تشكّل مزارع العنب الجُبَرِيّ، لوحةً سندسية خضراء، ومنظرًا جماليًّا فريدًا، تأسر أعين وألباب العابرين بخضرتها الشاسعة، وعناقيدها المتدلية تبدو للناظرين بعد نضجها وكأنها جواهر منثورة تثير شهيتهم بجودتها ومذاقها السكريّ الآسِر.
يُزرع العنب الجُبري في عزلة بني جُبَر، بمديرية ذيبين، محافظة عمران، ويعدّ من أكثر الأنواع شهرة وأجودها، وأولها نضجًا ووصولًا إلى المستهلك، على مستوى اليمن، حيث يبدأ موسم حصاده مع بداية شهر يونيو/ حزيران بدرجة رئيسية، ويستمر مدة شهرين حتى أغسطس.
لكنه، وفق مزارعين تحدثوا لـ"خيوط"، يواجه كغيره من الأنواع الأخرى تحديات عديدة؛ أكثرها خطورةً المرضُ الفطري المسمى "البياض الزغبي"، الذي يتسبب في نقص الغلة، إضافة إلى آفة "الثربس" الحشرية التي تصيب الأوراق وتتسبّب بجفافها وتساقطها قبل اكتمال نموّها؛ حسب ما ذكره المزارع حسين البراشي في حديثه لـ"خيوط".
ويذكر المزارع في عمران، حسين البراشي، لـ"خيوط"، جانبًا آخر من التحديات، يتمثل بانتشار آفات كثيرة، منها "الذبابة" البيضاء (النسة)، و"البق الدقيقي"، اللتان تمتصّان عصارة الأوراق، وتتسبّبان بظهور "العسلة"، ونمو العفن الأسود، وكذا دودة أوراق العنب التي تعمل على قضم الأوراق والعناقيد غير الناضجة، إضافة إلى المرض الفطري المسمى "البياض الدقيقي" أو "الذحلة" الذي يسبب تشوهات موضعية وانفلاق ثمار العناقيد وتشققها ثم جفافها وتحولها إلى اللون البني.
ويشكو البراشي من غياب المبيدات الفعّالة للقضاء على الآفات والفطريات التي تهدّد العنب، وكذلك عدم وجود إرشاد وتسويق وتمويل مؤسسي لتشجيع التوسع في زراعة العنب، الذي تعدّ زراعته مكلفة وتحتاج مدخلات زراعية كثيرة، منها العمدان الحديدية أو الحجرية والأخشاب أو الحديد، وتكنولوجيا الري الحديثة، التي أصبحت أسعارها مرتفعة.
في شهر مايو/ أيار، يبدأ المزارعون بوضع اللمسات الأخيرة والاستعداد لجني فاكهة "العنب الجبري"، الذي يتصدر قائمة الأنواع التي تُنتجها عمران إلى جانب مزارع في المحافظات الأخرى، وبهما يفتتح العنب موسمه في شهر يونيو/ القادم، تزامُنًا مع حلول موعد "مذاري" الذرة في مناطق الإنتاج بمحافظة عمران، كما تأتي بقية الأنواع تباعًا من كل المزارع في المحافظات اليمنية التي يستمر إنتاجها حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، وقد يمتد إلى نوفمبر/ تشرين الثاني، في حال كان المناخ معتدلًا. وتسهم الظروف المناخية، مثل اعتدال درجة الحرارة وخصوبة التربة، في ارتفاع جودة العنب اليمني وتميزه.
مستوى الجودة
مع أنّ مديرية "ذيبين" تشتهر بزراعة العنب الجبري منذ القدم، فإنّ أعمار أشجاره في عزلة بني جُبر تتراوح ما بين 60 و80 عامًا، كما يفيد مسؤولون ومزارعون في محافظة عمران؛ وفقًا لما ذكره نجيب أبو ضربة، مدير إدارة الزراعة والري في المديرية، لـ"خيوط".
نجيب أبو ضربة، مدير إدارة الزراعة والري في "ذيبين"، يقول لـ"خيوط"، إنّ أعلى عائد سنوي يحصل عليه مزارعو العنب الجبري يتراوح بين مليون ومئتي ألف إلى ثلاثة ملايين ريال يمني (نحو 1900 دولار إلى 5500 دولار أمريكي).
وتصل نسبة حلاوة العنب الجبري (الجلوكوز) إلى 90 بالمئة، مقارنة بأنواع العنب الأخرى، ويتميز بوجود "الحصرم"، وهي مادة غذائية مفيدة للجسم؛ وفقًا لأبو ضربة.
وبحسب أبو ضربة، يبلغ الإنتاج السنوي لمحصول العنب في المديرية حوالي 4000 طن، بمساحة تُقدر بحوالي 450 هكتارًا. وتعد منطقة "المولدة" التابعة لمديرية "ذيبين" هي الأشهَر والأقدم في إنتاج أجود أنواع العنب الجُبَرِيّ.
وتحتل اليمن المرتبة السادسة عربيًّا من حيث إنتاج العنب بأنواعه، بحسب الدليل الإرشادي لزراعة وتداول العنب، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية عام 2020، الذي قدّر إنتاج اليمن بحوالي 136.227 طنًّا.
يعتبر العنب محصولًا نقديًّا واقتصاديًّا مدرًّا للدخل، ومن أبرز أعمدة الاقتصاد في الريف اليمني، يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الأيادي العاملة، ويسهم في تحسين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز التنمية الريفية؛ بحسب تأكيدات أستاذ الاقتصاد بجامعة عمران، الدكتور عباس الشطبي.
ويقول الشطبي لـ"خيوط"، إنّ العنب بشكل عام، تكاليف إنتاجه قليلة واحتياجاته المائية متوسطة، مقارنةً بالمحاصيل وأنواع الفواكه الأخرى.
وتصل المساحة المزروعة بالعنب في محافظة عمران إلى نحو 622 هكتارًا، وكمية إنتاج بلغت 6932 طنًّا، محتلة المركز الرابع، من إجمالي 12199 هكتارًا، بكمية إنتاج تُقدّر بنحو 145591 طنًّا، على مستوى اليمن؛ وفق بيانات إدارة الإحصاء التابعة لوزارة الزراعة والري بصنعاء، عام 2021.
وقد عُرف العنب بأنواعه المختلفة منذ القدم، بفوائده الغذائية العالية، فهو يحتوي على نسبة جيدة من السكريات سريعة الامتصاص وسهلة الهضم؛ حسب ما ذكرته اختصاصية التغذية يسرى الدناني، لـ"خيوط"، مضيفةً أنّ سكر الجلوكوز وسكر الفركتوز يتركّزَا بشكل كبير في العنب الذي يحتوي على (فيتامين ج) و(فيتامين ب)، وهو مفيد للعديد من الأمراض، لكن بالمقابل، تُنبّه الدناني من يعانون من ارتفاع السكر في الدم، بتجنب العنب كونه يعمل على رفع مستوى السكر عند تناوله خارج إطار الاحتياج اليومي.
يا جانيات العناقيد
وفقًا للموسوعة اليمنية، يعتبر العنب اليمني الأجودَ على مستوى العالم، ويكتسب شهرته من تنوّع أصنافه وألوانه وأشكاله المزروعة في مناطق مختلفة من اليمن تصل إلى حوالي 60 صنفًا، منها: الجُبَري، الرَّازقي، العاصِمي، الأسود العادي، الحاتمي، الزيتوني، الجوفي، وغيرها.
وارتبطت أغانٍ، وكذلك فنّانون، في الذاكرة الشعبية بالعنب ومواسمه، وكانت الإذاعات، ولا تزال، تواكب موسم العنب منذ الصباح الباكر ببثّها الأثيري للأغاني، أشهرها أغنية "يا جانيات العناقيد، طاب العنب طاب يا غيد"، للفنان أحمد السنيدار، يتبعه أيوب طارش مناديًا "يا عنب يا عنب، كل المواعيد أعناب"، فيما يصدح أبو بكر سالم "يا زارعين العنب، ما با تبيعونه!".