ساهمت حدة الخطاب الديني المتشدد في بعض منابر المساجد في زيادة ثقافة الكراهية بالمجتمع، بل وكان لها أثر سلبي مباشر في بعض أعمال العنف والاعتداءات التي تطال مَن يتم التحريض عليهم من قبل خطباء المساجد في اليمن.
حيث سُجّلت عدة حوادث اعتداءات طالت فنانين ومبدعين وكتاب وصحفيين سياسيين ضحايا لهذا الخطاب، خلال السنوات الخمسة الأخيرة في عدة محافظات يمنية الواقعة تحت مختلف أطراف الصراع.
كما أثّر الخطاب الديني المتشدد، بالذات المتصاعد من منابر خطب الجمعة في بعض المساجد، في وعي المجتمع بشكل سلبي؛ لما يحمله من رسائل تحرّض بعضها على العنف والكراهية، في خلاف واضح لرسالة المسجد التي يجب أن تدعو إلى التعايش والوسطية والاعتدال والمحبة والقيم الإنسانية النبيلة.
خطاب متطرف
في تعز ظهر أحد خطباء المساجد في منطقة التحرير الأسفل بمديرية المظفر خلال الفترة الماضية، بسلسلة من خطب الجمعة التي تحرّض على حملة شبابية قام بها ناشطون، ومنهم نساء، تحت شعار "جوازي بلا وصاية"، والتي تناصر المرأة في الحصول على جواز سفر بدون عراقيل تتمثل في حضور ولي الأمر، ذهب خطيب الجمعة إلى القدح فيمن يقومون بالحملة والتحريض عليهم، باعتبارهم يقومون بعمل يساعد على تمرد المرأة على أسرتها.
وهو نفسه دعا في خطب سابقة للجمعة في مسجد بحي السلخانة بمدينة تعز، الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، إلى إيقاف حفلات فنية أقامتها السلطة المحلية، وجنّد نفسه بخطاب يؤجج الكراهية في المجتمع.
مدير مكتب الأوقاف بتعز، القاضي خالد البركاني، يؤكد في حديث لـ"خيوط"، أنّ على خطباء المساجد ورجال الدين التوقف عن تشويه الآخرين وإشاعة الكراهية في المجتمع، مشددًا على أنه في حال وجد هؤلاء فعلًا يرونه جريمة أو مخالفًا للقوانين العامة ويستعدي تدخل الجهات الحكومية المعنية عليهم أن يتواصلوا مع هذه الجهات للبتّ في هذا الأمر وعدم إصدار الأحكام على الآخرين والتحريض على سلامتهم.
يقول ناشط اجتماعي، إن خطب الجمعة يغلب عليها الطابع التعبوي والحشد والكراهية من بعض الخطباء، وزادت حدتها في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات.
كان لبعض الخطاب الديني التحريضي المنبعث من بعض منابر المساجد في تعز -كما ترى جهات مختصة- دورٌ في بعض حوادث العنف التي وقعت خلال الفترة الماضية، منها ما يثيره بعض خطباء الجوامع ومهاجمتهم للحفلات الفنية والثقافية التي تقام في مدينة تعز بأنها تشيع الفساد الأخلاقي.
بحسب البركان، فإن مكتب الأوقاف بتعز يعمل قدر المستطاع، على الارتقاء بالخطاب الديني بالذات في منابر المساجد وخطب الجمعة، خصوصًا في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها اليمن بشكل عام، ومحافظة تعز بشكل خاص، داعيًا إلى ما تتطلبه المرحلة الراهنة التي تستدعي خطابًا يوحد الصف ويحقق الوئام في المجتمع.
يرى البركاني أنّ بعض خطباء المساجد يتبنّى حملة موجهة إعلاميًّا مبنية على فهم ناقص، مذكرًا هؤلاء -وَفق حديثه- بأقوال السلف الصالح؛ بما معناه: والله لو رأيت الخمر تقطر من لحية صاحبي -وهو دليلٌ واضح وقوي على أنه كان يشرب الخمر- إلا أحسنت الظن به.
وحول خطورة خطاب الكراهية في محافظة تعز، يشير البركاني إلى أنه يعمل على التفرقة ويعمق الاختلاف وأطر التعايش السلمي في المجتمع.
رسائل التحريض
لا يختلف الأمر في صنعاء الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين) التي تثير مساجدها جدلًا واسعًا فيما يحصل من توظيف وتسيِيس لخطب الجمعة وما يتصاعد منها من خطاب متنامٍ في الكراهية بنَفَس مذهبيّ في أغلب الأحيان، إضافة إلى ما تحمله من رسائل سياسية تلعب دورًا سلبيًّا في المجتمع.
في هذا السياق، يقول الناشط الاجتماعي، عبدالله الشلبي لـ"خيوط"، إنّ خطب الجمعة يغلب عليها الطابع التعبوي والحشد والكراهية من بعض الخطباء، وزادت حدتها في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات.
يؤكّد الشلبي أنّ كثيرًا من المشاكل التي تحدث في بعض المحافظات يكون أحد أهم أسبابها خطاب الكراهية والعنف المتصاعد من بعض المساجد، لافتًا إلى أن بعض الخطباء -حسب تعبيره- يوظفون خطبة الجمعة لخدمة أجندتهم السياسية ضد خصومهم، وهذا -وفق حديثه- يخلق حالة من العداء أو الكراهية في أوساط المجتمع والتي بدورها تؤدي إلى ضرب المنظومة القيمية في المجتمع، خصوصًا قيم السلام والتعايش والقبول بالآخر والحرية.
متطرقًا إلى بعض الممارسات والأعمال التحريضية التي يقف خلفها خطباء الجمعة أو نتيجة حدة الخطاب الديني، منها مثلًا: منع عرض فيلم "عشرة أيام قبل الزفة" في تعز نتيجة حملة تحريض من قبل خطيب مسجد النور في المدينة، وكذلك حملات منع مناسبات فنية أو محلات ترفيهية في صنعاء وحملات تكسير لواجهات محال تجارية بسبب عروض ترويجية لملابس نسائية باعتبارها فعلًا محرّمًا دينيًّا، إذ تأتي مختلف هذه الأفعال من منطلق ديني قائم على آراء متشددة لخطباء المساجد.
في هذا الخصوص، يرى كتّاب ومثقفون أنّ الضرورة تقتضي الارتقاء بالخطاب الديني بحيث يوجه رسالة يفترض فيها النصيحة، وإصلاح حال الناس وشؤون حياتهم، بدلًا من التحريض وتحول الخطيب إلى دولة، إذ إن الفيصل في الأمر عندما يختلف الناس، هو القانون؛ لذلك لا بد من وجود الدولة التي يخضع لقانونها الجميع.