني هو الأساس، والحرب في اليمن أحد أهم الشواهد.
في كفاح الجنوبيين ضد المستعمر البريطاني انحازت السعودية ضد الثوار الجنوبيين، وكانت تسميهم الذئاب الحمر؛ فالترابط بين الإدارة الأمريكية والصهيونية والرجعيات العربية قوي وقديم قدم المصالح المشتركة.
المفكر القومي قسطنطين زريق في كتابه "معني النكبة)"، يناقش قضية المواجهة بين الحق والمبدأ في مواجهة القوة والمصلحة. وحقاً، فما يجمع الإدارة الأمريكية بالصهيونية وإسرائيل والأنظمة التابعة هي المصلحة والقوة، ولكنها مصلحة وقوة ضد الشعوب.
هزيمة 67، وزيارة السادات للقدس، واتفاقات كامب ديفيد وأوسلو، وحربا الخليج الأولى والثانية، والحروب ضد الربيع العربي تصب كلها في خانة فرض صفقة القرن،
والمأزق أن إسرائيل وإيران والسعودية وهم في حالة احتراب، يواجهون ويهربون من عدو مشترك هو شعوبهم التواقة للحرية والسلام والعدل.
الانتفاضة الشعبية المتكررة والواعدة تتهدد الجميع؛ فالنظام الإيراني شرعيته قامت على أساس الانتفاضة الشعبية، فهي شرعية الحكم الأساس، وإسرائيل محاصرة بانتفاضتين ومهددة بالثالثة، والمظاهرات الإسرائيلية كل أسبوع تندد بالفساد والاستبداد.
العربية السعودية التي مولت الحرب، وأسهمت في تدمير الكيانات العربية القوية في العراق وسوريا وليبا والسودان واليمن، موعودة بدفع فاتورة هذه الحروب ضد شعوب الأمة العربية؛ فالانتفاضة عدوة كل هذه الأطراف التي تهرب إلى الحروب، وتأجيج الصراعات التي تغيّب القضايا الأساسية، وتحوّل الصراع الوجودي إلى حروب طائفية وقومية شوفينية.