"كانت الطاقة الشمسية طوق نجاة لأسرتنا، ولولاها لعشنا حياة بائسة"؛ بهذه العبارات تحدث لـ"خيوط"، عبدالله حميد، الذي اضطر إلى بيع جزءٍ من مجوهرات زوجته ليشتري ثلاث بطاريات سعة 200 أمبير، وألواحًا شمسية.
ويضيف حميد: "إنّ الظلام الذي كانت عائلتي تعيش فيه، انعكس على حياتنا سلبًا، فقد كنّا نعيش حياة كئيبة لا معنى لها، وعانى أطفالي الصغار من نوبات فزع بسبب الظلام الطويل؛ فكان عليّ أن أجد حلًّا".
وحدة توليد الطاقة الشمسية التي تمكَّن من شرائها، صارت تضيء غرفتين، بالإضافة إلى المطبخ والحمّام، وشكّلت حلًّا مثاليًّا لم يندم معه على بيع جزء من مجوهرات زوجته لتدبير تكاليفه، كما قال في ختام تصريحه.
ولا يكاد منزلٌ من منازل ريف أَبْين اليوم يخلو من ألواح الطاقة الشمسية التي باتت تميّز أسطحها، لتمتصّ أشعة الشمس بطريقة سلِسة، ومِن ثَمّ تحوِّلها إلى طاقة كهربائية تنير المنازل المظلمة، وفي أماكن متعددة، وتضيء الشوارع التي حوّلتها الحرب إلى مساكن أشباح.
بين خيارين شاقّين
من جهته، يقول عبدالقادر- فنّي، لـ"خيوط": "لا أرغب في كهرباء المدينة. كنا مغفلين، ولا نعرف لِمَ لمْ نقتنِ ألواح الطاقة منذ فترة بعيدة، بدل أن نعيش في الظلام".
ويتحدث عبدالقادر عن معاناة قريته الطويلة إثر أزمة المشتقات النفطية، التي انعكست سلبًا على كهرباء البلد، ويقول: "تعبنا كثيرًا ودفعنا كثيرًا من الأموال من أجل شراء مولدات كهربائية صغيرة؛ بغية الظفر بالنور في الظلام، ولم نفلح؛ نتيجة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، أمّا الآن فالطاقة الشمسية كفيلة بذلك".
ويقول عبدالله علوي، أحد مستخدمي الطاقة الشمسيّة في ريف أبين: "نجحت هذه الخدمة البديلة في التخفيف من مشاق الحياة"، لكنّها لا تجعلهم يستغنون تمامًا عن التيّار الكهربائيّ الحكوميّ؛ فأصحاب المهن المرتبطة باستخدام الكهرباء الدائمة، مثل مالكي البقالات، وورش النجارة، ومعامل الألمنيوم، لا يمكنهم أن يوفروا كل الطاقة التي يحتاجونها من الشمس، كما أنّ المنازل التي وجدَت الإنارةَ اللازمة في ساعات الليل، لا يمكنها أن تعتمد على ألواح الشمس في تشغيل الأجهزة عالية الطاقة، مثل المكيفات والثلاجات.
وفي حين توفّر الطاقة الشمسيّة بديلًا جزئيًّا لكهرباء الحكومة بالنسبة إلى المواطن، تعاني المصانع والمستشفيات كثيرًا بسبب انقطاع التيّار.
غزو مرتفع
لم يكن ذهاب المواطنين نحو مصادر الطاقة الشمسيّة، سببه البحث عن الطاقة النظيفة والبديلة، ولكنّه خيار الضرورة الذي فرضته الحرب بعد أكثر من تسعة أعوام. ويرجع ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي، وانعدام المشتقات النفطية، ونجحت هذه الخدمة البديلة في تسيير حياة السكان في الحدود الدنيا، وعدم العيش في الظلام.
ووجد السكان منازلهم في الريف والمدن الرئيسة في البلد، بدون كهرباء مدة أيام ثم أسابيع ثم أشهر؛ وهو ما جعلهم يتجهون نحو الطاقة الشمسية البديلة. وشكّل التهافت الكبير عليها دافعًا لرفع أسعارها بشكل جنوني، حيث ارتفع سعر الوات الواحد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها إلى نحو 100 دولار، فيما كان سعر الوات الواحد قبل ذلك 50 دولارًا.
في أسواق جعار ومودية ولودر والمحفد، التي تُعد أكبر الأسواق لمستلزمات الطاقة الشمسية بمحافظة أَبْين، يقول بعض التجار ممّن التقيناهم، إن جميع ما استوردوه من ألواح الطاقة الشمسية نفِدَت؛ بسبب تزايد الطلب عليها مع استمرار انقطاع التيار الكهربي.
وتُستورَد أغلب تلك الألواح من الصين، ورغم أنّ بعضها يُصنع وفقًا للمعايير الألمانية فإنها تفتقد جودة الألواح المُصنعة في ألمانيا، فالألواح الصينية حساسيتها للضوء أقل وإنتاجها للتيار الكهربائي يقل طبقًا لذلك.
وللغش حضوره
على صعيد آخر، لم تكتمل فرحة مشتاق نافع بشراء منظومة الطاقة الشمسية لمنزله، بعد انقطاع كافة الخدمات الكهربائية عن منزله المتواضع في زنجبار عاصمة أبين.
وقال مشتاق- موظف، في حديثه لـ"خيوط": "دفعت مبلغ 50 ألف ريال لكي أحصل على بطارية للعمل على الطاقة الشمسية، نوعية (جل) ذات كفاءة و200 أمبير، لكني صدمت عندما تلفت بعد ثلاثة أشهر فقط من شرائها".
مضيفًا: "الصدمة الحقيقة عندما أخبرني المهندس أنّ البطارية ليست بطارية جل، وإنما تم إضافة مادة الزجاج بداخلها بدلًا عن مادة الجل، لكني شككت في أقوال المهندس، لأكتشف صحة كلامه عندما طالبته بفتحها، وبعد فكها كانت الكارثة؛ وجدت أنّ ثلثَي البطارية ألواح زجاجية".
وعلى السياق ذاته، قال المهندس الكهربائي، فواز بادح: "المشكلة لا تقف عند نوعية محددة أو شركات معروفة، فقد أصبحت 75% من الأجهزة الكهربائية مقلَّدة ومغشوشة ولا تنطبق عليها أيٌّ من شروط السلامة أو الاستخدام".
ويؤكّد بادح: "يتردد على ورشتي في اليوم الواحد أكثر من عشرة مواطنين، جميعهم يشكون من جهاز "إنفرتر الطاقة الشمسية". بضائع رديئة مغشوشة ولا يستمر عملها أكثر من شهر واحد، ما يجعل المواطن في حالة يرثى لها من الألم والمعاناة".
توفِّر الطاقة الشمسية بديلًا أنظف وأكثر فعالية من حيث التكلفة، ومع انخفاض تكلفة الألواح الشمسية والتكنولوجيا ذات الصلة، أصبحت الطاقة الشمسية خيارًا ميسور التكلفة بشكل متزايد للعديد من اليمنيين.
بطالة مخففة
وساعد انتشار الألواح الشمسية في ريف أَبْين على خلق فرص عمل للشباب اليمني، بين مهندسين وفنيين للتركيب والصيانة. عبدربه فقيري، أحد هؤلاء الشباب، يعمل بصفته فنيًّا محترفًا في تركيب وصيانة ألواح الطاقة الشمسية. يقول فقيري: "في البدء كنت أعمل كهربائيًّا لدى إحدى شركات الكهرباء، لكن انهيار الشبكات العمومية، وتوقف أعمال المقاولات في مجال الكهرباء دفعني للتحول إلى الطاقة الشمسية، وفعلًا التحقت بعدة دورات، ونتيجةً للطلب المتزايد لمهندسي الطاقة الشمسية، حصلت سريعًا على فرصة عمل، وبدأت بتنفيذ تركيبات وحدات توليد الطاقة الشمسية للعديد من المؤسسات التي تعاقدت مع الشركة".
صراع الندرة
ومن جانبه، قال موقع بوابة الطاقة "Energyportal"، إنّ دور الطاقة الشمسية في السوق اليمني يعدّ موضوعًا ذا أهمية متزايدة، لا سيما أنّ البلاد تصارع تحديات الصراع المستمر وندرة الطاقة. وفي الوقت الذي تسعى فيه اليمن إلى إعادة بناء اقتصادها واستقراره، تبرز الطاقة الشمسية حلًّا قابلًا للتطبيق ومستدامًا لاحتياجاتها من الطاقة.
وأضاف: "يعتمد اليمن حاليًّا بشكل كبير على مولدات الديزل لتوليد الكهرباء، وهو اعتماد تفاقَم بسبب تدمير البنية التحتية للطاقة في البلاد بسبب الصراع. ومع ذلك فإن استخدام مولدات الديزل ليس مكلفًا فحسب، ولكنه أيضًا غير صديق للبيئة".
ويفيد: "من ناحية أخرى، توفر الطاقة الشمسية بديلًا أنظف وأكثر فعالية من حيث التكلفة، ومع انخفاض تكلفة الألواح الشمسية والتكنولوجيا ذات الصلة، أصبحت الطاقة الشمسية خيارًا ميسور التكلفة بشكل متزايد للعديد من اليمنيين".
وأكّد أنه لا يقتصر اعتماد الطاقة الشمسية في اليمن على مجرد تسخير طاقة الشمس لتوليد الكهرباء، بل ويتعلق الأمر أيضًا بتمكين المجتمعات المحلية، وتعزيز التنمية الاقتصادية.
ويشير إلى أنه يمكن للطاقة الشمسية أن تخلق فرص عمل وتحفز الاقتصادات المحلية، وتقلل الاعتماد على الوقود المستورد.
ويتابع: "وعلى سبيل المثال، قام البنك الدولي بتمويل مشروع لتركيب الألواح الشمسية في المؤسسات العامة والمناطق الريفية. وبالمثل، يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مشروعًا لتوفير الطاقة الشمسية للمستشفيات".
شركات ناشئة
أنفق اليمنيون خلال تسعة أعوام مئات الملايين من الدولارات لشراء الألواح الشمسية، التي أنقذتهم من الظلام. يقول صدام الأهدل، رئيس منظمة مساندة للتنمية المتخصصة في الطاقة الشمسية، في تصريح سابق: "وفقًا لمسح أجرته المنظمة، أنفق اليمنيون أكثر من 300 مليون دولار للحصول على الطاقة الشمسية، منذ عام 2011، وهو رقم ضخم بالنسبة لبلد نامٍ". وأضاف: "إن انتقال اليمنيين إلى استخدام هذا النوع من الطاقة، كان ضرورة بسبب ظروف الحرب، وانهيار شبكات الكهرباء، لكنه لم يكن منظمًا".
وأوضح الأهدل أنّ الاعتماد على الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء بشكل موسع يحتاج إلى دراسات واستراتيجيات وتشريعات خاصة. وقال إنّ هناك خططًا لكي يكون هذا الانتقال أكثر تنظيمًا، ولهذه الأسباب قامت منظمة مساندة للتنمية المتخصصة في الطاقة الشمسية بتنظيم أنشطة كثيرة لتعزيز قدرات السوق.
وأضاف الأهدل: "بناء على مسح أجرته المنظمة، هناك أكثر من 1700 شركة ومنشأة تعمل في أنشطة تجارية مرتبطة بإنتاج الطاقة الشمسية، الجانب الأكبر منها شركات ناشئة خلال السنوات الأخيرة، ويتركز أغلبها في العاصمة صنعاء، وهي إحصائية لا تعكس حجم تنامي سوق إنتاج الطاقة الشمسية في اليمن فقط، وإنما تعكس كذلك اعتماد الشعب اليمني على طاقة الشمس، التي أنقذته من الظلام، ووفّرت له ما عجز السياسيّون عنه".