في العاشر من مايو/ أيار 2017، نزح الطفل طواف يحيى الصلاحي (11 سنة) مع أسرته المكونة من ثلاث بنات وطفلين آخرين أصغر منه؛ من مديرية حرض بمحافظة حجة إلى محافظة صعدة، هربًا من الصراع المحتدم هناك.
وكان عمر طواف أثناء رحلة النزوح، سبع سنوات، أي في العمر الذي يؤهله للالتحاق بالمدرسة. وفي محافظة صعدة، ألقت أسرة الطفل برحالها في منطقة محضة مديرية الصفراء، حيث نصبت خيام تشردها على قارعة الطريق مع أربع أسر أخرى.
ورغم الوضع المأساوي الذي تعيشه، وحالة الضياع، فكّرت الأسرة بطريقة لتعليم طوّاف، لكنهم وبعد أن وجدوا كل طرق الحيلة مغلقة عليهم، تراجع ربّ العائلة الذي يبلغ من العمر 55 سنة، وقرر توزيع المهام الجديدة على أفراده.
أقليته مرة في سيارتي، وسألته: "هل تدرس؟"، ردّ: "لا، لا أعرف أقرأ أو أكتب حرفًا واحدًا"، قلت له: "وماذا تعرف؟"، قال: "أعُد إلى الرقم ستة"، استغربت، فقلت: "ولماذا فقط هذا الرقم؟" قال: "عدد أقراص الخبز التي أجلبها كل يوم من الفرن".
أعطى للشقيقة الكبرى للطواف، والتي تبلغ 14 سنة من عمرها، مهمة جلب الماء من بئر في المنطقة، يبعد عن خيمة الأسرة حوالي 900 متر إلى الغرب من السكن، والشقيقة الأخرى جلب الحطب وقطع الكراتين التي تستخدم كوقود من أقرب مكب نفايات يبعد عن الخيمة عشرة أمتار من الجنوب.
أعطيت لطواف مهمة جلب ستة أقراص من الرغيف (التميس) من مخبز المنطقة، والواقع على مفرق (محضة)، ويقوم الطفل كل يوم بقطع مسافة لا بأس بها مشيًا على الأقدام، ثلاث مرات باليوم، صباحًا، وظهرًا ومساءً.
أقليته مرة في سيارتي، وسألته: "هل تدرس؟"، ردّ: "لا، لا أعرف أقرأ أو أكتب حرفًا واحدًا"، قلت له: "وماذا تعرف؟"، قال: "أعُد إلى الرقم ستة"، استغربت، فقلت: "ولماذا فقط هذا الرقم؟" قال: "عدد أقراص الخبز التي أجلبها كل يوم من الفرن".
يقول طوّاف بأسى: "لا أفكر في التعليم مطلقًا، وكذلك أخواتي، لأنه لا وقت لدي".
عند عودتي إلى منزلي، أشاهد والد طوّاب كل يوم، قبيل المغرب. في إحدى الأماسي اقتربت منه لأطلب إليه تعليم طفله، كان يفتش في مكب النفايات بحثًا عن أسياخ النحاس والألمنيوم في أسلاك كهرباء ملقاة في المكان. قال لي: "سأذهب لبعيها في السوق، لأحضر الطعام لأسرتي".
نظر إلى وجهي، بعد أن رأى أنني قادم إليه بما يشبه التجهز لما سأقوله، حينها قلت: "لماذا لا تلحق طوّاف بالمدرسة؟" شزرني بطرف جانبي، وقال بامتعاض: "لم نجد ما نأكل، لنوفر مصاريف مدرسة. انصرف ليرحم الله والديك".