"المخا"؛ تحديات تعيق استغلال المتاح

فرص واعدة في التنمية الاقتصادية
أ. د. محمد علي قحطان
May 27, 2024

"المخا"؛ تحديات تعيق استغلال المتاح

فرص واعدة في التنمية الاقتصادية
أ. د. محمد علي قحطان
May 27, 2024
الصورة لـ: حمزة مصطفى - خيوط

تعتبر "المخا" (غرب تعز) أهم المراكز الحضرية للشريط الساحلي للمحافظة، حيث تتوسط هذا الشريط الممتد من خارج مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة من جهة شمال المدينة وحتى منطقة باب المندب التابعة لمديرية "ذوباب"، والمطلة على المضيق الدولي "باب المندب"، بمسافة طولية تبلغ 138 كيلومترًا.

مديرية المخا التي تُقدّر مساحتها بحوالي 1617 كيلومترًا مربعًا؛ تبعد عن مدينة تعز بمسافة 100 كيلومتر، كما تبعد عن مدخل جزيرة ميون المطلة على مضيق باب المندب بمسافة 75 كيلومترًا، في حين تعتبر "المخا" مدينة عريقة يمتد تاريخها إلى ما قبل الإسلام، حسب ما تبينه نقوش حميرية، يمنية قديمة.

تتصدّر مهنة الصيد كافة المهن الأخرى لسكان المديرية بشكل عام، الذين يقدّر عددهم بحوالي 80 ألف نسمة، إذ تسود على عديدٍ من الأعمال الأخرى، مثل الأنشطة التجارية، والزراعة وتربية المواشي، والصناعات التقليدية الحرفية، كالأواني الفخارية والسلع الخزفية، والمهن الحرة.

يُعرف عن مدينة المخا أنها مركز تجاري منذ القرن السابع عشر الميلادي، بسبب أنها كانت تحتضن أهم موانئ الجزيرة العربية ودول الخليج والقرن الإفريقي، وكان يصدر منه البن اليمني للأسواق العالمية، المعروف باسم "موكا كوفي"، الذي عرف بجودة عالية على مستوى العالم في ذلك الوقت. كما عرف عن الميناء تصدير السلع اليمنية الأخرى، وأهمّها: الصبِر، البخور، أعواد الأراك، وكان المنفذ البحري الأول للواردات اليمنية من العالم الخارجي، وبالأخص من دول جنوب شرق آسيا، وكانت أهم الواردات عبارة عن البخور والتوابل والأقمشة.

وأهم الواردات حاليًّا، المواشي؛ نظرًا لقرب الميناء من موانئ الدول المصدرة لها، كالصومال وإريتريا وإثيوبيا، في ظل وجود محجرين للمواشي؛ قديم يقع في حرم الميناء، وآخر إقليمي خارج حرم المينا. 

تعتبر المعلومات التي تم سردها سابقًا، حصيلة تقصي ومعايشة واقعية للكاتب أثناء زيارة شخصية لمدينة المخا في بداية شهر فبراير/ شباط 2024، استمرت أسبوعين. ويمكننا بالإضافة إلى ذلك، بيان ما استخلصناه من الفرص والتحديات التي تواجه المخا حاليًّا.

الفرص المتاحة

تشكّل مدينة المخا أهم روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، من شأنها إحداث نقلة كبيرة في حياة المجتمع المحلي لمحافظة تعز، وبالوقت نفسه الإسهام الكبير في عملية النهوض الاقتصادي المنشود لمواجهة البطالة والفقر في اليمن.

استمرار ظاهرة التهريب، كونها نشاطًا عريقًا في سواحل الشريط الساحلي، وفي الوقت نفسه عدم تفعيل الميناء لحركة النقل البحري التجارية؛ من أهم التحديات القائمة لاستغلال الفرص المتاحة، إلى جانب غياب أو ضعف للبنى الأساسية، كالطرقات والشوارع وشبكات الكهرباء والمياه والخدمات العامة.

من خلال رصد أهم الفرص المتاحة، يبرز الموقع والتضاريس والمناخ والمساحة والسكان في الطليعة؛ هذه الخصائص تشكّل مقومات مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تقع مدينة المخا على أحد أهم شواطئ البحر الأحمر، وتطل على واحدة من أهم الطرق البحرية الدولية، وتتميز بخصائص جاذبة للتنمية من ناحية التضاريس والمناخ والمساحة الجغرافية الواسعة والممتدة لأهم مديريات محافظة تعز (ذوباب أو باب المندب، موزع، الوازعية، مقبنة)؛ لتشكّل معًا أكثر من نصف مساحة المحافظة البالغة 10032 كم2، ويسكنها تجمعات سكانية بسيطة ومنخفضة العدد.

لا تتجاوز نسبة سكان مديريات الساحل الخمس المشار إليها، 13% من إجمالي سكان المحافظة، المقدر بنحو أربعة ملايين نسمة، استنادًا للإسقاطات السكانية لنتائج آخِر تعداد سكاني عام لليمن نفِّذ في 2004، كما أنّ هناك الكثير من الموارد والمقومات الاقتصادية في مدينة المخا.

علاوة على ذلك، تحتضن مدينة المخا أهم الموارد والمقومات الاقتصادية الخاصة بمحافظة تعز، مثل الميناء الذي -كما أشرت له سابقًا- يعد أعرق الموانئ اليمنية على مستوى منطقة الجزيرة والخليج العربي، ويمتاز بقربه من الخط الدولي البحري لباب المندب، إذ تفصل الميناء عن الخط ستة كيلومترات، إضافة إلى المطار الدولي الذي تم استحداثه منذ عامين ويقع بالقرب من الميناء، وهناك إمكانية لتوسيعه ليصبح من أهم المطارات الدولية اليمنية، بالنظر لما يتمتع به موقع المطار من خصائص جغرافية وعوامل للتحديث والتطوير.

فيما تتميز المدينة بوجود "كورنيش" واسع، يمتد لمسافات كبيرة، ويتمتع بمواصفات سياحية عالمية فريدة وعالية الجودة، ويمكنه أن يكون أهم مرتكزات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لمجالات عدّة، أهمّها السياحة، وما تشكّله من أهمية لاستنهاض كافة الأنشطة الاقتصادية ومواجهة البطالة والفقر.

في السياق، تتميز "المخا" بتوفر فرص اقتصادية أخرى، حيث يوجد في المدينة محطة بخارية لتوليد الطاقة، وفي إطارها مدينة سكنية للعاملين، حيث كانت قبل الحرب تسهم في توليد نسبة عالية من احتياجات اليمن للطاقة الكهربائية، لكنها حاليًّا معطلة؛ بسبب تعرضها لأضرار أثناء الحرب، ولم يعَد إصلاحُها وتشغيلها.

كما توجد بيئة مناسبة لإنتاج الطاقة البديلة، كطاقة الرياح، والطاقة الشمسية. وهناك مشاريع قائمة في مجال الطاقة الشمسية، ولكنها وُضعت تحت إطار الاستثمارات الخاصة، الأمر الذي أدّى إلى أن تصبح أسعار البيع لوحداتها للمستهلك مرتفعة، تتجاوز قدرة المواطنين للحصول على احتياجاتهم منها، وفي الوقت نفسه فإنّ ارتفاع أسعار وحداتها يؤثر في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، فضلًا عن توفر إمكانية لتحلية مياه البحر للاستخدامات المنزلية والصناعية.

تجدر الإشارة في هذا الجانب إلى قطاع مهم يتمثل في الثروة السمكية، إذ يلاحظ نشاط الصيادين أثناء الدخول للبحر والعودة بكميات وفيرة من الأسماك بأنواع متعددة وعالية الجودة، حيث يعكس ما تتميز به المياه البحرية القريبة لشاطئ المدينة، والغنية بحقول الأسماك. ومعروف عن "الأسماك" كونها ثروة متجددة تسهم في تشغيل شباب المخا وقابلة للزيادة والتطوير، لتصبح من أهم عوامل التنمية في المحافظة في حال تم تطوير وسائل الصيد والاهتمام بهذا القطاع. إضافة إلى هذه الفرص المتاحة، هناك العديد من عوامل التنمية المتاحة وغير المستغلة بصورة صحيحة وكاملة؛ منها خصوبة الأرض وتوافر الظروف المناسبة للزراعة.

تحديات متعددة

بالمقابل، هناك العديد من التحديات تعيق استغلال ما هو متاح من فرص التنمية المشار إليها سابقًا. ويمكن في حالة عدم مواجهتها أن تُبقي هذه المدينة المهمة مهمشة كما كانت في الماضي، ومواردها ومقومات التنمية الاقتصادية فيها معطلة. ومن أهم هذه التحديات التي شاهدناها بوضوح، يمكن توضيحها بالآتي :

- الإدارة الحكومية: إدارة مؤسسات الدولة في المدينة لا تعنى بالاهتمام المناسب، حيث يمكن وصفها بالتقليدية، وتفتقر للكثير من متطلبات العمل الإداري الحديث، إذ يمكنها في حالة تحديث وتطوير مؤسساتها أن تصبح أهم المراكز الحضرية على مستوى المحافظة، وربما اليمن؛ لما تمتاز به من مقومات للتنمية الحضرية والعصرية.

- غياب التخطيط الحضري؛ فقد لوحظ أنّ هناك قدرًا عاليًا من الاهتمام بوضع المخططات الحضرية، وبدأ العمل بإسقاطها على الأرض، إلا أنّ العديد من المعوقات يمكنها التأثير السلبي على إنجاز هذا الجانب المهم للغاية، لتطوير مدينة المخا واستغلال مقدراتها التنموية. ومن أهم هذه المعوقات، ما يلي :

- انفلات إدارة أراضي وعقارات الدولة؛ حيث تحاول الاستيلاء على أراضٍ مملوكة للمواطنين من عشرات السنين تحت مبرر أنها للدولة، وكأن المُلّاك ليسوا من مواطني الدولة، رغم قبولهم بإنزال المخطط الحضري في أراضيهم المملوكة دون تعويض أو مقاومة.

كما يتم منع الناس من صيانة بيوتهم أو الإنشاء، وفقًا للمخطط الحضري، تحت نفس المبرر "أراضي الدولة"، واستمرار هذا الوضع، سيشكل أهم عامل طرد للتعمير والبناء والتنمية في المدينة.

- تقادم الميناء، وعدم الاهتمام بتسريع تحديثه وتطويره وإدخاله في الخدمة.

- الانتشار العسكري في الميناء والمطار والكورنيش ووسط المدينة؛ حيث تتموضع القوات داخل الميناء والمناطق المجاورة، التي منها مساحة المطار والكورنيش. وتلاحظ المعسكرات وسط المدينة؛ الأمر الذي يشكّل عائقًا بالغ التأثير على المخطط الحضري للمدينة، وسيعيق التنمية في حالة عدم إخراج المعسكرات لخارج المدينة.

- الرياح وما تحمله من الأتربة؛ بسبب عدم رصف كورنيش المدينة وجهوزيته للخدمات السياحية، إضافة إلى عدم سفلتة الشوارع التي يتم شقها، ومن بينها شارع الكورنيش، في حين تفتقر المدينة للأشجار الواقية من الرياح، وقد بُدِئ بالتشجير، ولكن بصورة محدودة وعناية غير كافية.

بالإضافة إلى أنّ استمرار ظاهرة التهريب، كونها نشاطًا عريقًا في سواحل الشريط الساحلي، وفي الوقت نفسه عدم تفعيل الميناء لحركة النقل البحري التجارية؛ من أهم التحديات القائمة، إلى جانب غياب أو ضعف البنى الأساسية، كالطرقات والشوارع وشبكات الكهرباء والمياه والخدمات العامة.

إمكانية للنمو

بناء على ما تقدّم، نستخلص بأنّه في حالة مواجهة التحديات والمعوقات التي أشرت إليها، وتشجيع التعمير والاستثمار، فإنّ مدينة المخا يمكن أن تصبح أهم المدن الحضرية، وستشهد نموًّا سريعًا في كافة المجالات التي تشكّل فرصًا متاحة للمدينة، ويمكن أن تشكّل مركزًا هامًّا للتنمية، وبيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والدولية، بحكم ارتباطها بمحيط جغرافي واسع وغنيّ بالموارد والمقومات الاقتصادية، إضافة إلى وجود أجندات لاستثمارات واعدة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English