تُوفِّيَ أمس، الثامن من يونيو/ حزيران، في العاصمة البريطانية لندن، الشخصيةُ الوطنية ورجل الأعمال المعروف علوان الشيباني. القليل هم الذين مروا على هذا النبأ، ولم يشعروا بالصدمة، ذلك أن غيابًا كهذا، هو التجسيد الفعلي والمحسوس لمعنى الخسارة الوطنية التي لا تعوض.
فبينما تتسم بيئة رجال الأعمال -عادة- بالأنانية والتضخم اللامشروع للثروات، واستغلال الوظيفة العامة للإثراء، هنا نموذج آخر، لرجل عصامي ومثابر، غادر الحكومة بمعناها المناقض للمصلحة العامة، وبنى حساسيته الوطنية العالية بمنأى عن التزلف أو ملاحقة الأضواء أو الإيقاع بالخصوم والشركاء. نعم، إنه علوان الشيباني.
ومع اليقين من أن كل النماذج تتشكل في لحظة مفصلية من التاريخ، نتساءل عن أي لحظة فارقة تلك التي جادت بمثل هذه الشخصية السخية تجاه مجتمعه؟ بالرجوع إلى السجل الناصع، نجدها في نهاية أربعينيات القرن المنصرم، إذ كان العمل التعاوني الأهلي في خضم تعاضده داخل مدينة عدن (المستعمرة السابقة للتاج الملكي). فبعد أربع سنوات من عمل مضنٍ في الحبشة، عاد علوان الشيباني -وكان حينها فتى في الـ17 من العمر- خائبًا إلى عدن، فتلقفته مدرسة بازرعة ثم نادي الاتحاد الشيباني الأهليين.
الخسارة هنا، إذ نعنيها، هي توقف راتب معلم، حرص علوان على إرساله له، حين تنكرت دولة بكامل مقوماتها (شمالًا وجنوبًا)، وتآمرت على لقمة عيش مواطنيها، معونة مالية لنحو 300 طالب وطالبة كي يواصلوا تحصيلهم
يجب -هنا- أن نضع خطوطًا ثلاثة على عبارة "نادي الاتحاد الشيباني"، بما هو عليه ككيان أهلي تعاوني، استطاع بتضافر رجال الأعمال والفاعلين المحليين في القطاع الخاص، أن يبتعث هذه اللحظة العبقرية في تاريخنا، إلى الخارج للدراسة، ويصنع منها هذا الطود الذي لا يضاهى.
درس الشيباني في القاهرة على حساب الاتحاد، ثم ابتعث إلى أمريكا، إن لم يكن "العالمية"، ليبقى طوال مسيرته الثرية، يشعر بالامتنان للهبة والفرصة التي منحها إياه مجتمعه وأهله، وعندما قوي عوده وأصبح قادرًا على اتخاذ القرار، لم يكن جاحدًا أو متنكرًا. أعاد الكَرّة مرة أخرى. حمل هذه الفرصة في قلبه، ليمنحها لطوابير من الطلاب والطالبات اليمنيين، الذين تبنت مؤسسته الخيرية تعليمهم وتأهيلهم.
لهذا كله، نتحدث في خضم الحزن، عن الخسارة، في زمن عز فيه الحديث عن المجتمع، دون أن يرتجى من ذلك التآمر على الناس، أو استغلال معاناتهم للوصول السهل إلى السلطة.
الخسارة هنا، إذ نعنيها، هي توقف راتب معلم، حرص علوان على إرساله له، حين تنكرت دولة بكامل مقوماتها (شمالًا وجنوبًا)، وتآمرت على لقمة عيش مواطنيها، معونة مالية لنحو 300 طالب وطالبة كي يواصلوا تحصيلهم، ويلتحقوا بسوق العمل، إن لم يكن علوان هو سوق العمل، والملاذ الأخير لخريج، من الوقوع في براثن البطالة.
لا ينبغي لهذه الأسوة أن تموت، أو تضمحل، لأنها خليقة العمل التعاوني الجمعي، لحظة التكاتف التي تعبر بها الأغلبية عن نفسها، وتأملها بذرة لبناء مجتمع الأمة، لا القادة المتخمين.
وداعًا علوان، وداعًا ضميرنا الخلوق والخلاق.