الحُديدة -بضم الحاء، وفتح الدالين، بينهما ياء مثناة تحتية ساكنة- مدينة بها مركز المحافظة التي تحمل اسمها، وهي في وقتنا هذا أكبر وأهم مدن تهامة، وثاني أهم وأشهر الموانئ اليمنية بعد عدن.
تقع مدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر على بعد 228 كم جنوب غرب العاصمة صنعاء. يعود تاريخ إنشاء مدينة الحديدة إلى بداية القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وكانت قديمًا تعرف آنذاك باسم المرسى الحادث الذي ورد ذكره في بعض المصادر التاريخية، منها كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار"، لابن بطوطة الذي حدد موقع المرسى، وأشار بأن المرسى الحديث يمتد شمالًا باتجاه رأس كثيب، وينطبق هذا الوصف الحالي على ميناء الحديدة.
أما عن أقدم ذكر للحديدة وساحلها، فيرجع إلى نهاية القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي(1)؛ فقد أورد الخزرجي في كتابه "العقود اللؤلؤية" بأن الشيخ صالح المكي أقام مستترًا في الحديدة بعد أن حولت الرياح مركبه عن مساره، وألقته في ساحل الحديدة الذي يعرفه الخزرجي بأنه ساحل من سواحل وادي سهام.
كانت الحديدة في بداية الأمر قرية صغيرة من قرى وادي سهام الواقعة على البحر الأحمر، واكتسبت أهمية استراتيجية كبيرة فيما بعد. ويؤكد البحار أحمد بن ماجد في كتابه "الفوائد في أصول البحر والقواعد" الذي ألفه سنة 905هـ، بأن مدينة الحديدة كانت تلك الفترة واحدة من الموانئ الرئيسية في اليمن.
في بداية القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وبالتحديد في شهر يناير من سنة 1516م/ 922 هـ، تعرضت الحديدة لهجوم نفذته قوات السلطان المملوكي الغوري، وتمكنت من احتلال المدينة، ودمرت منازلها بعد أن نهبت كل ما تحويه حتى الأخشاب والقمح، ثم توجهوا بعد ذلك إلى جزيرة كمران، وكان السبب في قيام المماليك بذلك رفض السلطان الطاهري عامر بن عبدالوهاب تزويدهم باحتياجاتهم من المواد الغذائية اللازمة لمواصلة سيرهم لمقاتلة البرتغاليين الذين كانوا على مقربة من مدينة عدن.
وفي منتصف القرن المذكور، وصلت السفن التجارية الهولندية إلى الحديدة بعد أن أقام الهولنديون مراكز تجارية في كلٍّ من المخا والشحر.
في القرن السابع عشر كانت الحديدة، ثاني أهم الموانئ اليمنية بعد المخا، تبحر منها سفن التجارة، وسفن الحج، وبها أساطيل حربية للدولة العثمانية، وكان يتم تصدير جزء من منتجات البن القادمة من مدينة بيت الفقيه من ميناء الحديدة، وفي تلك الفترة ازدهرت فيها صناعة السفن، وبعد أن تعرضت السفن القادمة إلى المخا لشراء البن لمهاجمة القراصنة الأوربيين المتمركزين في جزيرة مدغشقر.
في سنة 1091هـ/ 1680م تحولت التجارة إلى الحديدة واللُّحيَّة، وفي سنة 1763م/ 1176هـ وصل الرحالة الدانماركي نيبور إلى مدينة الحديدة، وأقام في قلعة صغيرة تقع على ساحل البحر، وقد وصفها بأنها ميناء بيت الفقيه. بنيت بعض بيوتها من الحجر، مثال ذلك مقر العامل، ومبنى الجمارك، ومنازل كبار التجار، أما الغالبية العظمة من البيوت، فعبارة عن أكواخ مبنية على الطريقة التهامية.
ويذكر نيبور بأنه توجد في الحديدة قلعة مطِلة على البحر، وبأن الشيخ صادق الذي يقع قبره خارج المدينة هو حامي مدينة الحديدة.
من القرن الثاني عشر الهجري، أصبحت الحديدة من الموانئ الأساسية لتصدير البن، حيث أزاحت إلى الظل كلًّا من المخا واللحية، وصارت مدينة تجارية مزدهرة وفد إليها الكثير من التجار الحضارم والهنود.
لقد كانت الحديدة في تلك الفترة منطقة تجارية مهمة ودخلها من الجمارك كبير، وأصبحت مع اللحية أهم وأكثر الموانئ اليمنية تصديرًا للبن، حيث تقدر كميات البن التي صدرت من مدينة الحديدة إلى جدة سنة 1778م/ 1192هـ بأكثر من 5 الأف طن إنجليزي، وقد ازدادت أهمية الحديدة منذ افتتاح قناة السويس، حتى إن عدد السفن التجارية التي كانت تصل إلى مدينة الحديدة بلغ 80 سفينة في الأسبوع.
في القرن التاسع عشر، تعرضت الحديدة للاحتلال والتدمير من عدد من الحملات العسكرية؛ ففي سنة 1809م/ 1224هـ دخلها الأمير سعود قادمًا من عسير، وهدم وخرب المدينة، ولم يبقِ من مبانيها سوى "مسجد الجعيشية"، ومنزل محمد علي علوي في حارة السور.
كما تعرضت للاحتلال من قبل القوات المصرية وقوات إمام صنعاء، وتمكنت القوات التركية في سنة 1849م/1265هـ من احتلال المدينة، ثم اضطرت للخروج منها، وأعادت احتلالها سنة 1872م/ 1289هـ.
اتخذ الأتراك مدينة الحديدة قاعدة لهم، وجعلوها متصرفية تضم كلًّا من: زبيد، وبيت الفقيه، وريمة، وباجل، وحجور، وأبي عريش، وكان الوالي العثماني في الحديدة يقيم في القشلة التي كانت تتكون من عدد من المباني المحاطة بسور تتخلله الأبراج متعددة الطوابق، وفي كل ركن من أركان القشلة برج أسطواني يماثله برجان يكتنفان مدخل القشلة، وتتخلل جدران الأبراج فتحات صغيرة يستخدمها الجند في الدفاع عن القشلة، وصد أي هجوم قد تتعرض له.
في النصف الأول من القرن العشرين، أصابت مدينة الحديدة كوارث عدة؛ ففي عام 1911م/ 1329هـ، تعرضت لقصف السفن البحرية الإيطالية، كما التهمت نيران حريق شب في المدينة في نفس السنة نحو ثلاثة آلاف بيت.
وفي عام 1918م/ 1336هـ، سقطت المدينة في أيدي القوات البريطانية، ووهبتها لشريف عسير، ثم استطاع الإمام يحيى استعادتها سنة 1925م/ 1343هـ، وفي عام 1934م/ 1353هـ احتلتها القوات السعودية لفترة قصيرة.
كانت مدينة الحديدة محاطة بسور من الحجر، ولها سوق كبير يتوفر فيه كل شيء، وبها العديد من المعالم والمنشآت التاريخية، وقلعتان خارج المدينة والقشلة بوسطها -حاليًّا القصر الجمهوري- وقلعة الحالي، وباب مشرف الذي قام ببنائه الشريف حمود أبو مسمار سنة 1810م/ 1225هـ.
ويذكر أحد الفرنسيين الذين قدموا إلى المدينة سنة 1737م/ 1253هـ، أنه يوجد فيها مستشفى ليس فيه إلا القليل من الدواء، ويديره طبيب فرنسي، كما يذكر الفرنسي "إميل بوتا" الذي زار الحديدة بأن المدينة تمتاز بعمائرها الشاهقة الجميلة، وشوارعها التي هي أنظف من شوارع القاهرة في مصر، وقد أقام الأتراك في بعض المنشآت، حيث بنوا في سنة 1875م 1292هـ رصيفًا صغيرًا على الساحل بالقرب من حارة السور، وفي سنة 1907م/ 1325هـ أنشؤوا مصنعًا لتحلية المياه، وبدؤوا في عام 1911م/ 1329هـ بمد خط سكة حديد من راس كثيب إلى الحديدة، ثم الحجيلة، وكان من المفترض أن يمد بعد ذلك إلى زبيد، فتعز، ومنها إلى ذمار، ثم إلى صنعاء، وبعدها إلى عمران، غير أن قصف إيطاليا للموانئ اليمنية سنة 1912م 1330هـ، وتدمير عدد من المنشآت في الحديدة كالجبانة وقلعتين خارج المدينة، والمعسكر التركي الذي يقع وسطها، وقلعة الحالي- كل ذلك كان سببًا في توقف عملية بناء طريق السكة الحديدية.
أما عن عدد سكانها في 1841م/ 1257هـ، فيذكر الفرنسي "روشيه دو هير يكل" أنه يتراوح ما بين 3000 إلى 4000 نسمة، ويضيف بأن المدينة تنقسم إلى قسمين؛ الأول: جميع مبانيها من الحجر، والثاني: من الطين والقش، وقد وصل عدد سكان المدينة في 1892م/ 1309هـ، إلى ما بين 30–35 ألف نسمة.
اشتهرت الحديدة بأعمال الحياكة والنسيج، وصناعة بعض الأواني الفخارية، وأهم معالمها التاريخية التي ما تزال قائمة حتى اليوم الجامع الكبير، والقلعة (القصر الجمهوري حاليًّا)، والسوق القديم داخل باب مشرف.
تنقسم محافظة الحديدة إداريًّا إلى تسع عشرة مديرية، تقع سبع عشرة منها في سهل تهامة، ومديريتان في الجبال؛ هما: برع التي تطل على مديرتي باجل والسخنة، وجبل راس المطل على مديرية حيس.
قال عنها إبراهيم المقحفي: "الحديدة -بضم فسكون- مدينة وميناء على ساحل البحر الأحمر. تبعد عن صنعاء غربًا بمسافة 220 كم. يرجع ابتداء ظهورها إلى القرن الثامن الهجري كمنقطة صيد، ثم استخدمت كمرسى للسفن من سنة 859هـ/ 1455م، ثم قرية وميناء صغير عام 920هـ/ 1514م أيام السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري".
وفي عام 1264هـ/ 1848م، أصبحت قاعدة للأتراك ومنطلقًا لهم إلى صنعاء، وأصبحت بوجودهم مركزًا إداريًّا مهمًّا.
وفي عام 1337ه/1918م، احتلت مدينة الحديدة قوة بريطانية، وفي عام 1341هـ/ 1923م تسلمها محمد الإدريسي من الإنجليز، ثم تمكن الإمام يحيى من السيطرة عليها عام 1343هـ/1925م.
ومن القرن الثاني عشر الهجري، أصبحت الحديدة من الموانئ الأساسية لتصدير البن، حيث أزاحت إلى الظل كلًّا من المخا واللُّحيَّة، وصارت مدينة تجارية مزدهرة وفد إليها الكثير من التجار الحضارم والهنود، وقد صارت الحديدة اليوم من أكبر مدن تهامة، وأشهر موانئ اليمن على البحر الأحمر.
والحديدة منطقة رملية مالحة ذات رطوبة تطفو على الأرض، وماؤها شديد الملوحة، كما أن مناخها حارٌّ جدًّا، قد يصل إلى 48 درجة في فترة الصيف.
وتضم محافظة الحديدة الوحدات الإدارية التالية: المراوعة، الصليف، زبيد، جبل راس، بيت، الفقيه، الزيدية، الضحي، المنيرة، اللحية، المنصورية، برع، كمران، حيس، الخوخة، الدريهمي، القناوص، المغلاف، الزهرة، باجل.
تشتهر محافظة الحديدة بوجود عدد كبير من الوديان الخصبة التي تنزل إليها مياه الجبال المطلة على بلدانها، منها:
تعتبر محافظة الحديدة واحدة من أهم المناطق اليمنية في زراعة النخيل وإنتاج التمور، ويتوافر فيها عدد كبير من أشجار النخيل، وتصل أنواع التمور التي تنتجها المحافظة إلى أكثر من مئة صنف، لكل منها اسم تعرف به ويميزها عما سواها، كالمقاصب، والمخلصي، والعريجي، والبطاحي، والجاحي، وهي الأصناف المتوفرة بكثافة، فيما تتمثل أهم الأصناف الجيدة والنادرة بالقطار، والفرشخات، والديناري.
كما تتمتع المحافظة بإنتاج الكثير من المحاصيل الغذائية والفواكه التي صارت اليوم تغطي احتياج السوق المحلي، ويصدر الفائض إلى الدول المجاورة، وخاصة فواكه الموز، والعنب، والمانجو، وبلح المناصف، كما تعد محافظة الحديدة من أكثر المحافظات التي شهدت تطورًا في المجال الصناعي والإنتاجي، وتوسعًا في الخدمات العامة.
ومن البلدان اليمنية التي تحمل اسم الحديدة أيضًا:
___________________
المصدر: