يحتل الإعلامي المخضرم علي العصري مكانةً كبيرة في قلوب ووجدان اليمنيين بشكل عام، والرياضيين على وجه الخصوص، حيث ارتبط بالذاكرة الرياضية لليمن، وصوته الرنان والمميز في برنامجه الشهير "الشباب والرياضة".
هذا البرنامج الذي ظلّ عقودًا يقدّمه كتحفة رياضية في زمن لم تكن هناك بعدُ ثورةٌ تقنية، ولم يكن للفضاء الإلكتروني أيّ حضور؛ كان هناك (علي العصري) بمثابة ظاهرة إعلامية قل نظيرها في ذلك الوقت، أو حتى في وقتنا الراهن الذي استحوذت عليه هذه التطورات التقنية المتلاحقة ومواقع التواصل الاجتماعي.
موسوعة رياضية
علي العصري مثل ناي يطرب ويئن؛ لم تكن أنغامه إلا ترجمة حقيقية لنبضات قلب عاشق حباه الله قبولًا في كل شيء؛ فالأذن تعشق كل جميل، والنغم الذي ينبعث وينبثق من كلاسيكيات غناء زمان، وعلي العصري نغم خالد يحيا في ذاكرتنا، ويمد آذاننا بعصر ذهبي لم ينافس فيه علي العصري إلا العصري علي.
هكذا يصفه الكاتب الرياضي الشهير محمد العولقي، الذي يعتبر موسوعة كروية، وحكيمًا رياضيًّا، إذ تعدّدت الألقاب وبقي علي العصري ذلك الإنسان البسيط الذي لا يصدأ معدنه.
تذكره الكتّاب والرياضيون، والجميع، بعد أن نال منه المرض والتعب والإهمال والنسيان، حيث يعاني الأمرّين مع المرض والمعاناة والنسيان، ما جعل قلوب ومشاعر اليمنيين تنتحب علي العصري نحيب وطن، نحيب حقبة زمنية، كما يقول "محمد العولقي" فيها من اللمعان ما فرضت العصري وحيد زمانه.
قدّم (علي العصري) إسهامات وعطاءات حافلة خلال مشواره المتميز في التعليق الرياضي منذ أكثر من 30 عامًا، وتقديم البرامج الرياضية عبر قناة اليمن الفضائية والقناة المحلية، وكذا مشاركته في التعليق على المستوى العربي في أكثر من محفل.
حلّق في سماء الإعلام الرياضي عقودًا من الزمن، وارتبط اسمه بالرياضة في اليمن، وصار مرادفًا لها سنوات طويلة، وظل حلقة وصل بين الرياضة اليمنية وجمهورها طيلة مشواره الإبداعي الرياضي والإعلامي.
سيرة حافلة
ترصد "خيوط" سيرته الذاتية الحافلة بالأعمال الرياضية والنجومية في عمر مبكر، حيث جمع بين المجال الإعلامي والرياضي، فقد لعب ومارس كرة القدم في وقت مبكر، بدأ مشواره لاعبًا في نادي وحدة صنعاء، وشارك مع المنتخب اليمني في مباريات خارجية عدة، لكن إصابته في عام 1979 منعته من مواصلة مشواره في كرة القدم.
أما في مجال الإعلام فقد بدأ علي العصري بتقديم أول برنامج رياضي في إذاعة صنعاء عام 1982، انتقل بعدها إلى التلفزيون، وهناك برز كنجم تلفزيوني بلا منافس في إستوديو الرياضة، ومن خلاله استمر عطاؤه في المجال الرياضي بتألق وتميز خلال مشوار استمر عقودًا، تخلله مشاركة فاعلة على المستوى العالمي معلقًا في اتحاد الإذاعات والتلفزيون العربي، حيث شارك معلِّقًا في عديد من البطولات العالمية الكبيرة، مثل كأس العالم والألعاب الأولمبية.
يقول علي العصري عن بدايته في مقابلة صحفية سابقة أجراها مع أحد المواقع الرياضية اليمنية: "البداية كرياضي عام 1965، في نادي وحدة صنعاء عندما انتقلت للدراسة في مدرسة الوحدة، وكان هناك نادي الوحدة، ولأن كل الطلاب كانوا يأتون من المحافظات ومن القرى، كان هناك القسم الداخلي الذي يجمع كل الطلاب، ومنهم الرياضيون".
يضيف: "بعد أن تخرجت من الثانوية كان هناك طلب من القوة الجوية لطيارين، فذهبت للالتحاق بالقوة الجوية لأكون طيارًا، قضيت سنتين، إلى عام 1972 في مطار الجوية، بعدها حصلت ظروف أجبرتني على إنهاء علاقتي بالقوة الجوية، وذهبت بعدها والتقيت إبراهيم الحمدي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وسألني: لماذا تركت الجوية؟ وذكرت له الأسباب، فأعطاني ورقة إلى أحمد دهمش وزير الإعلام آنذاك ليبحث لي عن وظيفة، ودهمش وجّه رسالة إلى الإذاعة فذهبت إليها ووجدت القائمين عليها فقاموا بامتحاني وتم قبولي."
في الإذاعة كانت بداية العصري في برنامج الزراعة، قبل أن يقنع القائمون على الإذاعة بضرورة وجود برنامج رياضي، ونقل المباريات، فكانت البداية في النقل الإذاعي للمباريات من المهرجان الرياضي لجامعة صنعاء، حيث كان معظم لاعبي وحدة وأهلي صنعاء طلابًا في الجامعة، في حين كان العصري -كما يتحدث- لاعبًا ومعلقًا في آن. ولكونه رياضيًّا ولاعبًا، قدّم برنامجًا رياضيًّا استمر من عام 1974 إلى عام 1990.
المبدعون والإهمال
تذكره الكتّاب والرياضيون، والجميع، بعد أن نال منه المرض والتعب والإهمال والنسيان، حيث يعاني الأمرّين مع المرض والمعاناة والنسيان، ما جعل قلوب ومشاعر اليمنيين تنتحب علي العصري نحيب وطن، نحيب حقبة زمنية، كما يقول محمد العولقي، فيها من اللمعان ما فرضت العصري وحيد زمانه.
يُعد علي العصري أول من أعطى الشاشة الرياضية في اليمن حقها من الأخبار والبرامج، وأول من عرفه الجمهور على امتداد اليمن كلها معلقًا رياضيًّا قبل الجميع، وأضحى حديث الساعة الأخيرة بعد تدهور حالته الصحية.
يضيف العولقي: "من لا يعرف علي العصري عن قرب فاته الكثير والكثير! لن أنبش في سيرته الذاتية، فهي سيرة رفيعة المستوى؛ لو قرأتها الحكومة بكل أبعادها وثقلها لجعلت من كرة القدم جنة الألحان، لكن من يقرأ للسياسيين المكتئبين حكاية العصري؟".
بينما كتب الإعلامي علي الحبابي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "لن أتحدث كثيرًا عن الزميل الأستاذ علي العصري لقناعتي بما قدّمه لليمن واليمنيين لأكثر من أربعين عامًا من عمره في الإذاعة والتلفزيون، ويقيني بأن الجميع على علم بما قدّمه للإعلام الرياضي التلفزيوني. وما يعانيه اليوم وبمعرفة جميع الأطراف دون مد يد العون إليه، يجعلنا جميعًا نقول للجميع وقبل فوات الأوان: زميلنا الذي تعرفه اليمن، كل اليمن، الأستاذ علي العصري بوجيهكم جميعًا".
أما الكاتب فتحي بن لزرق فقد قال: "مَن منّا في طفولته لم يستمتع بصوت الإعلامي القدير علي العصري، وهو يقدم برنامج الشباب والرياضة. أتذكر وأنا طفل هذا البرنامج مساء كل أربعاء. صوت من زمن جميل ليته يعود".
ويعدّ علي العصري أول من أعطى الشاشة الرياضية في اليمن حقّها من الأخبار والبرامج، وأول من عرفه الجمهور على امتداد اليمن كلها معلقًا رياضيًّا قبل الجميع، وأضحى حديث الساعة الأخيرة بعد تدهور حالته الصحية.