موقف واحد في الصِّغر، كفيل بأن يترك بصمة لا تنمحي ويكتب مصيرك المهني، وهو ما حصل لأنيس ديان، الذي يعمل ممرضًا في أحد مستشفيات عدن اليمنية، وبات شاهدًا على فداحة الخسائر الناتجة عن العنف المسلح والحرب الأهلية التي يدفع ثمنها اليمنيون منذ سنوات، فيما يلعب الممرضون الدور المحوري الذي كثيرًا ما يغيب عن الإعلام، لكنه الحاضر في كل حال وكل حالةٍ مرضية تستقبلها المستشفيات.
يعمل أنيس عبدربه ديان، في مركز علاج الإصابات التابع لمنظمة أطباء بلا حدود، منذ 11 عامًا، وهي التجربة التي أتاحت له الفرصة بالتفكير مليًّا في تأثير الحرب، والتمريض.
إرث صبيّ صغير
كانت المساعدة الطبية الطارئة التي تلقاها أنيس في صغره مصدر إلهام له، إذ يقول: "وقعتُ على الأرض، وبدأ جرحي ينزف. كنتُ أشعر بألم شديد عندما استقبلني ممرّض في قسم الطوارئ. عاملني بلطف شديد، وطمأنني، وضمدني وأعطاني الدواء. أحببت التمريض منذ ذلك اليوم".
في المركز الطبي الذي يعمل أنيس، كما هو حال المستشفيات والمراكز الطبية في اليمن، ضاعفت الحرب والصراع، وتبعاتها التي فاقمت الأزمات الاقتصادية والإنسانية والصحية، المهامَ أمام العاملين في التمريض، والذين يستقبلون المزيد من الحالات، وتقع عليهم مسؤولية التعامل معها لتخفيف الآلام وحتى إنقاذ الحياة أحيانًا.
يقول ديان لـ"خيوط": "لن أنسى أبدًا، ما دمت على قيد الحياة؛ ولد صغير يبلغ من العمر خمس سنوات تقريبًا، جاء من قرية بعيدة مصابًا بعيار ناريّ في البطن. استغرق وصوله وقتًا طويلًا، وكان قد فقدَ الكثير من الدماء، مما أدى إلى إصابته بخلل وظيفي دماغي بسبب نقص الأكسجين في الدماغ".
يتابع: "لم يستطع المشي ولا الكلام. ولأننا جزء من فريق التمريض في قسم العناية المركّزة، قمنا بتطوير خطة علاج له، فإلى جانب الوسائل العلاجية، أي الدواء، فكّرنا في الدعم النفسي، واشترينا له ألعابًا، بالإضافة إلى تخصيص وقت للجلوس معه، وأحيانًا مع الأسرة والطفل، في محاولة لإخراجه من قوقعته".
التعامل مع مثل هذه الحالات لا تعد تحدّيًا سهلًا، لكن بالنسبة لأنيس وزملائه وتعاملهم مع هذه الحالة، فقد "حدثت المعجزة. كان شعورًا جميلًا، وبكى معظمنا؛ نهض من سريره، وبدأ يمشي أمامنا، وشكرنا بعينيه وشفتيه ويديه".
الانتقال إلى العناية المركّزة
بدأ ديان مسيرته المهنية في قسم المرضى الداخليين، حيث تلقى تدريبات وتمارين مختلفة في التضميد وإعطاء الحقن واكتشاف كيفية العمل وفقًا للبروتوكولات، ثم انتقل إلى قسم العناية المركّزة، وهو قسم حساس للغاية.
ووفقًا لأطباء بلا حدود، فإنّ وحدة العناية المركّزة في عدن، المصنفة من المستوى الثالث، أعلى مستوى من الرعاية الحرجة المتقدّمة، في المستشفى الذي افتتح في العام 2012، ويعالج الفريق الإصابات البالغة في الصدر والبطن ومنطقة الحوض والقدمين واليدين والأوعية الدموية. وعانى العديد من المرضى من تأخيرات خطيرة في الوصول إلى المستشفى، مما عقّد حالتهم الصحية.
وبالنسبة إلى أنيس، كان الانتقال إلى وحدة العناية المركّزة خطوة مهمة ومثيرة، لا سيما أنّه لا توجد العديد من الفرص المتاحة للممرضين للتقدّم في حياتهم المهنية في اليمن.
مزيد من تقدير للممرضين في المستقبل
ويعاني القطاع الصحي في اليمن، من نقص الإمكانيات والتجهيزات المادية وحتى البشرية، إذ إنه وبحسب تصريحات حكومية حتى منتصف العام 2021، بلغ عدد الممرضين أكثر من 18 ألف ممرض، في حين أنّ الحاجة قد تصل إلى نحو خمسة أضعاف، بالنظر إلى الارتفاع في عدد السكان والحاجة المتزايدة التي تفرض الوضع الصحي المتدهور.
ووفقًا لأنيس، فإنّ الممرضين لا يُقدَّرون بشكلٍ كافٍ بل ويُستهان بهم، ولكن حان الوقت لتغيير ذلك. "تظهر التحديات في كلّ عمل رائع تقوم به. ويواجه الممرضون عدّة عقبات. أولًا وقبل كلّ شيء، لا يمتلك المجتمع مفهومًا واضحًا لمهنة التمريض، إذ يعتقد بأنّ عمل الممرّض يقتصر على التضميد وإعطاء الحقن فقط. لكنّه أكثر من ذلك بكثير".