ولد الرئيس المناضل عبد الله بن يحيى السلال (1917- 1994) في قرية شعسان- محافظة صنعاء. ينحدر من أسرة فقيرة الحال. انتقل والده يحيى محمد السلال إلى صنعاء هربًا من القحط الذي أصاب منطقة شعسان ناحية سنحان- محافظة صنعاء، وفيها أسندت إليه حكومة الإمام يحيى حميد الدين وظيفة شيخ ليل؛ ليتولى الإشراف على حرس الليل، وحماية المدينة ومنازلها ومتاجرها، ومتابعة الداخلين إليها من المناطق الأخرى، ومعرفة أماكن إقامتهم، وغرض وصولهم. كان السلال يعود بين فترة وأخرى إلى قريته، حيث كان يملك والده فيها قطعة أرض صغيرة إلى جانب الفرس الذي كان ينتقل به، وكان عبد الله السلال يحبه كثيرًا، لذلك أحب ركوب الخيل منذ نعومة أظافره، وظلت زيارته لا تنقطع لقريته إلى أن حرقت أرضهم بعد ثورة 1948م عقابًا لمساهمته في تلك الثورة.
يعد عبد الله السلال الثاني بين خمسة إخوة. ترعرع في منزل متواضع في حضن والديه، وكانت تربيته إسلامية خالصة إلا أنه فقد أباه وهو في السابعة من عمره، وفي بداية حياته درس في الكتاب، ليتلقن فيه القراءة الهجائية والكتابة. وعندما صار فتى التحق بمدرسة الأيتام، وفيها توسعت مداركه، واستمر في هذه المدرسة سبع سنوات، ثم انتقل إلى المدرسة الثانوية العليا التي تم افتتاحها في الحديدة، وكانت فترة الدراسة فيها ثلاث سنوات، وتلقن فيها العلوم الحديثة إلا أنه لم يكمل فيها سنته النهائية؛ فقد أغلقت بسبب الحرب السعودية – اليمنية عام 1934 ليعود إلى صنعاء ليكمل السنة السابعة في مدرسة الأيتام، وكان في أول بعثة طلابية عسكرية ومدنية تسافر للدراسة في العراق عام 1936، والتحق بمدرسة الإشارة ببغداد، وتمتع فيها بحب زملائه وأساتذته، وتميز فيها من خلال جده واجتهاده، وتخرج برتبة ملازم منها عام 1938. وقد تأثر بما لمسه من فارق حضاري بين بلده والعراق، وأدرك مدى العزلة والتخلف التي فرضها عليهم آل حميد الدين، فجاءت دراسته في العراق وفي سن مبكرة على صقل شخصيته وتوجيهها في مسار الثورة، وإيمانه بضرورة التغيير فعاد إلى وطنه متحمسًا وراغبًا في تطبيق ما درسه، واتجه إلى محاولة إبراز مظاهر الحضارة التي شاهدها في الدول التي زارها إلا أنه اصطدم بالواقع؛ إذ أن أي تغيير يعني الوقوف ضد الإمامة، فكان مصيره السجن أكثر من مرة.
مثل السلال الصف الوطني المتحمس للثورة، ويرى أن الحفاظ عليها ضرورة ملحة، فقدم الكثير من التنازلات الشخصية، ورفض الجلوس مع الملكيين على مائدة واحدة قبل الاعتراف بالنظام الجمهوري.
ساهم عبد الله يحيى السلال بدور فاعل في ثورة 1948، ودخل السجن وظل فيه قرابة سبع سنوات ونصف إثر فشل الثورة، وأثناء وجوده في السجن تبلورت أفكاره السياسية، فقد تفرغ للاطلاع من خلال ما كان يُهَرَّب إليه ولزملائه من صحف ومجلات وكتب. خرج من السجن عقب فشل حركة 1955، وعمل بعد خروجه من السجن أمير حرس ولي العهد محمد بن أحمد حميد الدين (البدر)، وكان مسئولاً عن كلية الطيران، ومن موقعه ظل يساند الحركة الوطنية؛ فأبعد عن ذلك الموقع ليحول إلى عمل مدني، وكلف بإدارة ميناء الحديدة، وظل حينها تحت المراقبة والرصد من قبل عيون الإمام، وبالرغم من ذلك لم يبتعد عن نشاطه الوطني، وعقب المحاولة التي قام بها محمد سعيد فارع (إبليس) في محاولة اغتيال الإمام أحمد في السخنة عام 1961، ودوره في عملية اغتيال الإمام أحمد عام 1961 من قبل كل من اللقية والعلفي والهندوانة- أعيد مرة أخرى إلى صنعاء، ليعود إلى عمله السابق أميرًا لحرس البدر
ساند عبد الله السلال الضباط الأحرار لتشكيل تنظيمهم بالرغم أنه لم يكن عضوًا فيه، وكانت علاقته به غير مباشرة، وفي فترة الاستعداد والتنظيم للثورة تم اختياره قائدًا لثورة 26 سبتمبر بعد رفض الجائفي قيادتها.
أصبح عبد الله السلال أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية للفترة 1962- 1967م، وخلالها تعرض لضغط شديد من القوى الداخلية والخارجية التي استهدفت إجهاض الثورة اليمنية مستخدمة فلول الملكية والمرتزقة إلا أن التفاف الشعب اليمني حول الثورة، والدعم العسكري المصري مكن الثورة من الوقوف على قدميها أمام التحديات، وعلى الرغم من الصراع الداخلي في الصف الجمهوري، فقد استمر عبد الله السلال ممسكًا بزمام الأمور رغم ما أخذ عليه بتركه مقاليد الأمور بيد القوات المصرية التي كان يبررها بالضرورة الملحة للوجود المصري.
كان دائم الدعوة للوحدة العربية، وسعى للانضمام للوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، وحاول التوفيق بين ما يحدث من صراع داخل الصف الجمهوري، وبين إقامة دولة حديثة، وخلق علاقات خارجية متميزة عربيًا وأجنبيًا، وتمكن من إكساب الثورة حضورًا عربيًا ودوليًا.
ومثل السلال الصف الوطني المتحمس للثورة، ويرى أن الحفاظ عليها ضرورة ملحة، فقدم الكثير من التنازلات الشخصية وعلى إثر اتفاقية جدة في أغسطس 1965 التي تمت بين مصر والسعودية حول حرب اليمن دعيت الأطراف المتحاربة إلى عقد مؤتمر يضم الطرفين إلا أن السلال رفض هذه المؤتمرات، ورفض الجلوس مع الملكيين على مائدة واحدة قبل الاعتراف بالنظام الجمهوري.
وللحفاظ على مكاسب الثورة اضطر إلى مغادرة اليمن إلى مصر تحت ضغط الصف الجمهوري المعتدل؛ كي يتيح لهم فرصة عقد "مؤتمر حرض" في نوفمبر 1965، وصرح بأنه سيترك اليمن إذا كان من شأنه أن يعزز الأمن والاستقرار إلا أن الأمور لم تجر كما كان يريد لها الصف الجمهوري المعتدل؛ فقد فشل المؤتمر، ولم يتمكن القائمون على الوضع في اليمن من تحقيق نتائج تذكر، فعاد السلال بعد عشرة أشهر في أغسطس 1966، واستمر في قيادة البلد متخذًا خطًا جديدًا لا سيما بعد مؤتمر الخرطوم في سبتمبر 1967 عقب الاتفاق بين عبد الناصر وفيصل بن سعود، وفرض لجنة ثلاثية على اليمن، فرفض السلال هذه الاتفاقية؛ لأن اليمن لم تكن طرفًا فيها.
وبعد كل ذلك وعندما وجد السلال ظروف اليمن لم تعد مواتية لممارسة دوره السياسي فضل مغادرة البلاد في طريقه لزيارة الاتحاد السوفيتي عن طريق العراق، وخلال تواجده في العراق أعلن الانقلاب المحلي رغم أنه كان يدرك ما يحاك، وبرغم محاولة مناصريه إقناعه بالبقاء إلا أنه رفض خشية حدوث صراع مسلح داخل الصف الجمهوري، وفضل تجنب ذلك، وإتاحة المجال فيها لأطراف أخرى تقوم بدورها، وذلك ما كشفته الرسالة التي تركها للقاضي عبد الرحمن الإرياني، مما يدل على أن السلال كان دائمًا يحاول تجنيب اليمن الصراعات الدامية، ولا ننسى الدور الذي قام به للوساطة بين قيادتي اليمن الموحد أثناء الخلافات بينهما بعد الوحدة اليمنية 1990، وظل يمارس دوره الوطني الوحدة حتى وافته المنية في مارس 1994 رحمه الله.
المصدر:
جمال حزام النظاري، الموسوعة اليمنية، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء – الجمهورية اليمنية، جزء 3، ص1607- 1610.