تحوّلت جنازة تشييع الضحية حمدي عبدالرزاق الخولاني (المكحل)، في مدينة إب، إلى مساحة حيويّة للتنفيس الكبير لأبناء المدينة، ضدّ سلطة الحوثيين التي حوّلت المحافظة إلى واحدة من الإقطاعيات الكبيرة الخاصة بمتنفّذيها وقادتها من داخل وخارج المحافظة؛ وتكثّفت حالة التنفيس صوتيًّا بترديد الشعارات المندِّدة بسلطة القهر والتنكيل، وكأنّ هذا الصوت الشعبيّ الهادر يستمد قوّته في المجاهرة من رسالة الضحية المغدور.
الطريقة التي تمّت بها تصفية "اليوتيوبر" الشاب، كانت صادِمة، رغم محاولة أجهزة الجماعة تبريرها كحالة انتحار بعد هروبه من إحدى نوافذ المبنى، حسب قولها، وهو مبرر لم يُقنع الجميع، كون الاستقصاد بإسكاته كان هو الهدف من إحضاره للدائرة، بعد وقائع سابقة متعددة، تخللتها حالات تحقيق وتهديد وأخذ تعهدات منه بالسكوت، أو بحديثه عن كل شيء سوى التعرض للجماعة وقاداتها الكبار، بعد أن صارت المقاطع المرئية (الفيديوهات) التي يبثّها عبر قناته في اليوتيوب مُلهِمة للمقاومة المدنية، عند كثيرين.
صوت (المكحَّل) ظلّ يُعرّي سلوك الجماعة الاستبداديّ، وفسادها لفترة طويلة، في ظلّ صمتٍ مطبق لوجاهات إب الاجتماعية ومشايخها، رغم ما تتعرّض له من تجريف ونهب وقسوة، طالت كلَّ شيء فيها حتى هُويتها وخصوصيتها الثقافية.
بدأ صوت (المكحل) بالبروز منذ أشهر طويلة، ومن خلال انتقاده لفرض الجماعة على المصلين ترديدَ شعارها (الصرخة) بالجامع الكبير، ليُعتقل على إثرها للمرة الأولى، قبل أن يُعاد اعتقالُه للمرة الثانية في أكتوبر الماضي، بواسطة حملة عسكرية حاصرت الحي والمنزل الذي يسكنه في المدينة القديمة، بعد ظهوره في فيديوهات ناقدة لقيادة ميليشيا الحوثي وتجاوزاتها التي لا يمكن التغطية عليها، ليتم الإفراج عنه بعد أسابيع من التعذيب الوحشيّ داخل السجن -حسب قوله- ليبقى تحت رقابة الأجهزة الأمنية. وفي الاستدعاء والتحقيق الأخير، عاد جثةً هامدة، لتزفّه المدينة، إلى قبره، بتك الطريقة الاحتجاجية.
بعد تصفيته، قام ناشطو الجماعة وذبابها، بتسريب مقاطع فيديو له، وهو يقوم بشتم بعض جيرانه بطريقة غير لائقة، من أجل تنميط صورته بتلك الطريقة الشائهة، وأنّها هي السبب في استدعائه الأخير الذي أفضى إلى كارثة مقتله، وبالتبريرات التي ساقها بيان إدارة أمن إب، والذي لا يمكن الوثوق به؛ لأنّه طرف في القضية التي يتوجب توثيقها وتعيين ملابساتها بواسطة طرف مستقل، وبعيدًا عن رقابة الطرف المُتهم وتهديداته التي يمارسها على كلِّ من له صلة بالقضية.