كلمات: عباس المطاع
ألحان: علي بن علي الآنسي
غناء: علي بن علي الآنسي
شدو - خيوط
منذ عقود طويلة، تصل إلى الستين ربما، وأغنية (آنستنا يا عيد) التي كتب كلماتها الشاعر الراحل عباس المطاع، ولحّنها وغنّاها في العام 1964، الفنان الراحل علي بن علي الآنسي، واحدةٌ من الأغاني الأثيرة التي تصاحب أعياد اليمنيين، لما تحمله من خصاص فنية شديدة الوصول إلى أفئدة المستمعين قبل أسماعهم.
وقصة الأغنية كما تُروى، أنّه في آخر ليلة من رمضان، الموافق للسنة الميلادية 1964، اجتمع الشاعر عباس المُطاع والفنّان علي الآنسي، ولم يكن في علمهم أنّ غدًا هو أول أيام عيد الفطر، فجاءهم حسين الجبري وأخبرهم أن غدًا يوم العيد، فماذا لديهم لاستقباله؟ وجّه الآنسي السؤال للشاعر المطاع، فما كان منه إلا أن انتزع الورقة البيضاء التي في علبة التبغ وكتب عليها الأبيات الأولى، قبل أن يستكملها لاحقًا، ومن أبيات القصيدة الملحنة هذه المقاطع:
اضحَكْ علَى الأيام وابرِد من الأوهام
وامرح مع الأنغام وافرح بهذا العيد
(**)
سلِّم على احبابك واهلك وأصحابك
وقل لمن عابك مبروك عليك العيد
(**)
الجاهل اضحك له وان كان عديم دلّه
ومَن حنِق قُلْ له مش وقت يا اخي عيد
(**)
مش وقت قالت قال ودحس عال العال
وما يهمّ البال خليه لبعد العيد
(**)
أما من اتحرّر من غاغة المجبر
لقى قبول اكثر وعاش زمانه عيد
(**)
الضحكة الحلوةْ توحِّد الاخوةْ
وتدِّي النشوةْ وطعم جديد للعيد
(**)
واحذر من التجريح حتى ولو تلميح
وللخطأ تصحيح لا سيما في العيد
(**)
عوذب من الشيطان ولاطف الإخوان
والحائر الغلطان ورّيه طريق العيد
(**)
خليك بين الناس شاطر لبيب حساس
لا بأس عليك لا بأس ارتاح واهنا العيد
(**)
واعطف على السائل وأدّ ي له الحاصل
فدمعه السائل يمحق عليك العيد
(**)
وان كنت فاعل خير فالأهل قبل الغير
وان قلت ما ناش حير فليش قالوا عيد
(**)
رفّه على نفسك وانسَ عَنَا امسك
بَسّك لبيج بَسّك وامذغ جمال العيد(1)
* * *
عن الشاعر
هو الشاعر عباس محمد المطاع، وُلد في مدينة مناخة، محافظة صنعاء عام ١٩٢٨، تلقَّى جزءًا من دراسته الابتدائية والمتوسطة بصنعاء. التحق بالمدرسة العلمية، وواصل دراسته حتى الشعبة الرابعة، حيث أجبرته ظروفه الخاصة على عدم مواصلة تعليمه، بعد أنّ زُجّ بوالده في سجن نافع، حجة، عام ١٩٤٣، لمعارضته حكم الإمام يحيى، ولم يفرج عنه إلا بعد خمسة عشر عامًا. ظهرت مواهبه الشعرية وقدراته في تطويع الكلمة وصياغة قوافيها وأوزانها في وقت مبكر من عمره، فقد بدأ كتاباته الشعرية وهو في سنّ الرابعة عشرة، وبعد أن أفرج عن والده حصل على منحة دراسية إلى مصر.
بدأ نضاله الوطني بسلاحه الذي لم يكن يقل عن سلاح الجندي المقاتل، وقد تمثّل هذا السلاح بما امتلكه من مقدرة على صياغة الكلمة الشعرية القوية، فكانت أناشيده الحماسية في مقدمة الأعمال الإبداعية المؤازرة للبندقية المدافعة عن الثورة والجمهورية. كما كانت لسانَ حال هموم الناس الوطنية الوحدوية والاجتماعية والوجدانية، مثل: (نحن الشباب)، (الوحدة)، (آنستنا يا عيد)، التي أضاف إليها مؤدّيها الفنان المرحوم علي بن علي الآنسي سحرًا خاصًّا، جعلها الأغنية الأولى في كل عيد. وكل قصائده لاقت ذيوعًا وانتشارًا، سواء كانت قصائد عاطفية أو أناشيد وطنية. وإصداراته الأدبية لم تخرج إلى حيز النور إلا بعد وفاته، وأهم ما صدر له من دواوين: (صوت الوطن)، و(أشواك وأشواق).
تُوفِّي في يوم 3 يونيو 1993(2).
عن الفنان
وُلد الفنّان علي بن علي الآنسي عام 1933، في حي الباشا بصنعاء القديمة، وبعد ثورة 1948 الدستورية، انتقل مع جميع أسرته إلى مدينة تعز، حيث كانت عاصمة اليمن خلال فترة حكم الإمام أحمد حميد الدين.
بدأت الاهتمامات الفنية للآنسي بالظهور في مدينة تعز، منذ أن كان طالبًا في المدرسة الأحمدية في خمسينيات القرن الماضي، وقد أصبح طلاب هذه المدرسة من أوائل رجال الدولة قبل الثورة وبعدها.
امتلك الآنسي حينها أول عود أهداه إياه أحد المعجبين بفنّه، وهو المرحوم محمد السراجي، وعندما علم والده بامتلاكه عودًا في المنزل، قام بإحراقه في التنور بسطح المنزل. غير أنّ عزيمة الشاب وشغفه الكبير بالفنّ، لم تثنِه عن مواصلة حلمه، فقد بدأ حياته الفنية هاويًا للفنّ، ثم محترفًا حتى وصل إلى مستوى كبار الفنّانين في اليمن والوطن العربي.
أول زيارة له، لمدينة عدن، كانت عام 1961، حيث تعرّف على كبار الفنّانين المشهورين في ذلك الوقت، أمثال: محمد مرشد ناجي، وفضل محمد اللحجي، وأبو بكر بالفقيه، وحسن فقيه، ومحمد صالح همشري، وأحمد يوسف الزبيدي، وغيرهم من فنّاني عدن ولحج.
وخلال هذه الزيارة أدَّى الآنسي أغنية عدنية للفنان محمد صالح همشري "اشهدوا لي على الأخضر، شل عقلي مني وأنكر"، التي كان دائمًا يتغنّى بها، وقد تم تسجيلها لاحقًا في إذاعة صنعاء بصوت الفنان علي السِّمَة "اشهدوا لي على الأسمر".
عند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، انطلق صوت الآنسي يشدو بأنشودة "باسم هذا التراب والفيافي الرحاب"، كلمات: الشاعر الكبير صالح نصيب، لحن: الفنّان المبدع حسن عطا، ثم سُجّلت في إذاعة صنعاء. ولقيَت صدى كبيرًا لدى الجمهور اليمني شمالًا وجنوبًا، وكانت أكبر حافزٍ لانخراط الشباب بالمقاومة الشعبية من كل مناطق اليمن، فقد ظلّت نشيد الصباح في مدارس الجمهورية، حتى تم تأليف وتلحين النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية آنذاك.
سافر إلى صنعاء، وهناك انطلق يشارك الجنود والضبّاط في مواقعهم ويتغنّى بالثورة ليبثّ روحها فيهم، حتى أُصيب بحادثة صدام مريع، وأُسعف إلى القاهرة للعلاج عام 1963، وهناك كان له لقاء مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في مستشفى غمرة بالقاهرة، حيث كان الموسيقار محمد عبدالوهاب مع مجموعة من الفنانين المصريين يزورون المرضى القادمين من اليمن، سواءً كانوا مصريين أو يمنيين، وبحسب طلب الموسيقار عبدالوهاب، غنّى الآنسي أنشودة "باسم هذا التراب"، وأعجب عبدالوهاب بصوت وعزف الآنسي وشجّعه كثيرًا، وفي اليوم الثاني خرجت الصحف المصرية، ومنها (مجلة المصور) تشيد بهذا اللقاء البديع "عبدالوهاب مِصر يلتقي عبدالوهاب اليمن".
في مشواره الطويل غنّى لعشرات الشعراء اليمنيين المعاصرين، منهم: مطهر بن علي الإرياني، وعباس المطاع، وعلي بن علي صبرة، وأحمد العماري، ومن أشهر أغانيه: "وَقَف وودّع"، "خطر غصن القنا"، "مسكين يا ناس"، "الحب والبن"، "ممشوق القوام"، "أهلًا وسهلًا بالروح داخل الروح"، "وا مغرد بوادي الدور"، "قد علّموه"، "قمري صنعاء جنّني"، وغيرها.
وغنّى من كلماته العديدَ من الأغاني، منها: "يا عيباه"، "ليلك الليل يا ليل"، "قلتوا عتنسوني"، "سجدت سبحت لله"، "فلت يد المخلوق"، "ما في معلّم خير".
ظلّت أُنشودته "في ظلّ راية ثورتي"، التي كتب كلماتها الشاعر أحمد العماري، نشيدًا وطنيًّا للجمهورية العربية اليمنية، حتى صباح 22 مايو 1990.
تُوفِّي في صنعاء، في 19 أبريل 1981، بعد رحلة طويلة كان فيها الجنديَّ الشجاع المدافع عن الثورة ومكتسباتها، والفنانَ والشاعر الذي ترجم وعبَّر خير تعبير عن كلّ ما يخالج الوجدان الإنساني من عاطفة وشعور.
___________________________________
المصادر:
- موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، الجزء الخامس، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، 2005، ص208 وما بعدها.
- المصدر نفسه، ص 149-150.