كان المجاهد الكبير رئيس تحرير "السلام" عبدالله علي الحكيمي مدركًا لمكانة ووزن وتأثير مصر، وحتى الاحتفاء بالجامعة العربية نابع من قيادة مصر لها، وكان الأحرار اليمانيون والكثير منهم من طلاب الأزهر الشريف، ومن أولئك الذين جمعوا بين التجديد الديني والأدبي كما عند ابن الوزير والأمير والشوكاني والمقبلي، والتجديد في قصيدة الشعر الحميني عند الحكاك والمزاح وابن فليتة والآنسي الأب والابن وابن شرف الدين والقمندان، وبين قراءة المرصفي وطه حسين والعقاد وجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا وعلي عبدالرازق.
لقد كان أنموذج الأحرار للإصلاح في اليمن مصرَ والعراق وبلاد الشام، وكان تأثير المركز المصري فاعلًا ومؤثرًا منذ تأسيس الحركة الوطنية في اليمن؛ فقد كان مطلب الأحرار - الحزب الذي تأسس في العام 1944، في عدن، و"صوت اليمن" 1966، يتمركز حول المطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية لا تختلف كثيرًا عن الأوضاع في مصر أو بلاد الشام أو العراق، ولعل العزلة المريعة، والأوضاع المتردية والقروسطية في اليمن، قد جعلت من مطالب الإخوان المسلمين أنموذجًا وقدوة حسنة لدى بعض الأحرار، وربما كان الحكيمي وهو المفكر الإسلامي والليبرالي أكثر ابتعادًا عن التيار الإخواني، والأقرب للوفد والحياة السياسية والفكرية في مصر بشكل عام، واللافت أن مطبعة "السلام"، و"صوت اليمن" قد اشتريتا من مصر.
كتاب السُّنَّة
تحت هذا العنوان يتناول الدكتور الخميري، وهو من كتاب "السلام"، كتاب السنة يتناول فيما يتناوله كتاب "الهلال" -المجلة- يوليو/ تموز 1948، مشيرًا إلى أن الكتاب مهم من حيث الموضوع والأسلوب، كما يقرأ في عدد يناير 49، من مجلة الكتاب أن الإنتاج الفكري في مصر الذي كان مطرد الصعود في سنوات 45 و46 و47، ابتدأ يهبط بعض الهبوط في عام 48؛ فقد بلغت قيمة الإنتاج الفكري 480 كتابًا في عام 47، ولكنها عادت في 48 لتكون 390 كتابًا، وهو أكثر مما أنتجته بقية البلاد العربية مجتمعة سنة 48، فإذا لاحظنا:
وعندما يزور طه حسين لندن في أكتوبر عام 49، يحييه رئيس التحرير الحكيمي في الصفحة الأولى بمقال، بعنوان "شخصية الفضل والعلم والأدب الدكتور طه حسين في لندن".
"الدكتور طه حسين أعرف من أن يعرَّف؛ فهو أشهر من شمس على علم؛ لأنه شخصية فذة، فضلًا وعلمًا وأدبًا، وفوق ذلك فهو يعد من المجددين للأدب العربي في القرن العشرين، كما أنه أشهر كتاب العرب في هذا القرن الذي تقدمت فيه الحضارة والعلم والأدب فيها"([1]).
ويتناول اقتراح مصر بعقد معاهدة للأمن الجماعي بين دول الجامعة العربية، وأنه قد أصبح موضع نقاش في مجلس الجامعة، وفي الصحافة المصرية، وفي لبنان، والبلاد العربية السعودية، أما اليمن فقد أيدت الاقتراح، ووافقت عليه مقدمًا، ويقوس على موافقة اليمن.
ويقول مراسل "التايمز": إن المؤيدين للاقتراح من المصريين يؤكدون أن المعاهدة لن تضمن سلامة البلدان العربية من العدوان الإسرائيلي فحسب، ولكنها أيضًا ستحافظ على استقلال الدول الأعضاء، وهذه طريقة أخرى في التعبير عن معارضة مصر لمشروعي سوريا الكبرى، والهلال الخصيب، وأي مشاريع أخرى مماثلة([2]).
وتحتل الأخبار المصرية مساحة لا بأس بها في السلام، فينشر خبر استقالة الوزارة المصرية في 3 نوفمبر 49، وتكليف سري باشا بتشكيل الحكومة([3]).
ويكرر متابعًا قصة بحار مصري اعتقل في تل أبيب، كما ينشر- بالبنط العريض - خبر حصول الطالب سمير طاهر المصري على درجة الدكتوراه من جامعة جلاسجو في اسكتلندا، مشيرًا أن مصر تزمع إنشاء مجمع للحديد والصلب([4]).
وتحتفي "السلام" بأخبار قنال السويس، والصراع المصري البريطاني، فتذكر أن الصحف المصرية كلها تقريبًا ثارت لزيارة السير شنويل - وزير الدفاع البريطاني لمنطقة القنال، وانتقدت بمرارة إشارته إلى أنه لا يعرف مطلقًا عن قرب رحيل الجنود البريطانيين عن مصر.
غطت صحيفة السلام أخبار فوز حزب الوفد، حيث بعثت أحد أهم المحررين برسالة مفتوحة للزعيم النحاس باشا، معتبرة فوزه نصرًا لمصر والأمة العربية، ويشكو للنحاس حالة اليمنيين، وبالأخص أحوال المعتقلين في ما سماه حينها "باستيل حجة"
تنقل تعليق جريدة "المصري" الوفدية أن السير شنويل قد آلم الشعب المصري، وأحدث ضررًا بالغًا بسمعة وادي النيل، وقد تساءلت عما إذا كان السير شنويل يعتقد أن منطقة فايد أرضًا بريطانية، وتعتبر "الزمان" المستقلة أن ترديد السير شنويل لهذا الغرض السافل لبقاء الجنود البريطانيين في منطقة القنال دليلًا على بقاء العلاقات المصرية البريطانية متوترة، وقد وصفت الكتلة هذه الزيارة بأنها ضربة برق خاطفة أصابت قلب كل مصري في الصميم، واستطردت بأن هذا هو أول وزير بريطاني يتجرأ على تحدي المصريين داخل أراضيهم، وأن الخطط التي رسمت لتحسين المساكن في منطقة القنال تثبت أن "المستعمرين" مزمعون على استدامة الاحتلال، وادعت "الأساس" السعودية أن سياسة الوفديين تؤيد الاحتلال البريطاني، وذكرت أن مصر مصممة على مقاومته، وأنه إذا أصر البريطانيون على الاحتفاظ بجنودهم في المنطقة؛ فإنهم لا شك سيفقدون كل أمل في الوصول إلى اتفاق مع مصر([5]).
وتتابع السلام وقائع الانقلاب في سوريا الذي قاده أديب الشيشيكلي، والإشادة الصحفية المصرية بالانقلاب لمنع فكرة وحدة العراق وسوريا، (والأمر أعمق من ذلك بكثير)، وله علاقة بالصراع البريطاني الأمريكي. [الباحث].
وتنقل عن الأهرام خبرًا بعنوان "نظام العرب الجماعي"- بكسر الجيم هكذا!- وأبحاث الذرة في إسرائيل، والخبر يحتوي على معلومات مهمة عن بداية النشاط الذري الإسرائيلي([6]).
كما ينقل عن الصحيفة البريطانية "السوث ويلز آيكو" خبرًا عن الانتخابات النيابية المصرية، ومقتل عشرة أشخاص، وعدم تدخل الجيش البريطاني المرابط في السويس، وأن أعنف الاشتباكات غالبًا بين الوفديين والسعديين، وتذكر الصحيفة أنه منذ الانتخابات السابقة جرى فتك بشخصين هما: الدكتور أحمد ماهر، ومحمود فهمي النقراشي زعيم السعديين، وتنقل عن النحاس باشا أن حزبه لن يتحد مع أي حزب آخر في حال عدم إحراز النصر([7]).
ويتابع في العدد اللاحق أخبار فوز الوفد مقدمًا أحر التهاني بهذا الفوز، ويواصل في العدد حيث يبعث أحد أهم المحررين في "السلام" القاضي عبدالكريم العنسي برسالة مفتوحة للزعيم النحاس باشا، معتبرة فوزه نصرًا لمصر والأمة العربية جمعاء، ويشكو للنحاس حالة اليمنيين، وبالأخص أحوال المعتقلين في باستيل حجة - حسب العنسي؛ طالبًا شفاعة النحاس في هؤلاء المقدمين للموت بعد أن شفى الإمام غيظه بسفك دم الأبرياء([8])، كما تنشر الصحيفة خبر وفاة إسماعيل صدقي باشا، وزيارة النحاس لمرسيليا بغرض العلاج، كما تتناول الصحيفة تحت عنوان "الجلاء ووحدة وادي النيل"، منتقدةً الطريقة العربية في التفاوض؛ فهي تقول: "وكم ذا استمع الناس إلى مطالب مصر - وما أكثر الطلب، وما أقل العطاء!"، وتضيف الصحيفة: وقد اقتضت عوائد العرب أنهم يتركون ساعات الفرص تذهب من أيديهم في أوقاتها المناسبة، حتى إذا ما ذهبت الفرص تقدموا بالاحتجاجات، وأوفدوا وفودهم، فيعودون بخفي حنين([9]). (والحقيقة أنها رؤية جد عميقة)، وتنبئ عن خبرة مدهشة في قراءة كف المستقبل. [الباحث].
ويسجل الحكيمي زيارته للنادي المصري في لندن، ولقائه مع صديقه العزيز الدكتور عبدالعزيز عتيق، وينقل المحرر عن الحكومة البريطانية قولها: إنها لن ترسل أسلحة إلى مصر لحاجتها إليها، وتعلق "السلام": إن مولود إسرائيل يستطيع أن يصنع أسلحة في تل أبيب، ويمون نفسه دون أن يحتاج لأحد، وأما جامعتنا العربية، التي شاب قرناها، فإنها لا تقدر على صنع أمواس للأظفار([10]).
وكلام "السلام" في العام 50، أما اليوم، فإن إسرائيل تمول دولًا عظمى، مثل: الهند، والصين، وتركيا. ترى لو عاش الحكيمي إلى اليوم ماذا تراه يقول؟!
وتنشر "السلام" خبرًا "مصر والهند" يتناول فيه المحرر احتجاجًا قدمته الحكومة المصرية إلى الهند لنيتها الاعتراف بإسرائيل، وتشن الصحيفة حملة شعواء على الحكم العربي، والزعامات العربية المنقسمين على أنفسهم، والمسؤولين الوحيدين عما لحق من عار بالعرب([11]).
وفي العدد (75) تكرس "السلام" صفحة كاملة عن الجالية العربية في شرق أفريقيا والشعب المصري، وهي مكرسة للاحتفاء بالأساتذة المصريين العاملين في أفريقيا، وقد جرى الاحتفال في الخرطوم، والموضوع موشى بالصور.
وتدين السلام بشاعة التعذيب في معتقل "هاكستب"، مشيرةً إلى كتاب أصدره علي محمد الطاهر عن هذا المعتقل([12])، الذي نجد له صدى كبيرًا في الكتابات السياسية حينها، وفي أشعار فؤاد حداد.
وفي نفس العدد نقرأ مقالة نارية لكاتب من كتاب "السلام"، وهو علي حمود الجايفي بعنوان "الطبول الفارغة" حمل فيه الكاتب على بعض الجرائد المصرية البائرة التي تعلن العداء الصارخ للأحرار اليمنيين، وتستخدم البذاءة والألفاظ السوقية - حسب الكاتب، مما تأباه وتستفز منه القومية العربية العريقة، ويسائل بحرقة: لا ندري ما هي الأسباب والدوافع التي حملت سماسرة الصحيفة التجارية المصرية على تصويب هجماتها العنيفة على كل مطالب بالإصلاح لوطنه ويعمل بكل جهد لإنقاذ الأمة المنكوبة المعذبة من هاوية الدمار والموت؟! ...إلخ([13]).
يلاحظ أن الصحافة المصرية هي من أهم مصادر أخبار "السلام"، وتبرز الصحيفة تعاطفًا مع جمعية الإخوان المسلمين، وتشيد بالزعيم مصطفى النحاس، مؤكدةً على أهداف الإخوان المسلمين في محاربة الاستعمار والاستعماريين
وفي نفس العدد تنشر "السلام" خبرًا صغيرًا عن شحنة من الدبابات "سنتشوريون" من بريطانيا إلى مصر كاستثناء للحظر، وأن مصر قد دفعت 80% من قيمتها. وخبر آخر عن إهداء يونس بحري نسخة من كتاب "معتقل هاكستب" بعد أن عرف أن اليمن كلها معتقل هاكستب، والسلام على هاكستب!([14]).
ومنذ العدد (79) تكرس الصحيفة صفحة كاملة بعنوان "العالم العربي في أسبوع"، وهو عنوان جديد في "السلام"، ويبدو أنه مستقى من هيئة الإذاعة البريطانية، وهو صفحة كاملة مكرسة لأخبار العالم العربي، ويحتل فيه الخبر المصري الصدارة، فينقل خبر تجريب القطار السريع لأول مرة في مصر، وأخبار اللاجئين الفلسطينيين في مصر، وما ستنفقه مصر والعراق على معاهدة 1930 العراقية، و1936 المصرية، وطبعًا يقصد المعاهدة مع بريطانيا، والمطالبة بموقف عربي من القضايا الدولية، ويختتم الخبر بالتالي: أما اليمن فموقفها واضح من الحالة الدولية الراهنة؛ فالقرد لا يعجز عن تقليد حركات الإنسان([15]).
ويدون مد خط السكة الحديد بين مصر والسودان الذي بدأ الإعداد له.
يلاحظ أن الصحافة المصرية هي من أهم مصادر أخبار "السلام"، وتبرز الصحيفة تعاطفًا مع جمعية الإخوان المسلمين، وتشيد بالزعيم مصطفى النحاس، مؤكدةً على أهداف الإخوان المسلمين في محاربة الاستعمار والاستعماريين، وتشير الصحيفة أن الإمام أحمد قد بذل جهودًا لا بأس بها لعرقلة ظهور الإخوان المسلمين، والواقع أن صاحب "السلام" يؤيد جمعية الإخوان المسلمين شأن بعض الأحرار اليمنيين؛ لأنها تقف إلى يسار الدولة اليمنية (المتوكلية)، وتشتبك معها في خصومة سياسية، كما أنها - أي الجمعية - تتعاطف مع الأحرار، وهناك أعضاء في الأحرار ينتمون للإخوان المسلمين أو قريبين منهم، ثم إن ليبرالية الحكيمي، وتميزه بالحوار بين الأديان، وتسامحه الشديد دافع مهم أيضًا.
ولا تخفي الصحيفة ابتهاجها بإلغاء البرلمان المصري المفروض على الجمعية، ولكن الحكيمي لا ينسى أن يقول للإخوان: "وعليهم أن يكونوا عقلاء". ثم يشكر الحكومة المصرية([16])، فموقفه حينها من الإخوان موقف المتعاطف والناقد في آن.
وتهتم الصحيفة بحرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية في مختلف أقطار الوطن العربي، وفي موضوع رئيسي تتناول السلام تحت عنوان بارز "القضاء المصري ينصر رجال الفكر"؛ فتقرأ السلام كتابَ المفكر عبدالله القصيمي "هذه هي الأغلال"، معتبرةً الكتاب مجهودًا فكريًّا جبارًا يشخص صاحبه الأسباب والعلل لانحطاط المسلمين وتأخرهم، ويعيب على خصوم القصيمي اللجوء إلى التهم والتشهير والإساءة الشخصية، ويذكر العقوبات القاسية التي لحقت بهذا المفكر من قطع الراتب من السعودية، وفرض القطيعة على موطنه؛ مما اضطره لرفع دعوى ضدهم، وقد ظلت القضية قيد البحث أربعة أعوام، وقد حكم القضاء المصري المجيد بتعويض القصيمي ألف جنيه، كما ألزمهم بدفع أتعاب المحاماة([17]).
وفي عدد (90) تنشر السلام -بالبنط العريض- وعلى صدر صفحتها الأولى اهتمام مشيخة الأزهر ووزراء الدول العربية بإرسال المعلمين إلى كارديف. والحقيقة أن الصحيفة ومنذ أولى أعدادها ظلت تطالب بإرسال معلمين إلى كاردف؛ لتعليم الجالية المسلمة والعربية، واستجاب الأزهر متأخرًا لمناشدات الحكيمي الذي كان له مسجد وزاوية ورباط تعليم حقيقي.
أعرب الحكيمي عن تخوفه من حزبية الشرق؛ لأنها ليست كحزبية الغرب؛ لأنها -أي الأخيرة - تضحي بالحزبية في سبيل المصلحة العامة، وتقدم العقل على العاطفة
وتواصل السلام أو تعير اهتمامًا كبيرًا لمفاوضات الجلاء بين مصر وبريطانيا، ولكنها تتوقع صعوبة فيما يتعلق بوحدة وادي النيل؛ فبريطانيا حريصة على فصل السودان عن مصر([18]).
وفي العدد (93) ترصد زيادة التوتر بين مصر وبريطانيا بعد قيام مصر بتفتيش سفينة كانت تمر بالقنال، وتحمل أسلحة لشرق الأردن، ولا تستبعد أن يرفع الأمر لمجلس الأمن، ثم تندد وتدين احتجاجات إسرائيل على قيام مصر بتفتيش السفن، وتتوسع إدانة "السلام" لتشمل الحكم العربي المتهاون والمتخاذل([19]).
والواقع أن "السلام" قد أفسحت حيزًا كبيرًا للجامعة العربية، وكانت في الأعداد الأولى متحمسة لها، ولكن دقة ملاحظة الحكيمي، وقراءاته العبقرية قد كشفت حقيقة وواقع هذه الجامعة؛ فقد أدرك أن الملوك العرب بعيدون عن التوجهات المصرية، وهم لا صلة لهم بقضايا فلسطين، أو قضايا أمتهم وشعوبهم؛ فقد كتبت السلام تحت عنوان "الجامعة العربية"، وبعد أن ميز الكاتب بين الجامعة العربية كأنشودة لكل عربي، وكأمنية يعلقون آمالهم وسعادتهم عليها، وبين واقع الحال، يقول: "أما جامعتنا الحالية، فهي جامعة كشفت سوءة العرب، وألبستهم ثوب الخزي والعار – عار فلسطين الذي لا يمحى إلى الأبد"([20]).
يضيف: "جاء معيار مصر وحقوقها القومية، وجاء الاقتراح الرباعي للدفاع عن الشرق الأوسط وتقدمت الدول الأربع المعروفة". والمحرر هنا يقصد المحاولات الأولى لحلف بغداد والذي يعود للعام 1951 حين دعت بريطانيا أمريكا وبإشراك تركيا في إنشاء هيئة للدفاع عن الشرق الأوسط ضد الكتلة الشرقية على أن تساهم فيه مصر والدول العربية، وتكون القاهرة مقرًّا للهيئة، وقد فشل المشروع لدعوة إسرائيل الانضمام إليه([21]).
وتردد "السلام" وصاحبها في تأييد إلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899، ورفع شعار وحدة وادي النيل تحت تاج الفاروق، ويحدد الحكيمي مصدر شكه وتردده فيقول: قد أكون أحد من خامرهم الشك، لا لأن مصر ليست على حق، كلا؛ فأنا مؤمن بحقوقها العادلة تمامًا والذي رابني ما قد عرفناه من قضية فلسطين، وهو لعمر الحق درس لا ينساه التاريخ، ونحن العرب بوجه خاص نرتجل الأمور ارتجالًا، ونقول أكثر مما نعمل، ونحب أن نحمد بما لم نفعل، وننزل إلى الميدان من غير زاد ولا استعداد، وسرعان ما نخسر الصفقة؛ فنحمل الفضيحة والعار، ونتأخر عدة مراحل بعد أن كنا على الأبواب([22]).
ويعرب الحكيمي عن تخوفه من حزبية الشرق؛ لأنها ليست كحزبية الغرب؛ لأنها -أي الأخيرة - تضحي بالحزبية في سبيل المصلحة العامة، وتقدم العقل على العاطفة([23]).
ثم يشير إلى الحوادث الأخيرة "حريق القاهرة"، وها هي على إثر ذلك أقيلت وزارة النحاس، وقام غيرها تحت رئاسة علي ماهر. وبعيني زرقاء اليمامة يشير بأصابع ضوئية: "والمستقبل كفيل ببيان هذا الضمير المستتر، والمستقبل آت، وكل آتٍ قريب، وإننا نعيذ أمتنا العربية أن تعمل عمل بني إسرائيل الذين حرموا على أنفسهم الصيد؛ فاصطادوا في يوم السبت([24]).
غادر الحكيمي بريطانيا في سبتمبر 52 بعد أن قام بشحن المطبعة وأثاثه إلى عدن، وعرج على مصر لبعض الوقت قابل خلالها اللواء محمد نجيب - رئيس مجلس قيادة الثورة حينها، الذي أثنى على حركة الأحرار، وشجع الحكيمي على الاستمرار، ووعده بالتأييد من حكومة مصر، ودست له المخابرات الاستعمارية مسدسًا في أدواته؛ ليحاكم ويسجن مع الأعمال الشاقة، وعندما خرج من السجن عانى من السم الذي دس له في الطعام، ويبدو أن اغتياله بالسم كان ثمرة تعاون الاستبداد الإمامي والاستعمار البريطاني في الجنوب، كما يشير الباحث علي محمد عبده في كتابه "لمحات من تاريخ الحركة الوطنية".
الهوامش :
[1] ) صحيفة السلام، عدد (44)، ص1.
[2] ) المصدر السابق، عدد (45)، ص1.
[3] ) المصدر السابق، عدد (46)، ص5.
[4] ) المصدر السابق، عدد (49)، ص4.
[5] ) المصدر السابق، عدد (51)، ص3.
[6] ) المصدر السابق، عدد (54)، ص1.
[7] ) المصدر السابق، عدد (54)، ص2.
[8] ) المصدر السابق، عدد (60)، ص8.
[9] ) المصدر السابق، عدد (68)، ص4.
[10] ) المصدر السابق، عدد (74)، ص4.
[11] ) المصدر السابق، عدد (4)، ص8.
[12] ) المصدر السابق، عدد (77)، ص5.
[13] ) المصدر السابق، عدد (78)، ص2.
[14] ) المصدر السابق، عدد (78)، ص5.
[15] ) المصدر السابق، عدد (81)، ص2.
[16] ) المصدر السابق، عدد (88)، ص3.
[17] ) المصدر السابق، عدد (88)، ص5.
[18] ) المصدر السابق، عدد (89)، ص4
[19] ) المصدر السابق، عدد (93)، ص4
[20] ) المصدر السابق، عدد (99)، ص3.
[21] ) المصدر السابق، عدد (30)، ص3.
[22] ) المصدر السابق، عدد (100)، ص3.
[23] ) المصدر السابق، عدد (100)، ص3.
[24] ) المصدر السابق، عدد (100)، ص3.