مدينة مشهورة وميناء على ساحل بحر العرب، كانت تُعرف قديمًا باسم "الخيصة"؛ أي مكان الاصطياد، وأحيانًا باسم "بندر يعقوب"؛ نسبة إلى الولي المقبور فيها. وهي اليوم عاصمة محافظة حضرموت، وتقوم المدينة بين خليجين، وبيوتها عالية شامخة مطلية بالجير الأبيض من الداخل والخارج، فهي تشبه شريطًا أبيضَ اللون يحف بالبحر الأزرق، وخلفها سور جبلي شاهق يبلغ ارتفاعه 600 قدم، وبين قصورها العالية يمتد لسان من الأرض هو وسط المدينة، وعلى أحد جانبي هذا اللسان يقوم الميناء الذي ترسو فيه السفن.
والمكلأ -بالهمز- يعني الموقع الذي تُكلأ فيه السفن من العواصف البحرية، والرياح الشديدة، وهو ما ينطبق على بحر ساحل المكلا الذي يبتعد عن هيجان البحر العاصف، فهو خالٍ من الزوابع والعواصف.
قال مؤلف "إدام القوت": المكلَّا اسم دالٌّ على مسماه؛ فهو يكلأ السفن من الريح. وكان المكلا خيصة صغيرة لبني حسن والعكابر، وملجأً تعوذ به سفائن أهل الشحر والواردين إليه من الآفاق عندما يهيج البحر في أيام الخريف؛ لتأمن به من عواصف الرياح؛ لأنه مصون بالجبال، بخلاف ساحل الشِّحْر، فإنه مكشوف. وقد اتخذ الصيادون به أكواخًا ففرضت عليهم العكابر ضريبة خفيفة إزاء استيطانهم بها؛ لأنها حدود أرضهم، ثم ازدادت الأكواخ، واستوطنها كثير من العكابرة أنفسهم ونَاسٌ من أهل رُوْكب، ويقال إنه في أواخر القرن الحادي عشر أو أوائل الثاني عشر، وردَ المكلا أحد آل ذي ناخب اليافعيّين، وهو جد آل كساد، وبمجرد ما استقرّت به قدمه في المكلا، اتجهت همّته للتجارة والمضاربة مع أهل السفن، ثم اتفق هو وإياهم على شيء يدفعونه إليه برسم الحراسة، يعطي العكابرة وبني حسن بعضه، ويستأثر بالباقي إلى أن استقوى أمره، وضعف أمر أولئك، وانشق رأيهم، فما زال يتدرج حتى صار أميرًا للمكلا.
ويضيف مؤلف (إدام القوت)، أنّ للمكلا ذكر كثير في أخبار بدر أبو طويرق الكثيري (المتوفَّى سنة 977هـ) بسيئون، وشيء من ذلك لا ينافي كونها خيصة صغيرة قديمًا لذلك العهد، لم تعمر إلا في أيام الكسادي؛ لأنه ينكر وجودها من زمن متقدم إلّا أنّ كثرة المقابر بها يدلّ على عمران قديم، وقد يجاب بأنّها ربما كانت كلّها مقبرة للعكابر وبني حسن ومن داناهم؛ حرصًا على مجاورة الشيخ يعقوب المتوفَّى بالمكلا سنة 553هـ، وهو من آل باوزير، والبعض يقول إنه من آل الجيلاني. وقد عُمِّرَ كثير من تلك المقابر بعد دثورها مساكنَ ومساجدَ، كما كان فيها من العلماء في عهد الحكومة القعيطية: الشيخ عوض بن سعيد بن محمد بن ثعلب، الذي تولّى القضاء بها فيما قبل سنة 1313هـ، والشيخ عبد الله بن عوض باحشران، والشيخ سعيد بن مبارك باعامر وغيرهم.
وفي المكلا عدة مساجد، أشهرها: الجامع القديم، ومسجد الروضة بناه عمر المشهور ببو علامة بن علي بن شيخ بن أحمد بن علي بن الشيخ أبي بكر بن سالم المتوفَّى في شبام سنة 1278هـ، وجامع السلطان عمر، ومسجد النور، ومسجد باحليوة، وغيرها.
ومن بين أبرز معالم مدينة المكلا التاريخية الحصون المحيطة بها، والمسيطرة على مداخلها. وجاء في كتاب "الشامل" أنّ لمدينة المكلا شبه لسان ممتد في البحر يقال له رأس المكلا، ويطلق على طرفه اسم القشار، والقشار هو القسم الحجري منه يقشره البحر ويضربه الموج، وفي شرقي شبه اللسان المذكور بالجامع القديم والحافة القديمة، ويطلق عليها اسم البلاد إشعارًا بذلك، وفيه المسجد القديم وخطباؤه آل بازنبور يعتبرون من أهل المنطقة الأصليين، وفي الجانب الجنوبي الشرقي حافة العبيد، وأمّا الحصن الذي كان مقرَّ الحكومة وغربيه الفرضة فهو قبلي البلاد على شبه تل مرتفع، والفرضة هي المرسى الذي ترسو إليه السفن، وتنزل إليه البضائع والواردات، ويقابل الحصنَ المقبرةُ وهي رملة وبها قبر الشيخ يعقوب، ويقال إنّه ليس من أهل البلد، ولكنه غريب جاء إليها، فمات ودفن هناك، وأنه قديم العهد، وتحت الحصن كشاري (لعلها لفظة هندية)، وهو ثكنة عسكرية، ويمتد قسم البندر الذي يطلق عليه الحافة تحت القارة من الشرق إلى الغرب إلى نهاية السور والسدة القديمة، وهذه الحافة هي وجه البندر الذي يستقبل الناظر إليه من البحر، ثم بُنيت بعد سنة 1320هـ خارج السدة القديمة بيوتٌ كثيرة حسنة، وعددٌ من المساجد، وأكثر سكان البندر قادمون من دوعن، ووادي حضرموت. والخلاصة أنّ من أحياء مدينة المكلا، العيقة أو المسيال، وهي المساجد التي تتوسط أحياء مدينة المكلا، وفيها تمرّ مياه الأمطار والسيول التي تصب إلى البحر، ثم منطقة خَلْف، وهي التي تقع خلف الجبل، وفي شاطئها الكثيرُ من المواقع المناسبة للتمتع والاصطياف، هذا غير المناطق والشعب المحيطة بالمدينة، ومنها: الديس، الشرج، الفوة، بويش، البقرين، الحرشيات، سقم، السدد، الغليلة.
ويذكر صاحب (إدام القوت)، أنّ السلطان صالح القعيطي، وهو من العلماء، أخذ يناصر التعليم ويدعم المدارس، ويُغدق عليها الأموال، حتى لقد قيل إن ما ينفقه عليها سنويًا يبلغ أكثر من ثلاثمائة روبية بما يقارب ربع إيراد المكلا، وقد استجلب لها ناظرًا خبيرًا محنكًا من السودان، وهو الشيخ سعيد القدال، فأدارها أحسن إدارة، وظهر الأثر وأينع الثمر.
وذكر المؤرخ علوي الحداد في كتابه (الشامل)، أنّ المكلا أصلُه بالهمز (المكلأ)، ومعناه مرسى السفن، والموضع الذي تحبس فيه، وتستر من الريح. تقول العرب كلأ سفينته إذا أدناها من الشط، وهذا هو بندر حضرموت المشهور بهذا العصر، وقد ازداد شهرة بعدما عمرته الدولة القعيطية، واستقرّ بها سلاطينها، فصار مثابة للسفن التجارية ومستودعًا للبضائع وممرًّا للمسافرين والقادمين، وهو على طراز من البرّ واقع بين البحر والقارة الشامخة المعروفة بقارة المكلا.
تنقسم المكلا إلى مديريتين اثنتين؛ المديرية الأولى: تسمى مديرية مدينة المكلا، والثانية تسمى مديرية أرياف المكلا، حيث تعدّ الأولى مركزًا للمدينة، والثانية منطقة ريفية.
مدينة المكلا
هي منطقة تاريخية بها ثلاثة أحياء قديمة، هي :حي الشهيد (البلاد)، وحي الصيادين (الحارة)، بالإضافة إلى حي السلام.
توجد بها مقبرة يعقوب، أول مقبرة في مدينة المكلا، كما يوجد بها جامع السلطان عمر القعيطي الذي أنشئ في سنة 1929م.
منطقة السلام:
هي منطقة تجارية واقتصادية تكثر بها الأسواق والمراكز التجارية، وتُعدّ مقرًّا لأكبر الشركات والمنظمات. يمرّ من خلالها شارع السلام الذي يوصلها بمنطقة خلف مرورًا بالمكلا القديمة، كما يفصلها شارع عمر القعيطي، وهو شارع صغير يمر من خلفها، ويشكّل فاصلًا بينها وبين المكلا القديمة.
يوجد بها كورنيش السلام المعروف، وحي السلام الذي يُعدّ من الأحياء التي ترتفع فيها أسعار المساكن.
منطقة خلف:
خلف هي المنطقة التي تأتي خلف المكلا القديمة، وهذا هو سبب تسميتها، وهي منطقة كبيرة جدًّا، وتحتوي على عدة جادات، منها السياحية والترفيهية وأخرى صناعية وسكنية. يصل إليها شارع السلام الذي ينتهي عند جولة يمن الوحدة، حيث يكمل السير إليها شارع يقطع المنطقة كاملًا ويتصل مع شارع المطار تحتوي على ميناء المكلا، وبها أيضًا منطقة صناعية صغيرة تحتوي على شركات النفط ومصنع الغويزي لتعليب الأسماك، كما أنّ بها بعض المنتزهات، مثل كورنيش المحضار وشاليهات العطاس وملاهي بن هلابي وحديقة 26 سبتمبر، بالإضافة إلى فنادق راقية، مثل فندق المكلا رامادا، وفندق بحر العرب وفندق حضرموت العالمية.
منطقة الريان:
هي أحد أكبر المناطق الصناعية في المكلا، ويوجد بها مطار الريّان الدولي، كما أنّه يوجد بها عدة مصانع مثل مصانع تعليب الأسماك، ومصانع الصلب والإسمنت. يمرّ من خلالها شارع المطار الذي ينتهي في نهاية حدود المكلا، ويكمل طريقة إلى مديريات أخرى، مثل: غيل باوزير والشحر، ويتفرع منه خط المكلا - صنعاء.
منطقة بويش:
واحدة من المناطق السكنية، إلا أنّها تعدّ منطقة تجارية لتواجد عدة شركات كبرى فيها، ومراكز تجارية، وبها المقرّ الرئيسي لشركة النفط اليمنية، تتكون من الأحياء التالية: روكب، جول مسحة، العيص، فلك.
منطقة الديس:
هي المنطقة التي يوجد على أطرافها المعلم التاريخيّ حصن الغويزي، أحد معالم المكلا التاريخية، كما يمرّ منها شارع الغويزي الذي يتصل بشارع المطار وشارع البستان.
من أهم أحياء الديس :حي الغويزي، شعب البادية، حي البقرين، حي 14 أكتوبر، حي الشهداء، حي الشيشان، حارة باسويد.
جول الشفاء:
وهي قريبة جدًّا من منطقة الديس، توجد بها العديد من الدوائر الحكومية ومكاتب الوزارات، أكبر أحيائها هو شعب الغليلة، بالإضافة إلى حي المنورة، كما توجد بها عدة شوارع، منها شارع الملاعب الذي يوجد به ملعب الفقيد بارادم وشارع أكتوبر الذي يلتقي مع شارع البستان في جولة الكتاب.
منطقة الشرج:
وتسمى أيضًا بـ(وسط البلد(؛ وذلك لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط المكلا، تعدّ منطقة حيوية لوجود عدّة أسواق ومراكز تجارية بها، تتكون من عدة أحياء رئيسية هي حي العمال، وحي المنقد، وبعض الأحياء الشعبية، مثل حي باعبود وحي الكود.
شوارعها عبارة عن أسواق متنوعة، ولها أربعة شوارع رئيسية تسمى بالشارع الأول والثاني، وذلك لاحتضانها لأسواق متنوعة السلع والبضائع.
تطل منطقة الشرج على خور المكلا عن طريق شارع البنوك، الذي يمتد إلى جولة ابن عزون الواقعة بنفس المنطقة.
منطقة الغار الأحمر:
تطل هي الأخرى على الخور من جهة الغرب، وهي قريبة من الشرج، حيث يربطهم شارع الغار الأحمر. تعدّ منطقةً صغيرة نسبيًّا إلا أنّ بها العديد من المنتزهات والحدائق التي تطل على خور المكلا، كما يوجد بها عدة فنادق ومطاعم سياحية.
منطقة بلقيس:
تطل بلقيس على خور المكلا من جهة الشرق، وهي قريبة من منطقة السلام، يوجد بها شارع باجعمان الذي يمتد ليلتقي مع شارع الغار الأحمر عن طريق الجسر الصيني الذي يذهب إلى منطقة فوة عن طريق شارع القصر.
تعدّ منطقة بلقيس منطقةً تجارية أكثر منها سكنية لوجود بنايات حديثة ومحلات ومراكز تجارية كثيرة على شارعها.
منطقة فوة:
هي أكبر مناطق مدينة المكلا، ويمر بها شارع القصر الجمهوري بشكل طولي، ورغم مساحتها الشاسعة، يعدّ شارع القصر الشارعَ الرئيسي الوحيد بها، إلّا أنّ لها عدة شوارع فرعية تربطها بمنطقة الستين المجاورة لها، مثل شارع الشهيد أحمد ياسين، وشارع 22 مايو، توجد بها العديد من الأحياء السكنية الحديثة، مثل حي 40 شقة وحي بلفقيه، وحي الإنشاءات، وحي المستقبل بالإضافة إلى فوة القديمة، وحي ابن سيناء، وحي الإمام الشافعي، والطويلة، وجول الرماية، وحلة، والخمر.
منطقة الستين:
سميت بهذا الاسم لمرور شارع الستين بها، وهي مجاورة بشكل كبير لمنطقة فوة، توجد بها ساحة 22 مايو للعروض، وتتكون من بعض الأحياء الحديثة، مثل حي باجرش السكني والهاف مون، وتوجد بها العديد من الحدائق والمنتزهات، بالإضافة إلى كورنيش الستين. يلتقي شارع الستين من جهة الشرق في جولة شبام مع شارع العمودي الذي يلتقي هو الآخر مع شارع السلام عن طريق جسر المكلا، ويلتقي من جهة الغرب مع شارع القصر الجمهوري عن طريق جولة 22 مايو.
منطقة 40 شقة:
وسميت بهذا الاسم بسبب بناء أربعين وحدة سكنية فيها بدايةَ الثمانينيات، وهي مجاورة لمنطقة الهندسية، ومنطقة باعبود، ويوجد بها شركة بن مالك الاستثمارية.
أرياف المكلا
تتكون من الهضاب والوديان، ويسكنها البدو الرحّل والفلاحون. توجد في أرياف المكلا خمسة وديان رئيسية، هي:
أمّا القرى الرئيسية في أرياف المكلا، فهي:
المصدر:
- معجم البلدان والقبائل اليمنية، إبراهيم المقحفي، مكتبة الجيل الجديد، ط5، 2011.
- إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، دار المنهاج، ط1، 2005.
- الشامل في تاريخ حضرموت، علوي بن طاهر الحداد، اعتنى به وقدّمه وفهرس له: د.محمد أبوبكر باذيب، دار الفتح للدراسات والنشر، ط1، 2017.