"العمائم الليلكية"

رواية معاصرة توسلت بتاريخ يشبه يومنا
خيوط
March 9, 2024

"العمائم الليلكية"

رواية معاصرة توسلت بتاريخ يشبه يومنا
خيوط
March 9, 2024
.

بعد روايتيه (الظل والعاشقة) و(العُذيرة)، أصدر الدكتور أحمد السري، مطلع يناير 2024، روايته الثالثة (العمائم الليلكية)، عن دار عناوين بوكس اليمنية في القاهرة، وهي تختلف عن الروايتين السابقتين؛ إذ تجري في مجال جغرافي بعيد، ويمكن الاقتراب منه والتعرف عليه، رغم أن أسماء جهاته ومدنه متخيلة، وأحداثها تجري في زمن تاريخي، وتعالج من خلال شخصية تاريخية طبيعة السلطة السياسية والآثار المدمرة للتنافس عليها.

ورغم استخدام اسم تاريخي معلوم في الرواية (ابن حفصون)، فإن الرواية لا تكتب تاريخًا عنه، بل تستعمله رمزًا لعرض علاقة مريبة بين ملك البلاد المتخيلة وجماعات اللصوص الذين يعملون سرًّا تحت إمرة الملك، ويرون أن لا فرق بينهم وبينه، ثم يضيقون بحياة اللصوصية في الكهوف والقلاع البعيدة عن التمدن والحضارة، فيتطلعون إلى الحكم والسلطة، ويهاجمون واحدة من أهم مدن المملكة ويحولونها إلى إمارة لهم (الإمارة الحفصونية)، لتبدأ حروب ودماء وانقسامات وإعلان كيانات سياسية وإمارات، فتتمزق البلاد ويكثر دخان الحرائق والتمزق والضياع. 

تستعمل الرواية شخصيات رمزية كثيرة يمكن تتبع أشباهها في زمننا المعاصر، وإن على تفاوت من مكان لآخر، لتعلن الرواية عبر الإلماحات والتشابه الذي يفرض نفسه، أن اليوم المعاصر لا يختلف كثيرًا عن الأمس البعيد؛ فما زالت السلطة اليوم كما في الأمس، تقوم على التغلب وفرض الجبايات والاستئثار بالخيرات. يستقدم المؤلف شخصية رمزية نسائية، اسمها ميكا، تزعم أنها قَدِمَت من كوكب بعيد، ليعبر بها عن الفوارق الحضارية والعقلية بين بلدان العالم، وتدخل في علاقات متشابكة مع شخوص الرواية، فتبهر بمفاتنها وبمعارفها التقنية المختلفة، لكنها بعد قليل تثير الشكوك في مهمتها وسلوكها، وكل من حاول الاقتراب منها أو أراد أخذها عنوة يكتشف أنها امرأة بلا فرج، وأنها تغري بمفاتنها فقط، ولا تعطي شيئًا من نفسها، كما يظهر أنها قادرة على اكتشاف الكذب ومعاقبة الكذابين بسعال وضراط شديدين، ثم تظهر الرواية كيف استعملت ميكا السماوية كل ذكائها وعقلها المتحضر في نهب ثروات البلاد التي زارتها، ليتضح أنها زعيمة اللصوص وكبيرتهم.

للرواية بناؤها الفني الخاص، إذ تبدأ بكتاب قديم، وتنتهي ببدايتها الأصلية في الزمن المعاصر، وتظهر البدايات المعاصرة كيف تم اكتشاف الكتاب وكيف تتبدل الصور عبر العصور، وهكذا تتلاقى الأزمنة وتتواشج وتتضح مرامي الرواية على نحو أوضح وأكثر.

الرواية مليئة بالأحداث والصراعات المختلفة، وقصص الحب الناقص، وبالشخصيات المتنوعة التي تزيد الرواية إثارة وجاذبية، أبرز شخصياتها: اللص ابن حفصون، والوزير ولي الدين، والواعظ بشير ابن اللص، والكاتب شعيب المسكين الذي يرافق أحداث الرواية كلها ويظهر برمزية خاصة سيكتشفها القارئ بسهولة من خلال تشوقه إلى عالم مثالي حالم. والرواية في خلاصتها رواية معاصرة جدًّا، وإن توسلت بالتاريخ والرموز مما يقتضيه الأدب وتقنيات السرد.

إنها لسان حال الحاضر العربي كله، الذي يُعدّ امتدادًا للأمس البعيد، ويتشوق إلى أبطال حقيقيين لوقف سيل الهزائم الجارف، ولذلك خرجت الرواية من ضيق المكان وخصائص المحلية اليمنية، لتنطبق أحداثها بمستويات مختلفة، على كل بلد عربي يعاني من الحروب والانقسامات. اعتمدت تقنية الرواية خطًّا زمنيًّا يتصاعد من الماضي إلى الحاضر، كما اعتمدت تقنية سرد للأحداث، بإيقاع سريع، متنازلة عن الثرثرة الوصفية، ليجد القارئ نفسه مأسورًا بين أحداثها، منتقّلًا من مشهد مثير إلى آخر أكثر إثارة، ترافقه لغة عالية ورشيقة، تمنح القارئ متعة إضافية. 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English