ثماني سنوات على الحرب في اليمن، تحوّلت فيها البلاد إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ حربٌ كان فيها الأطفال الورقة الأضعف، والأكثر تضرّرًا.
نحو 10 آلاف طفل يمنيّ تأثّروا بتشوّهات مختلفة نتيجة القذائف العشوائية والألغام ومخلّفات الحرب بمعدل أربعة أطفال يوميًّا -بحسب الأمم المتحدة- في بلدٍ بلغَ فيه النزاع مبلغًا مخزيًا.
تشير اليونيسف إلى أنّ الرقم المشار إليه للأطفال المتضرّرين يشمل فقط الأطفال الضحايا الذين تمكّنت المنظمة من رصدهم ومعرفة مصيرهم، مؤكّدة أنّ هناك عددًا لا يحصى من الأطفال المتضررين لم تصل لهم.
أحلام عاجزة عن الحركة
محمد باسم (14 سنة)، أحد الأطفال الضحايا ممّن اقتطعت الحرب من جسده القدمَ اليمنى، ليصبح عاجزًا عن الحركة منذ خمس سنوات، جراء سقوط قذيفة أطلقتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) على حي المدينة القديم في تعز الواقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، في 11 أغسطس/ آب 2017، وأدّت إلى بتر قدمه اليمنى من الركبة، حسب قرار الطبيب المختص الدكتور، أحمد السقاف.
بألمٍ وحرقة بالغة يحكي محمد باسم، معاناته مع الإعاقة لـ"خيوط"، قائلًا: "فقدتُ طفولتي منذ فقدتُ قدرتي على المشي واللعب والرياضة وركوب الدراجة ومشاركة أقراني أنشطتهم ومغامراتهم اليومية"، يتابع محمد، القول: "لم أعد أركض خلف زملائي في المدرسة، ولا أستطيع حمل أشيائي، أكبر أحلامي أن أحصل على قدم اصطناعية، لأمارس حياتي وأصبح طيارًا".
ريماس عبدالحكيم (9 سنوات)، ضحية أخرى من ضحايا الحرب، إذ اخترقت رصاصةٌ عمودَها الفقري سنة 2017، ما تسبّب لها بإعاقةٍ منعتها من الحركة، وحدَهُ الكرسي المتحرك من يشاركها هذا العجز الذي وجدت نفسها تحت قبضته.
تتحدث ريماس لـ"خيوط"، عن واقع ما تعيشه وعمّا باتت تطمح إليه، قائلة: "أنا عاجزة، أحلم فقط أن أقف وأعود لحياتي السابقة؛ ألعب، أدرس، أتخرج، وأصبح طبيبة أساعد المرضى وكل من يحتاج مساعدة".
في مركز الأطراف الصناعية في تعز، مئات الضحايا من الأطفال الذين تسبّبت الحرب بإعاقتهم، حيث يزيد عدد الأطفال المترددين على المركز من مبتوري الأطراف، على 100 طفل منذ بداية الحرب، معظمهم حصل على خدمات الأطراف الصناعية والتأهيل الحركي والنفسي.
هذا وكان 36 طفلًا يمنيًّا فقدوا أطرافهم نتيجة ألغام فردية خلال الخمسة الأشهر الماضية -وفقًا لِلَّجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان- في أحدث إحصائية لها.
إحصائيات صادمة
تؤكّد عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، لـ"خيوط"، أنّ هناك (1909) قتلى، و(1167) جريحًا، فيما بلغت حالات التجنيد المرصودة لدى اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان (718) حالة تجنيد، و(108) مدارس مدمرة، و(410) ضحايا ألغام، يحتل الأطفال نسبة كبيرة من هذه الأرقام، حيث تعرّضوا لكافة الانتهاكات، إذ تم حرمانهم من حقوقهم الأساسية في الحياة، والتعليم، والغذاء، والصحة والعيش بأمان.
وأفادت أنّ من أخطر الانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال: التجنيد المباشر، وغير المباشر، والتجسس، ونقل الأسلحة والمعونات، واستخدامهم في النقاط الأمنية، إلى جانب الاعتقالات والحبس.
وتضيف المقطري أنّ اللجنة الوطنية للانتهاكات، تقوم بتحريك القضاء والتقاضي وجبر الضرر والتعويض عن الآثار الجسدية والنفسية، وما يترتب عليهما مستقبلًا.
وتؤكِّد أنّ هناك خصوصية لهذه الملفات، حيث يتم حفظ نسخة منها في قاعدة بيانات اللجنة، محاطة بحماية أمنية ورقمية مشددة، كما تتوفر نسخة أخرى منها في (سيرفر) خارج اليمن حتى لا تصل لها الأيادي العابثة، التي تعمل على تزوير وتحريف البيانات هروبًا من المسؤولية الأخلاقية والقانونية أمام المجتمع وأمام الجهات المعنية بحماية الطفل، سواء كانت محلية أو دولية.
وعن أهمية هذه الملفات التي توثّق حالات الانتهاكات بحق الأطفال، نوّهت المقطري أنّها تساعد في التقاضي أمام المحاكم المتخصصة، وهنا فرصة للقضاء بالتحرك في هذه القضايا.
مركز الأطراف، تزايدٌ مضطرد
في مركز الأطراف الصناعية في تعز، مئات الضحايا من الأطفال الذين تسبّبت الحرب بإعاقتهم، حيث أفاد مدير مركز الأطراف في مدينة تعز الدكتور منصور الوازعي، في حديث لـ"خيوط": أنّ الأطفال المترددين على المركز من مبتوري الأطراف يزيد على 100 طفل منذ بداية الحرب، معظمهم حصل على خدمات الأطراف الصناعية والتأهيل الحركي والنفسي".
يضيف: "نحن بصدد متابعتهم باستمرار، لأنّ عضلاتهم وعظامهم ما تزال تنمو، لذلك هم بحاجة إلى تغيير الأطراف الصناعية ما بين فترة وأخرى، بل إنّ البعض منهم يحتاج إلى تغيير أطرافه كل ستة أشهر إلى سنة".
وبالرغم أنّ مركز الأطراف الصناعية ليس المعنيّ بجانب الانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال، ويقتصر دوره على المجال الطبي والإنساني والتدخل العلاجي، كما يوضح مدير المركز، فإنّه يقدر إصابات الأطفال بواسطة ألغام أرضية تبلغ ما بين 50-60%، والبقية بسبب قذائف ومخلّفات الحرب الأخرى.
وحول الخدمات التي يقدمها مركز الأطراف الصناعية، يشير الوازعي إلى أنّ المركز يقدّم خدمات العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي والنفسي والأطراف الصناعية والعكاكيز الطبية. مؤكِّدًا أنّ المركز يحتاج للعديد من التجهيزات والإمكانيات في سبيل رعاية ومتابعة هؤلاء الأطفال؛ حتى لا يتفاقم وضعهم الصحي، إلى جانب المتابعة المستمرة".