"كأنها ليلة من ليالي القيامة"؛ هكذا بدأ الحاج ناصر المرزوقي (65 عامًا)، أحد ساكني مخيّم "الغران" بالجوف (شمال شرقي اليمن)، حديثه وهو يصف ما حدث معه ومع أسرته المكونة من 15 فردًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، في الـ20 من شهر أبريل/ نيسان، عندما غمرت السيول مسكنهم، وأخذت ما تبقَّى لهم من بقايا المسكن.
أسرة الحاج "المرزوقي" واحدةٌ من عشرات الأُسَر النازحة التي تضررت نتيجة السيول في مخيمات النزوح بمحافظة الجوف، على امتداد المناطق اليمنية التي تأثرت بالمنخفض الجوي "الهدير"، وكان لها نصيب من المعاناة الإنسانية بسبب الحرب والصراع في اليمن، والكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيّرات المناخية التي تضرب البلاد.
تتوالى الكوارث على اليمنيّين، وتزداد حدّة معاناتهم يومًا بعد آخر؛ مع تفاقم الأزمة الإنسانية والانعكاسات السلبية للحرب المستمرة في البلاد أكثر من تسع سنوات، حيث يجدون أنفسهم عالقين في دوامة الفقر وعدم الاستقرار، لتضيف الكوارث البيئية تهديدًا إضافيًّا على حياتهم، وتعرضهم إلى خطر فقدان مساكنهم وممتلكاتهم الضئيلة.
المنخفض الجوي الأخير "الهدير" الذي ضرب دولة الإمارات العربية، وسلطنة عمان، خلال الأيام الماضية، وصل مداه إلى محافظة حضرموت (جنوب شرق اليمن)، ومحافظة المهرة، وعددٍ من المحافظات اليمنية الشرقية، وخلّف آثارًا مأساوية على الأرض والإنسان، وصلت إلى مخيمات النازحين في محافظة الجوف.
لم تتوقف معاناة النازحين في الجوف عند حدود التشرّد والفقر والجوع مع بروز عوامل أخرى كالطبيعة وتغيرات المناخ، حيث تسبّبت الأمطار الغزيرة والسيول الناتجة عن المنخفض الجوي الذي ضرب قبل أيام محافظات اليمن الشرقية، في جرف مخيمات النازحين، في مناطق الغران والريان والمحتفر والحرج.
ترصد "خيوط"، في هذا الصدد تضرُّر نحو 1700 أسرة، يُقدّر عددها بنحو 9100 فرد من ساكني هذه المخيمات، في حين تذكر الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، أنّ هذه التجمعات من المخيمات الواقعة في المنطقة الشرقية الشمالية لمحافظة الجوف، يقطنها أكثر من 3123 أسرة نازحة في مناطق صحراوية، ويسكنون في مساكن إيوائية مؤقتة من الخيام، تكون عرضة للعواصف والسيول الجارفة.
يواصل الحاج ناصر قصتَه بكثير من الأسى والوجع، بالقول لـ"خيوط": "وصلتنا عاصفة ليليّة مُحمّلة بالأمطار الغزيرة والسيول الجارفة وقطرات الثلج (البَرَد)، حتى إنّني لم أعد أرى أحدًا من جيراني، ولم يبقَ من (القش) -يقصد الخيمة- التي أسكُنها إلا قطع صغيرة متهالكة".
ويضيف أنّه فرّ مع أسرته، تاركًا خلفه كل مقتنياتهم الأسرية؛ للنجاة من الموت المحقّق وأسرته من الغرق، ولكن عند ركوبه السيارة لحقته هو وأسرته قطرات الثلج حتى انكسر زجاج السيارة، وأصبحوا عرضة للغرق قبل أن يأتي أحد الشباب المجاورين لمخيم النزوح، لإنقاذهم، حدّ تعبيره. وتابع حديثه: "عند انتهاء العاصفة في الصباح، فوجئت بأنّ كل شيء قد تدمر، المطبخ والخيمة ودورة المياه، وحتى المواشي لم تعد موجودة، وكل شيء في المسكن، جرفته السيول".
تشمل الأضرار، التي لحقت بمساكن النازحين؛ تلف المساكن المؤقتة ومستلزماتها (الخيام)، وتضرر خزانات المياه ومياه الصرف الصحي، وفقدان مقتنيات الأُسَر والثروة الحيوانية في أوساط التجمعات، والطاقة الشمسية التي يعتمد عليها النازحون في المخيمات، لعدم وجود مصدر كهربائي آخر، إضافة إلى تلف المواد الغذائية، والكثير من الأضرار المادية والعينية.
تسبّب المنخفض الجوي في قطع عددٍ من الطرقات الرئيسية، وأدّى إلى انقطاع تيار الكهرباء على عدد من محافظات اليمن التي طالها المنخفض، ونال النصيب الأكبر من المعاناة النازحون في مخيمات النزوح بمحافظة الجوف.
وضاعفت الأمطار الغزيرة غير المعهودة خلال السنوات الماضية، معاناةَ النازحين، وقطّعت أوصالهم، ودمرت ما تبقى من منازلهم الرثّة المكونة من الخيام، خاصة في مخيم الريان والغران والمحتفر والحرج (شمال شرق محافظة الجوف)، وجعلتهم يكابدون الوجع، ويعايشون الألم في ظل حياة صعبة تعيشها أُسَر النازحين على مدى سنوات الحرب الماضية في اليمن.
الطبيعة تُفاقِم مآسي النزوح
في السياق، يقول النازح مبارك بن صالح (47 عامًا)، وهو أحد المتضررين في مخيم "الغران"، لـ"خيوط": "أصبحنا الآن في العراء، مرميّين لا نمتلك أيّ شيء من مقومات الحياة، ولا نجد في المخيم ما نطعم أولادنا، ولم يعد لدينا خيمة نأوي إليها بعد أن جرف السيل خيمتي وما يوجد فيها من قوت يومنا، وحتى ثيابنا جرفتها السيول".
وتساءل "بن صالح" بكل حسرة: "من أين نبدأ وماذا نفعل بعد أن أخذت السيول كلّ ما لدينا، ولم تسلم سوى أجسادنا؟!"، مؤكدًا غياب دور المنظمات الإنسانية والجهات العاملة في مجال المساعدات الطارئة، وسط هذه الكارثة التي أصابتهم في الصحراء ذات الحرارة العالية والعواصف الكثيرة، بعد أن أصبح وضعهم صعبًا بسبب الأمطار والسيول وفقدان مساكنهم وكل حاجاتهم.
في هذا الصدد، دقّت الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية ناقوس الخطر، وأوضحت اللجنة الفرعية للإغاثة في محافظة الجوف، أنّ الكثير من الأسَر تضرّرت نتيجة المنخفض الجوي الذي ضرب مديرية خب والشغف، والمخيمات، التي تحتوي على 3123 أسرة في أكثر من 49 تجمعًا للنازحين المتضررين من الحرب.
وقالت اللجنة في تقرير صدر عنها بتاريخ 21 أبريل/ نيسان، إنّ عدد المتضررين في مخيمات نزوح القطاع الشمالي للمحافظة طال 300 أسرة، منها 115 أسرة تضررت بشكل كلي، و185 بشكل جزئي من جرّاء الأمطار الغزيرة والسيول في نفس الليلة.
وأضاف التقرير أنّ "أبرز الاحتياجات التي تأتي أولوية للنازحين: ما يزيد على 324 مأوى، ومواد غير غذائية، و50 خزان مياه للشرب، و72 دورة مياه للأُسَر المتضررة من السيول في تجمع النازحين، وأنّ هناك 300 أسرة بحاجة إلى مواد غذائية لفقدانها ما كانت تحويه من مواد غذائية من جراء هذا المنخفض".
تحذيرات من تغير المناخ وغياب الدعم
كانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، توقعت في تقرير صادر مطلع أبريل/ نيسان، حدوث فيضانات في المناطق المنخفضة في اليمن، مثل حضرموت والمهرة، تبدأ من 20 أبريل/ نيسان، حيث كانت أجزاءٌ في الشرق الشمالي من محافظة الجوف، ضمن المنطقة المحددة التي توقعت المنظمة أن تشهد حدوث سيول وأمطار غزيرة.
وذكرت المنظمة في تقرير نشره مركز الإنذار المبكر للأرصاد الجوية الزراعية، أنّ باقي البلاد سوف تتعرض لتغير خفيف في هطول الأمطار، متوقعةً هطول أمطار تتجاوز 150 ملم، في الأجزاء الشمالية من البلاد، مثل صنعاء وصعدة وإب وحجة.
إلى ذلك، وجّه رئيس اللجنة الفرعية للإغاثة في المحافظة، فهد جار الله، مناشدات عبر وسائل الإعلام، للمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، بالتدخل السريع لإنقاذ حياة مئات الأسر المتضررة، مؤكّدًا أنّه لم تصل إلى مخيم "الغران" الشمالي أيُّ مساعدات إنسانية من أيّ جهة محلية أو دولية، بعد تعرضهم للمنخفض الجوي، حيث يحتوي المخيم على أكثر من خمسة عشر تجمع للنازحين، أغلبها تضررت بشكلٍ كليّ، و185 أسرة تضررت بشكل جزئي.
وأشار جار الله، إلى أنّ هناك أُسرًا لها أكثر من يومين تعيش في العراء، لا يملكون موادًّا غذائية، ولا يجدون ما يأكلون، وفقَدوا خزانات المياه، ولا يتوفر لديهم خيام أو فرُش يحتمون به، فقد تلفت من جراء هذه الكارثة التي حلّت بالنازحين.
تشمل الأضرار، التي لحقت بمساكن النازحين؛ تلف المساكن المؤقتة ومستلزماتها (الخيام)، وتضرُّر خزانات المياه ومياه الصرف الصحي، وفقدان مقتنيات الأُسر والثروة الحيوانية في أوساط التجمعات، والطاقة الشمسية التي يعتمد عليها النازحون في المخيمات لعدم وجود مصدر كهربائي آخر، إضافة إلى تلف المواد الغذائية، والكثير من الأضرار المادية والعينية؛ وفق اللجنة الفرعية للإغاثة في محافظة الجوف.
يقول محمد المرزوقي، وهو نازح متضرر في مخيم العزان، لـ"خيوط"، إنّ على الجهات الرسمية الحكومية في محافظة الجوف، والمنظمات الإنساني القيام بواجبها الإنساني وإنقاذ الأُسَر النازحة من هذه الكارثة، مضيفًا أنّ ساكني المخيم في حالة انتظار لأيّ جهة تقوم بدورها الإنساني وإمدادهم بالمواد الأساسية التي تُبقيهم على قيد الحياة، في إشارة إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه الأُسَر في المخيمات.
استمرار المعاناة مع تقلبات الأحوال الجوية
تتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، استمرار ارتفاع درجة الحرارة التي قد تصل إلى (37-40) درجة مئوية في مناطق البحر الأحمر وخليج عدن (الحديدة وتعز وعدن ولحج وأبين)، محذِّرة من تأثير درجة الحرارة المرتفعة على الغطاء النباتي من خلال استنزاف مياه التربة بشكل كثيف، وتأثيرها سلبًا على الثروة الحيوانية وإنتاج الحليب، وتزايد قابلية الإصابة بالأمراض والطفيليات.
إلى جانب ذلك، الأرصاد الجوي اليمني، كان قد حذّر في منتصف شهر أبريل/ نيسان، المواطنين من حدوث هطول أمطار غزيرة على المناطق الساحلية مع ارتفاع درجة الحرارة، ليجد النازحون أنفسَهم بين سندان المعاناة ومطرقة الواقع المرير الذي ألمّ بهم خلال السنوات الماضية، مستسلمين للكوارث دون أن يكون باليد حيلة للنجاة.
بالمقابل، أكّد تقرير صادر في 25 أبريل/ نيسان، عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنّ ما يقارب 90% من النازحين داخليًّا في اليمن، غير قادرين على تلبية احتياجاتهم اليومية من الغذاء، بفعل تفاقم نقاط الضعف وتآكل القدرة على الصمود والتكيف بعد تسع سنوات من الصراع. علاوة على ذلك، تشير المفوضية إلى تفاقم معاناة الأسر النازحة في اليمن على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، حيث تبين نتائج التقييمات التي أجرتها خلال العام الماضي، أن 11% فقط من النازحين داخليًّا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية، مقابل 89% منهم غير قادرين على تغطية ما يحتاجونه من غذاء، مع تفاقم نقاط الضعف وتآكل القدرة على الصمود والتكيف في أوساطهم.