علي صالح عباد (مقبل)، قائد سياسي، مناضل، ثائر، أحد رموز الحركة الوطنية في اليمن، وأحد مناضلي تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني.
ولد علي صالح عباد مقبل في قرية «الدرجاج» عام 1942، وهو ينتمي إلى قبيلة آل حيدرة منصور، وهم فخيذة من سلاطين السلطنة الفضلية، وينحدر من أسرة فلاحية متعلمة.
والده صالح عباد سنان كان شاعرًا، وأخوه الدكتور أحمد صالح عباد كان عميدًا لكلية التربية، وقتل في أحداث 13 يناير 1986، وبقية إخوته الثلاثة مهندسون.
وهو متزوج ولديه ولد وبنتان.
درس المدرسة الابتدائية في قرية الدرجاج، ثم أكمل المتوسطة في زنجبار، والتحق بدار المعلمين في عدن.
حصل على دبلوم اجتماعية من جامعة "كارل ماركس" في ألمانيا الشرقية في العام 1972، وعمل مدرسًا في أبين- قرية "الدرجاج"، وفي "المسيمير، الحواشب".
انخرط في صفوف حركة القوميين العرب في العام 1961. وبعد قيام ثورة 14 أكتوبر 1963، انخرط مقبل في النضال ضد الاحتلال البريطاني، ما سبب له الأذى والمعاناة من قبل أهله وأقاربه في السلطة.
يعتبر مقبل أحد القيادات التاريخية لليمن، ومن الرعيل الأول الذين أسهموا في تحرير جنوب اليمن، وخاض حرب التحرير جنبًا إلى جنب مع رفاقه المناضلين والثوار، أمثال قحطان الشعبي، وفيصل عبداللطيف، وسالم ربيع علي، ومحمد علي (عريم)، وناصر صدح، وآخرين.
في العام 1963، أُسست أول خلية حزبية في عدن، وكان روادها الأستاذ عبدالله باذيب، وعلي صالح عباد (مقبل)، وعبدالله الخامري.
كانت حياة علي صالح عباد (مقبل)، رحلة متواصلة في طريق السعي إلى التحرر والاستقلال والكرامة، ويعد من أوائل المناضلين الذين أسهموا في طرد ما سمي بالاستعمار الأنجلو- سلاطيني في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967.
شارك في الإعداد والتحضير للمؤتمر الأول والثاني والثالث للجبهة القومية مع سالم ربيع علي، وعبدالله الخامري، وعبدالله صالح البار، وآخرين من أعضاء الجبهة القومية.
بعد الاستقلال، وفي المؤتمر العام الرابع للتنظيم السياسي للجبهة القومية، قاد مقبل صراعًا مع حكومة ما بعد الاستقلال، وتم اعتقاله هو ومجموعة من رفاقه، الذين تمكن بعضهم من الهروب إلى أبين (زنجبار).
كرد فعل لحركة 20 مارس، تمكن مقبل مع رفيقه سالم ربيع علي، وجاعم صالح وآخرين، من ترتيب صفوف المناضلين والشباب، وبدؤوا ما سميت بحركة 14 مايو التي قادها صالح عباد ورفاقه من أجل "إعادة تصحيح مسار الثورة"، وهو ما أسفر عن "حركة 22 يونيو التصحيحية"، التي جاءت بسالم ربيّع رئيسًا للجمهورية المستقلة حديثًا.
قبل "الحركة التصحيحية" تم نفي علي صالح عباد (مقبل) إلى القاهرة، بعد تجريده من عضوية القيادة العامة للجبهة القومية من قبل حكومة ما بعد الاستقلال.
بعد الخطوة التصحيحية عاد مقبل إلى عدن؛ بسبب إصرار علي سالم البيض، والرئيس سالمين الذي تقلد منصب رئيس الجمهورية، ولكن سرعان ما دبّ الخلاف مع بعض رفاقه؛ فقررت الحكومة الجديدة وأعضاء القيادة العامة للجبهة القومية ابتعاث مقبل في منحة دراسية إلى ألمانيا الشرقية، لينال بعدها دبلومًا في العلوم الاجتماعية من "جامعة كارل ماركس".
مع بداية الإعداد والتحضير لانعقاد المؤتمر العام الخامس للجبهة القومية، تم إرسال وفد من عدن إلى ألمانيا، لإقناع علي صالح عباد (مقبل) بالعودة إلى عدن، والإسهام في التحضير للمؤتمر، الذي تمخض عنه انتخابه رئيسًا لهيئة سكرتارية اللجنة المركزية، التي شهدت تطورًا ثقافيًّا ونموًّا اقتصاديًّا، واستتباب الوضع الأمني في عموم محافظات الجنوب، وكان ذلك في العام 1972.
بعد الانقلاب على رئيس الجمهورية سالم ربيع علي في العام 1978، تم تسريح "مقبل" من كافة مناصبه الرسمية والحزبية، ليودع في السجن مع مجموعة من رفاقه، كحسن باعوم، وعبدالله صالح البار، وسالم باجميل، وصالح أحمد النينو.
في أكتوبر/ تشرين الأول 1984، وبعد أربع سنوات في السجن، أطلق سراح مقبل ورفاقه، وبعدها بأشهر أصدر الرئيس علي ناصر محمد قرارًا يقضي بتعيين مقبل نائبًا لرئيس مجلس السلم والتضامن الذي كان يرأسه عبد الله الخامري.
في العام 1985، في المؤتمر الاستثنائي للحزب الاشتراكي اليمني، اختير مقبل عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، وكان ذلك كإعادة اعتبار له.
في 13 يناير/ كانون الثاني 1986، وعلى إثر الصراع الدموي والأحداث المأساوية التي شهدتها البلاد، نزح مقبل إلى صنعاء مع رفيقه الرئيس علي ناصر محمد وآخرين.
بعد الوحدة، وفي العام 1992، عين مقبل سكرتيرًا أول لمنظمة الحزب الاشتراكي- بمحافظة أبين، وشهد الحزب خلال إدارته تحسّنًا تنظيميًّا وسياسيًّا وجماهيريًّا، وتعرض حينها لمحاولة اغتيال فاشلة.
في العام 1993، تم ترشيح "مقبل" لعضوية مجلس النواب في الدائرة رقم (123) في زنجبار عن الحزب الاشتراكي، ونجح بفارق أصوات كثيرة، واختير نائبًا لرئيس مجلس النواب، ممثلًا عن الحزب.
بعد حرب 94 على الجنوب، شكل مقبل خلية عمل تنظيمية وقيادية من أعضاء مجلس النواب عن الحزب الاشتراكي، واستطاع أن يضمهم كل كأعضاء في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، ونتج عن ذلك انتخابه أمينًا عامًّا للحزب الاشتراكي، والذي بفضله تمكن من إعادة بناء الحزب وتماسكه ووحدته.
في العام 1999، اختير مقبل لخوض انتخابات الرئاسة بتوافق اللقاء المشترك، الذي قدم مقبل مرشحًا ممثلًا عنه، ولكن لم يحظَ مقبل بالتزكية من قبل شريكي السلطة بعد حرب 94؛ المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.
ظهر مقبل كشخصية فريدة ومتميزة بعد حرب 1994، وهي الحرب التي مثلت انكسارًا للوحدة اليمنية، وتعطيلًا للشراكة فيها بين قوى الشمال وقوى الجنوب، وقد ظن الجميع أن شريكي الظفر العسكري قد حققا انتصارًا ساحقًا على الحزب الاشتراكي خاصة، والسيطرة على الجنوب عمومًا، إلا أن مقبل استمر في إعادة هيكلة الحزب الاشتراكي، رغم التهديدات التي كان يتلقاها، كما استمرّ في طرح الأفكار لإصلاح مسار الوحدة اليمنية وإزالة أثر حرب 94.
عاش مقبل حياته رغم قسوتها مترفعًا وزاهدًا ورافضًا كل الإغراءات، مختطًّا لذاته طريقًا وطنيًّا نزيهًا، أوصله إلى قلوب ملايين من الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا.
ينتمي الراحل "مقبل" بصورة جلية إلى زمن القادة الاستثنائيين بكل أصالة واقتدار. كان مقبل حاضرًا كقائد سياسي من الطراز الرفيع، ولطالما تجلت إراداته القوية في أوقات المحن والشدائد وفي تلك اللحظات التي تتطلب الشجاعة وصلابة الموقف.
انحاز مقبل في كل المنعطفات التاريخية لأبناء شعبه وقضاياهم العادلة، معبرًا بصدق عن مصالحهم وتطلعاتهم النبيلة في حياة حرة وكريمة، وكان من حملة مشروع الدولة المدنية الحديثة - دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية.
لقد برزت جسارة هذا القائد الشجاع بشكل لا لبس فيه، حينما قاد حزبنا وأمانته العامة في ظرف استثنائي، وفي أصعب المنعطفات إثر حرب 1994 الظالمة، متحديًا الصعاب، وأشكال الحصار والملاحقة المفروضة عليه خلال تلك الفترة العصيبة بفعل سلطة 7/7 التي استهدفت إقصاء حزبنا والجنوب في آن واحد من الشراكة الفعلية والحقيقية في سياق المعادلة الوطنية، التي كانت تهدف إلى صنع وطن موحد ومعافى للجميع".
"لم تكن قضية علي صالح عباد يومًا ما شخصية ولا آنية؛ فالرجل ولد لأسرة غنية، وربما فاقت ممتلكاتها من الأراضي المزروعة ممتلكات السلطان الفضلي، وعندما ذهبت الثورة إلى إجراء الإصلاح الزراعي تحيز علي صالح عباد لشعار "الأرض لمن يفلحها"، ووقف بصرامة إلى جانب صغار الفلاحين وفقرائهم، وهو من هذه الناحية ماثل كبار الثوار الذين هزوا عروش الطغاة منذ خمسينيات القرن الماضي، وعلى رأسهم الثائر فيدل كاسترو".
علي صالح عباد مقبل، علم من أعلام الكفاح الوطني وحرب التحرير الشعبية ضد المستعمر البريطاني.
هذا المناضل العتيد كان بطلًا من أبطال حرب التحرير، ورمزًا من رموزها. منذ بداية الكفاح المسلح ضد بريطانيا. كان مقبل في قلب الثورة، أسرة "مقبل" من الأسر الكبيرة ذات الأملاك الشاسعة، لعب مقبل دورًا كبيرًا في مصادرة الملكيات الكبيرة لصالح الثورة، ووقف إلى جانب الزعيم الوطني علي سالم ربيع "سالمين" كأمين مساعد مع المناضل الرمز الثقافي والإبداعي عبدالفتاح إسماعيل.
لــ"مقبل" مواقف مع علي عبدالله صالح بعد الحرب، تشهد على مدى شجاعته وصراحته؛ فعندما قال له: أين الأموال المدنسة التي نهبها الاشتراكي؟
وضع مقبل يده على بطن صالح، وقال له: الأموال المدنسة هنا!
بكل تأكيد، نظافة مقبل، وشجاعته، وصراحته هي ما أعاد الاعتبار للحزب بعد حرب 94 .
تصدى مقبل للمهمة (بناء الحزب) ببطولة تراجيدية؛ ضحّى فيها بأمنه وسلامته وسلامة عائلته التي كانت هي الأخرى تتعرض للتهديد، والإساءة، والحصار، والتجريم، وقد كان جزء من القيادات القديمة، والقديمة-الجديدة غير مقتنعة بقيادته، وبعضهم يجتر خصومات الماضي، والرجل - مع ذلك - صارم لا يقبل المساومة، أو المجاملة، أو الممالأة وهو - قبل ذلك، وبعد ذلك - يعاني من متاعب صحية من آثار الرصاص التي أنهكت جسده النحيل".
وفي حياته انتشر بيتان من الشعر الشعبي قالهما فيه شاعر من أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني:
«سلام مني للرجال المُقْنِفة [ذوي الأنفة]
ذي ما يوطّيها سوى رب العبادْ
الحزب علمنا أصول المعرفة
والصبر علمنا علي صالح عُباد».
وتنسب هذه الأبيات للشاعر والمحامي يحيى غالب أحمد.
المصدر: